الكون ليس أسود اللون.. ما لونه الحقيقي؟
اللون البيج الكوني هو اللون الذي ستراه إذا كان بإمكانك النظر إلى الكون من الأعلى ورؤية كل الضوء القادم من كل مجرة ونجم وغيمة غازية في وقت واحد.
عندما تنظر إلى السماء ليلا، من السهل أن تعتقد أن الكون بحر من السواد، ولكن إذا قمت بقياس الضوء المرئي من جميع الأجرام السماوية المضيئة، فما متوسط لون الكون؟
الكون ليس أسود اللون
يقول إيفان بولدري (Ivan Baldry)، الأستاذ في معهد أبحاث الفيزياء الفلكية بـ”جامعة ليفربول جون مورس” (Liverpool John Moores University Astrophysics Research Institute) في المملكة المتحدة، في تقرير نشر على موقع “لايف ساينس” (Live Science) في 22 من أغسطس/آب الجاري، “الأسود ليس لونًا، الأسود هو مجرد غياب للضوء المرئي، في حين أن اللون هو نتيجة الضوء المرئي في جميع أنحاء الكون من النجوم والمجرات”.
في عام 2002 تشارك بولدري وكارل غلازبورك (Karl Glazebrook) الأستاذ المتميز في مركز الفيزياء الفلكية والحوسبة الفائقة في “جامعة سوينبيرن للتكنولوجيا” (Swinburne University of Technology ) في أستراليا، في قيادة دراسة نُشرت في دورية “ذا أستروفيزيكال جورنال” (The Astrophysical Journal)، قامت بقياس الأضواء القادمة من عشرات الآلاف من المجرات وتوحيدها في طيف واحد يمثل الكون بأسره، وبذلك تمكن الباحثان وزملاؤهما من حساب متوسط لون الكون.
الطيف الكوني
تبعث النجوم والمجرات موجات من الإشعاع الكهرومغناطيسي، تنقسم إلى مجموعات مختلفة بناء على أطوال الموجات المنبعثة التي تشمل (من الأقصر إلى الأطول) أشعة غاما، والأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، والضوء المرئي، والأشعة تحت الحمراء، والموجات الميكروية، وموجات الراديو.
ويشكل الضوء المرئي جزءًا صغيرًا من الطيف الكهرومغناطيسي من حيث نطاق الأطوال الموجية، ولكنه الجزء الوحيد الذي يمكن للعين المجردة رؤيته، وما نعدّه ألوانًا هو في الواقع مجرد أطوال موجية مختلفة للضوء المرئي؛ إذ تتميز الألوان الحمراء والبرتقالية بأطوال موجية أطول، أما الألوان الزرقاء والبنفسجية فلها أطوال موجية أقصر.
يقول بولدري إن الطيف المرئي لنجم أو مجرة هو مقياس للسطوع والأطوال الموجية للضوء الذي ينبعث من النجم أو المجرة، التي بدورها يمكن استخدامها لتحديد متوسط لون النجم أو المجرة.
في عام 2002، التقط مسح الانزياح الأحمر للمجرة (2df) في أستراليا -الذي كان أكبر مسح للمجرات أُنجز على الإطلاق في ذلك الوقت- الأطياف المرئية لأكثر من 200 ألف مجرة من جميع أنحاء الكون المرئي، وبالجمع بين أطياف كل هذه المجرات تمكن فريق بولدري وغلازبروك من إنشاء طيف ضوئي مرئي يمثل بدقة الكون بأكمله، يعرف باسم الطيف الكوني.
يمثل الطيف الكوني “مجموع كل الطاقة المنبعثة من الأطوال الموجية المختلفة للضوء في الكون”، كما كتب بولدري وغلازبروك في ورقة بحثية مستقلة على الإنترنت في عام 2002 بناء على اكتشافهما من مسح الانزياح الأحمر، وقد سمح لهم الطيف الكوني بتحديد متوسط لون الكون.
التحويل إلى لون
تحتوي أعيننا على 3 أنواع من المخاريط الحساسة للضوء، كل منها يساعدنا على تمييز نطاق مختلف من أطوال موجات الضوء المرئي، وهذا يعني أن لدينا بعض النقاط العمياء -النقطة العمياء نقطة تخلو من أي مستقبلات الضوء- كما كتب بولدري وغلازبروك في ورقتهما على الإنترنت، وتعتمد الألوان التي نراها أيضًا على ماهية مرجعنا للضوء الأبيض عندما نلاحظ جسما ما، فعلى سبيل المثال قد يظهر لون كائن ما مختلفًا في غرفة مضاءة مقارنة بالخارج في يوم ملبّد بالغيوم.
ومع ذلك، فإن الفضاء اللوني “سي آي إي” (CIE) -الذي أنشأته اللجنة الدولية للإضاءة في عام 1931- يعوض محدودية بصرنا من خلال عزو لون إلى مجموعات مختلفة من الطول الموجي كما يراها مراقب بشري، وهو ما استخدمته نماذج الحاسوب الخاصة بالفريق -كما ذكر بولدري- لمطابقة الألوان وتحويل الطيف الكوني إلى لون واحد مرئي.
قرر الفريق أن متوسط لون الكون هو لون “بيج” قريب إلى اللون الأبيض، وعلى الرغم من أن هذا الاكتشاف غير مثير إلى حد ما، فإنه ليس بالأمر المفاجئ، بالنظر إلى أن الضوء الأبيض هو نتيجة الجمع بين كل الأطوال الموجية المختلفة للضوء المرئي وأن الطيف الكوني يتضمن مثل هذا النطاق الواسع من الأطوال الموجية.
سمّي اللون الجديد في النهاية باسم “اللاتيه الكوني” (Cosmic Latte) استنادًا إلى الكلمة الإيطالية للحليب، بعد استطلاع رأي أجراه فريق البحث بأكمله، وشملت الاقتراحات الأخرى “كابتشينو كوزميكو”،و”بج بانغ بيج”.
إزالة انزياح اللون الأحمر
أحد المفاهيم الأساسية للطيف الكوني هو أنه يمثل ضوء الكون “كما كان متصورًا في الأصل”، كما كتب بوليردي وغلازبروك في ورقتهما على الإنترنت، وهذا يعني أنه يمثل الضوء مثلما انبعث في جميع أنحاء الكون، وليس فقط كما يبدو لنا على الأرض اليوم.
ومثل كل الموجات، يمتد الضوء على مسافات شاسعة بسبب تأثير دوبلر (وهو تغير ظاهري للطول الموجي عندما ترصد من قبل مراقب متحرك بالنسبة للمصدر الموجي)، فعندما يتمدد الضوء يزداد طوله الموجي ويتحرك لونه نحو اللون الأحمر من الطيف، وهي ظاهرة يعرفها علماء الفلك باسم الانزياح الأحمر، وهذا يعني أن الضوء الذي نراه ليس باللون نفسه الذي كان عليه عند انبعاثه.
وقال بولدري “أزلنا تأثير الانزياح الأحمر من أطياف المجرات، أي إن هذه هي أطياف المجرات عندما بعثت الضوء”، ويستطرد بولدري أنه “لهذه الأسباب، فإن اللون البيج الكوني هو اللون الذي ستراه إذا كان بإمكانك النظر إلى الكون من الأعلى ورؤية كل الضوء القادم من كل مجرة ونجم وغيمة غازية في وقت واحد”.المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية
Comments are closed.