أفرام الثاني افتتح مؤتمر “مستقبل الحضور المسيحي في المشرق”: وجوده في المنطقة ضرورة ملحة لأبنائها
افتتح بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم مار إغناطيوس أفرام الثاني مؤتمر “مستقبل الحضور المسيحي في المشرق” الذي يعقد في المقر البطريركي في العطشانة – بكفيا، من تنظيم المركز المجري لدراسات المسيحية المشرقية، ومركز المشرق للأبحاث والدراسات، ويشارك فيه عدد من الباحثين الأكاديميين والمختصين في قضايا المسيحية المشرقية. حضر الافتتاح ممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى عامر زين الدين، سكرتير الدولة لشؤون مساعدة المسيحيين المضطهدين الوزير الهنغاري تريستان أزبي، السفير الهنغاري في لبنان فرنس تشيلاغ، السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، مطران جبل لبنان وطرابلس مار ثاوفيلوس جورج صليبا، النائب البطريركي في زحلة والبقاع مار يوستينوس بولس سفر، النائب البطريركي ومدير المؤسسات البطريركية الخيرية في العطشانة مار كريسوستوموس ميخائيل شمعون، النائب البطريركي للدراسات السريانية مار سويريوس روجيه أخرس، السكرتير البطريركي ومدير دائرة الإعلام مار يوسف بالي، وممثلون عن البطاركة والمطارنة وفاعليات أكاديمية وباحثون ومهتمون بقضايا مسيحيي المشرق.أفراموقال أفرام الثاني في الإفتتاح: “نلتقي اليوم في ظل تحولات جذرية ووجودية تمر بها منطقتنا والكثير من دول العالم، حيث سقطت الكثير من المفاهيم وتضعضعت نظم كثيرة تاركة الإنسان في حال من الارتباك وعدم اليقين بما ينتظر بشريتنا من مستقبل قاتم مهدد بالانفجار في أية لحظة”.أضاف: “لقد أظهر وباء كورونا الاختلال الكبير وعدم التكافؤ بين دول وشعوب العالم. وفي ظل التهافت الكبير على الحصول على اللقاحات وغيرها من أساليب الوقاية، كادت بعض الدول -حتى الصديقة منها- أن تعلن حربا على بعضها البعض، فانكشفت هشاشة نظمنا الإنسانية والسياسية وحتى الدينية. واليوم، يعيش ا okلعالم مأساة الحرب في أوروبا، التي هي في ظاهرها تقاتل روسي-أوكراني ولكنها في جوهرها تنافس على قيادة العالم والاستيلاء على ثرواته. وأما الضحية فهو مرة أخرى الإنسان المسالم الذي يسعى إلى الحصول على لقمة العيش”.وتابع: “أما في منطقتنا هذه التي ابتليت بالحروب والخصومات منذ أجيال، فالإنسان يفقد كرامته كل يوم وهو يسعى جاهدا لتدبير احتياجاته الضرورية للحياة. والمسيحي -ربما أكثر من غيره- يشعر بالخوف مما ينتظره، وذلك بسبب التجربة التي مر بها خلال السنين القليلة الماضية ونعني الهجمات الهمجية للجماعات الإرهابية التكفيرية التي لم توفر البشر ولا الحجر في محاولة منها لطمس كل ما يميز هذه البلاد من إرث حضاري مادي أو روحي أو معنوي. فسارع المسيحيون قبل غيرهم للهجرة، وهكذا يكاد مشرقنا هذا يخلو من مسيحييه الذين أسهموا في بناء حضارته، وتركوا فيه بصمات لا تمحى على مر العصور”.وقال: “بدون شك، هذا الغياب المسيحي لا يضر فقط بالمسيحية المشرقية التي تجسد اليوم القيم المسيحية الحقيقية بعد ما أصاب الغرب من ضعف، وما انتشر فيه من تيارات مادية وإلحادية، بل هو ضربة للمجتمع المشرقي بأكمله: فالمسلم أيضا بحاجة إلى استمرار الوجود المسيحي في منطقتنا لئلا تصبح هذه البلاد ذات لون واحد يؤدي إلى انغلاق على الذات ومزيد من التعصب الديني”.أضاف: “الوجود المسيحي في المشرق ضرورة ملحة لأبناء المنطقة بمختلف انتماءاتهم، وذلك لما للمسيحيين من حضور تاريخي تنويري في المنطقة تجلى بأفضل صوره من خلال دورهم في تأسيس دواوين الدولة الأموية في دمشق، ونشاطهم العلمي والثقافي في ظلال الدولة العباسية في بغداد، وخاصة حركة التأليف والترجمة التي قادها علماء سريان. وكذلك دورهم الفعال في إعادة إحياء اللغة العربية وآدابها في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ولا ننسى دورهم في الحياة السياسية في المنطقة من خلال إسهامهم في تأسيس الأحزاب والحركات السياسية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب القومي السوري الاجتماعي”. وتابع: “كان ولا يزال للمدارس والجامعات المسيحية الدور البارز في تنشئة أجيال من العلماء والمثقفين، سواء في القرون الأولى ضمن الأديرة، أو في العصور المتأخرة من خلال المؤسسات التعليمية التي أنشأتها البعثات التبشيرية”.