فسحة من الأمل والفرح في «عرس» للنازحين في نادي الزعرورية وزينة من الزهر والبالونات احتفالاً بمولودة جديدة في ثانوية جون الرسمية

العروس الشابة ابنة بلدة ميفدون في قضاء النبطية نور سميح أرطيل تحتفل بزواجها

أقامت الهيئة الإدارية لنادي الفتيان في بلدة الزعرورية في إقليم الخروب، على رغم الجراح والآلام الكبيرة، احتفالا رمزيا أرادت من خلاله «جبر خاطر» الشابة العروس، ابنة بلدة ميفدون في قضاء النبطية نور سميح أرطيل، التي كانت تتحضر للاحتفال بعقد قرانها في بلدتها بين أهلها، إلا ان ظروف الحرب، منعتها من تحقيق أحلامها كاملة، بعد أن حولت الجنوب وقراه إلى جحيم، فتركت البلدة مع عائلتها ولجأت إلى مقر نادي الفتيان في الزعرورية.

العروس التي كانت تروي ظروفها ومآسي جميع أبناء الجنوب، التي قطعت أوصاله الحرب، باتت حزينة على حالها وأحوال أهلها، وهي تذرف الدموع يوميا، كونها كانت تتحضر للسفر ومغادرة وطنها الجريح إلى قفصها الزوجي للقاء عريسها في أبيدجان بأفريقيا حيث ينتظرها، فكانت المفاجأة ليلة سفرها، حيث أقامت لها الهيئة الإدارية لنادي الفتيان، عرسا رمزيا في مقر إقامتها في النادي، على وقع الطبل والزمر والزفة.

نور سافرت بالأمس إلى أفريقيا، لكنها لم تغادر الوطن مكسورة الخاطر إلى حد ما. وأعادت خطوة النادي رسم الفرح في قلبها وفي نفوس محبيها وذويها، مقارنة مع حجم الجراح، وحملت في طياتها الكثير من المعاني.

وتحدثت رئيسة النادي كارول شمس الدين لـ«الأنباء»، فأشارت إلى «ان النادي يستضيف في مركزه 23 عائلة من أبناء الجنوب». ولفتت إلى «ان العروس نور، أخبرتنا بأنها وقبل اندلاع الحرب، كانت تحضر لحفل زفافها، وقد حجزت فستان الفرح والقاعة وشهر العسل، والسفر إلى أبيدجان في أفريقيا لتلاقي خطيبها، ولكن نتيجة الحرب ألغي كل شيء».

وأضافت: «بعد معرفتنا بموعد سفرها، اجتمعنا كهيئة ادارية في النادي، وقررنا ان نصنع لها مفاجأة، وندخل الفرحة إلى قلبها، كون فرحتها لم تكتمل، فالعرس الذي كانت تحلم به لم يتحقق. وقمنا مع جمعية «سي بي سي تشاريتي» بشراء قالب جاتو والحلويات والطبل وألبسناها الطرحة، وأقمنا لها زفة في ملعب النادي، حيث دعونا كل المقيمين، ورقصنا وأقمنا لها الدبكة على أنغام الموسيقى، وكانت الفرحة تغمرها، وهي تشارك معنا».

وأكدت شمس الدين «كان لهذه المبادرة أثر بالغ لدى العروس وذويها، الذين لم تفارق الدمعة أعينهم، لأنهم كانوا يريدون الاحتفال بزفاف ابنتهم كما كانت تحلم، ولكن الحرب بددت هذا الحلم، فكانت مفاجأتنا لها بلسمة للجراح».

والد العروس نور سميح أرطيل تحدث لـ«الأنباء»، وقال: «لاقيني ولا تطعميني. نحن لا نشعر أننا في غربة بل في بلدنا. فقد انتقلنا من ميفدون وجئنا إلى الزعرورية منذ أكثر من شهر، ونعيش بين أهلنا الذين يعاملوننا معاملة طيبة، وكأننا من اهل البلدة».

وقال:«اما بالنسبة إلى الاحتفال الذي أقامه النادي لابنتي بمناسبة زفافها، فالكلمات تعجز عن وصف شعوري، فهم أدخلوا الفرحة إلى قلبها، وأكدوا بخطوتهم هذه بأنه مهما كانت الحرب قاسية، على المرء ان يحتفظ بنافذة ضوء تعطيه الأمل بالحياة. شكرا لخطوة النادي، وأدعو لابنتي بالتوفيق في حياتها الزوجية. قد أحزن على فراقها، ولكني سعيد بأنها ستؤسس حياة لها في بلد جديد، بعيدا من الحروب والدمار».

