هل انكسرت الجرة بين عون و”حزب الله”؟
مواقف متباعدة تواترت بالفترة الأخيرة بين “التيار الوطني الحر” بقيادة الرئيس اللبناني ميشال عون وحزب الله استبطنت تناقضا بين الحليفين.
عديدة هي الملفات التي بدا الاشتباك السياسي فيها واضحاً بين الفريقين، تبدأ مع حركة “أمل”، الحليف الثابت لـ”حزب الله”، مرورا بمواعيد الانتخابات النيابية، وقضية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، وما أدت إليه من تعطيل للحكومة إضافة إلى الأزمة مع دول الخليج التي استجدت في الشهر الأخير.
“حرب” الحلفاء
وبالأسابيع الأخيرة، جرى تسريب خبر على لسان سليم جريصاتي، المستشار الأول للرئيس عون مفاده ما معناه أن الأخير لم يعد يستطيع الاحتمال على خلفية المطالبة بإزاحة المحقق العدلي بانفجار المرفأ.
وعندما لم يتجاوب “حزب الله” مع الرسالة المسربة، ومضى بتعطيل الحكومة، عمد عون إلى الرسائل المباشرة، عبر التغريد عبر حسابه بموقع تويتر، بالقول إن “الأبرياء لا يخافون القضاء.. وكما قال الإمام علي ‘من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومَنّ من أساء به الظن'”.
وقلما يستخدم عون حسابه الشخصي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى استشهاده بمقولة للإمام علي، ما جعل الرسالة الثانية أقوى من الأولى، واستدعى الأمر رداً مباشراً من حليف “حزب الله” رئيس مجلس النواب نبيه بري، واتهمه بأن القضاء أصبح “قضاء سلطة”.
ولم يتوقف الموضوع عند هذا الحد، بل زادت التصريحات المباشرة من نواب كتلة عون التي تستهدف “حزب الله” على خلفية أحداث الطيونة التي أحرجت تيار عون، خصوصاً ضمن بيئته “المسيحية”، وكان التصريح الأبرز لابن شقيقة عون النائب آلان عون الذي اتهم صراحة “حزب الله” وحليفه بري بتعطيل الحكومة وأي فرصة لإنقاذ البلد.
واعتبر أنه لا “حزب الله ولا غيره يستطيع إزاحة المحقق العدلي ولا التشكيك في مسار عمله، كما أنه لا يمكن نسف فكرة القضاء ولا فرض نظرية المؤامرة ويجب فك اللغم الذي وضعوه في الحكومة”.
وفي 14 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، اندلعت مواجهات مسلحة في شارع “الطيونة” بين منطقتي الشياح (أغلبية شيعية) وعين الرمانة ـ بدارو (أغلبية مسيحية)، أسفرت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين.
وبدأت الأحداث بإطلاق نار كثيف خلال مظاهرة نظمها مؤيدون لمليشيات”حزب الله” وحركة “أمل” في محاولة للإطاحة بالقاضي طارق بيطار، المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وعقب الأحداث، اتهم حزب الله” وحركة “أمل” اتهامات لحزب “القوات اللبنانية” (مسيحي) بتنفيذ “كمين مسلح” ضد المتظاهرين المؤيدين للجماعتين، وهو ما نفاه الأخير.
معادلة جديدة
وفي تصريح لـ”العين الإخبارية”، قال قيادي في “التيار الوطني الحر”، امتنع عن ذكر اسمه (بسبب حساسية المرحلة)، إن أحداث الطيونة الأخيرة أحرجت أنصار عون وأضعفت موقفهم وحولت خصمهم (رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع) إلى بطل في ذهن المسيحيين بينما تراجع رئيسهم إلى الصفوف الخلفية.”
وأضاف: “صارت المعادلة (زعيم مليشيات حزب الله حسن) نصرالله مقابل سمير جعجع على حساب حضور النائب جبران باسيل. مشيراً إلى أنه لا يوجد داخل “التيار” من يمكنه تبرير خطوات “حزب الله” الأخيرة، من ذلك الحملة ضد المحقق العدلي في قضية المرفأ فيما هو ليس متهماً، وتعطيل آخر حكومة في عهد عون، وتظاهرة نتجت عنها أحداث دامية في الطيونة.
ووصف هجوم “حزب الله” الاخير على جعجع بأنه “دعسة (قفزة) ناقصة” استفاد منها رئيس “حزب القوات” مدعوماً من البطريرك الماروني، وحولت “التيار الوطني” إلى حليف لمن يريد مواجهة المسيحيين في عين الرمانة ويقف مع رئيس مجلس النواب الذي يتولى مهاجمة رئيس “التيار”، بينما يتولى “التيار” الدفاع عن التحالف مع الحزب على تقديم موعد الانتخابات.
وتساءل: “ما المقصود من إحراج التيار في بيئته. وهل يفيد التفاهم مع حليف ضعيف؟”.
حسابات
القيادي مضى متسائلا: “ما الذي يربحه حزب الله من شعار ‘شيعة، شيعة’ الذي يرفعه مناصروه في تظاهراتهم؟ وهل يعكس رفعه قراءة سياسية انطلاقاً من نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق والحاجة إلى استنهاض العصب الشيعي، مقابل تسوية روسية سورية على حساب إيران؟.
وحتى الساعة، يقف “حزب الله” صامتاً أمام جميع التصريحات الصادرة من عون وأنصاره، حيث لم يرد بشكل مباشر على أي تصريح، فيما قالت أوساط سياسية إن البيانات الحادة الصادرة عن “حركة أمل” ضد حزب التيار الوطني الحر، بمثابة رسالة من حزب الله إلى حليفه.
وفوجئت الأوساط اللبنانية من حدة بيانات حركة أمل التي جمعت الكثير من الأوصاف من نوع “تيار الفساد بات محترفاً في سرقة المواقف”، وعلى عون بوصفه بـ”التقاعس” و”الإخلال بواجباته الدستورية”.
ولكن بعكس قضية التحقيق وأحداث الطيونة، لم يبد عون وفريقه حماسة في مواجهة عنجهية “حزب الله” بالتمسك بوزير الإعلام جورج قرداحي الذي افتعل أزمة تعتبر الأكبر في تاريخ لبنان مع دول الخليج، واكتفى بالتلميح إلى أن الوزراء المحسوبين عليه سيصوتون لصالح إقالة قرداحي في حال طرحت في مجلس الوزراء، من دون اتخاذ موقف رسمي أو ممارسة أي ضغط على “حليفه” بهذا الاتجاه.
وفي المحصلة بين “التيار” و”حزب الله”، لم يعد يكفي التأكيد على عمق التحالف الاستراتيجي، لكن في المقابل هناك من يؤكد أن كل طرف لا يمكنه التحليق بعيداً عن شرعية يؤمّنها له الآخر.
Comments are closed.