وأردف: “أهمية هذا اللقاء تكمن في كونه اللقاء الأول الذي يجمع أكاديميين ومختصين يقدمون أبحاثهم حول الوجود المسيحي ومستقبله في المشرق في ضوء ما تعرضت له منطقتنا من أحداث دامية وهجمات إرهابية يمكن وصفها بالتطهير الديني، وقد وصفت من قبل البعض بالإبادة الجماعية نظرا للنتائج الكارثية التي أفرزتها بحق عدد كبير من شعوب المنطقة، ولكن بشكل خاص بحق المسيحيين والإزيديين وغيرهم من الأقليات الدينية، مما أدى إلى هجرة الملايين منهم من بلاد كانت موطن آبائهم وأجدادهم منذ قديم الزمان. ومن بقي منهم لم يعد يشعر بالأمان، مما يؤدي إلى تقوقعهم على نفسه وانعزالهم عن محيطهم. وهنا يكمن خطر كبير، فالانفتاح على الآخر هو المطلوب في هذه الظروف وليس العكس”. وقال: “أمام هذه الصورة القاتمة للوجود المسيحي في المشرق، فإن بقاء المسيحية في هذه البلاد وتعزيزها لتكون فاعلة ومؤثرة مسؤولية تتشارك بها أكثر من جهة، ولكن على وجه الخصوص:
1- حكومات دول المنطقة التي لها مصلحة كبرى ببقاء المسيحيين والاستفادة من إمكانياتهم وانفتاحهم، وذلك من خلال ضمان مساحة كافية تمكنهم من العيش الحر الكريم على أساس من المواطنة، متساوين بالحقوق والواجبات مع باقي مكونات المجتمع.2- الكنيسة بكل تفرعاتها التي يجب أن تبث روح الرجاء بين أبنائها، وخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، فتقدم لهم المعونة من خلال استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب في مدارس الكنيسة الخاصة ومؤسساتها التعليمية، وخلق فرص عمل في مشاريع صغيرة تؤسسها الكنيسة. ومن المعلوم أن إمكانيات كنائسنا محدودة، وهنا يأتي دور الجمعيات الخيرية والمؤسسات الكنسية والإنسانية التي تدعم مشاريع الكنيسة بدرجات متفاوتة. ونحن نقدم شكرنا لكل هذه الجهات الممولة، ونخص بالشكر والتقدير شعب وحكومة هنغاريا المجر التي تعمل منذ سنين على تعزيز الوجود المسيحي هنا في المشرق وفي أماكن أخرى من العالم، من خلال عمل مؤسسة Hungary Helps التابعة لوزارة الخارجية الهنغارية. ويسعدنا أن نرحب برئيس Hungary Helps سعادة الوزير تريستان أزبي، الذي لبى دعوتنا لحضور هذا المؤتمر. ولا بد من التنويه بأن المجر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تقدم المساعدة مباشرة عن طريق الكنائس المحلية”. أزبيبدوره، قال الوزير المجري: “هناك كلمة تحظى بالمعنى نفسه في العالم كله وهي كلمة “تضامن”. بالنسبة لنا نحن المسيحيين عبر العالم لهذه الكلمة معنى خاص في يومنا في ظل التحديات والتهديدات والهجمات التي واجهها أخوات وإخوة لنا في نواح عديدة من العالم”.أضاف: “على مر تاريخنا نحن الهنغاريين حاربنا مرات عديدة دفاعا عن هويتنا، عن إيماننا المسيحي، وعن الروح الهنغارية، وحمينا حدودنا الجنوبية من العثمانيين ولم نحم بذلك هنغاريا وحسب بل أوروبا المسيحية بكاملها وكنا ضحية النظام الشيوعي المعادي للكنيسة في القرن العشرين”.وتابع: “في هذه المنطقة تواجه المجتمعات المسيحية مشاكل مختلفة عن تلك التي نواجهها في قلب أوروبا. وفي وقت يقدم لبنان نموذجا متقدما للتعايش السلمي وفي الاحترام المتبادل، اصبحت الهجرة بفعل الأزمة الإقتصادية قضية مستفحلة لا سيما في صفوف الشباب الذين يخافون على مصيرهم المجهول في المنطقة كلها”.وأشار الى “خطورة التغير الديموغرافي الناجم عن الهجرة”، منتقدا “تلهي الغرب عن مثل هذه القضايا الإنسانية بتسليط الضوء على قضايا أقل أهمية كمسألة التغير المناخي”.وقال: “ان الإضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون بالغ الخطورة ومع هذا فهو لا يحظى باهتمام المدافعين عن حقوق الإنسان في الدبلوماسية الدولية”.أضاف: “لن نسمح لأوروبا بالتغاضي عن هذه الكارثة التي تحصل أمام أعيننا أو طمسها. ان منطقة الشرق الأوسط هي مصدر الحضارة المسيحية ونحن مدركون أن الحضور المسيحي ثقافيا وحضاريا بالغ الأهمية، ليس فقط من أجل إخوتنا وأخواتنا الساكنين هنا بل من اجل مسيحيتنا في العالم أجمع”.
Comments are closed.