من الزعرورية إلى جون، وضمن أجواء الفرح، شهدت ثانوية جون الرسمية، وضع سيدة نازحة من الجنوب، مولودة جديدة أطلقت عليها اسم مريم، وتم الاحتفال بها بشكل تام في مقر إقامتها في الثانوية. وتم تخصيصها بغرفة خاصة للوالدة والمولودة، في غرفة المكتبة الثانوية، حيث تم وضع سرير خاص بالوالدة وآخر للطفلة، وتم وضع الزينة من الزهر والبالونات على الباب، فيما توزع والدة الأم الضيافة الخاصة بالولادة.

وتحدث والد الطفلة علي حسن حميد من بلدة بيت ليف (قضاء النبطية) فقال: «لقد وصلنا إلى جون بعد معاناة طويلة اثر هروبنا تحت القصف والدمار إلى ثانوية جون الرسمية، وكانت زوجتي حاملا في الشهر التاسع. ومنذ ثلاثة أيام وضعت طفلتنا مريم في مستشفى سبلين الحكومي بعد عملية قيصيرية، ولم نتكبد أي مصاريف، لا سيما وان جمعية «الشوف للتنمية» ممثلة بالسيدتين دعد القزي ورويدة الدقدوقي، اهتمت بزوجتي وكأنها ابنة بلدتهم. وخصصت إدارة الثانوية لنا غرفة من اجل راحة زوجتي والطفلة».

وأشار إلى ان جمعية «الشوف للتنمية وفور خروج زوجتي من المستشفى، أحضروا لنا كل ما تحتاجه الطفلة من حفاضات ومستلزمات وحلويات للضيافة ومغلي، احتفاء بولادة مريم، فضلا عن الزينة والبالونات، ما عزز لدينا الشعور بأننا بين أهلنا وناسنا».

أما والدة الطفلة ريان مصطفى، والحائزة شهادة LT في العلوم التربوية، فقالت: «صحيح ان أهلي بعيدين عني، إلا ان الاحتضان والرعاية والاهتمام الذي أولوني إياه القيمون على جمعية الشوف للتنمية، وإدارة الثانوية، أشعرني بأنني فعلا بين أهلي، ولم اشعر بأني في ضيعة غريبة، لا بل بالعكس الجميع أحاطني بمحبته واهتمامه، وأيضا كانت المعاملة معي في المستشفى مميزة ورائعة».

وقالت رويدة الدقدوقي من «جمعية الشوف للتنمية»: «خلال جولاتنا الطبية على مراكز الإيواء تعرفنا على ريان وكانت على وشك الولادة. قمنا بمتابعتها طبيا منذ وصولها إلى مركز الإيواء في جون، وقدمنا لها الدعم النفسي أيضا. وحين حانت لحظة ولادتها تواصلنا مع مستشفى سبلين الحكومي ووضعت طفلتها دون اي تكلفة.

بعدها قمنا نحن في الجمعية بشراء كل ما تحتاجه الطفلة والأم، حتى اننا عملنا على تزيين الغرفة، وقدمنا الحلويات والمغلي لضيافة المولودة الجديدة. وما زلنا نتابعها حتى اللحظة، وسنتابع كل اللقاحات التي تحتاجها لدى طبيب الأطفال في مركزنا في الجمعية».

من جهتها، قالت د.دعد القزي: «بما اننا في مركز المطران مارون العمار للرعاية الصحية الأولية نهتم بالنازحين في مدرسة جون، ولدينا برنامج خاص بالحوامل، كانت ريان تتابع بشكل دائم مع الدكتورة حنيفة عبدالله في المركز، ولكن كان لديها هاجس بان تلد ولا تجد عناية. من هنا تابعناها بأدق التفاصيل، سواء خلال الولادة وحتى بعدها، ولا زلنا نتابعها هي وطفلتها مريم».

بدورها، أشارت مديرة ثانوية جون الرسمية المربية منى المعوش إلى وجود 16 عائلة أي 60 شخصا في الثانوية. وكان لدينا 4 حوامل اثنتان منهما انتقلتا إلى مدرسة اخرى، واحدة في الشهر السابع، اما الرابعة فهي ريان والتي وضعت طفلتها منذ ثلاثة أيام، فاضطررنا إلى فتح مكتبة المدرسة، وخصصنا لها مكانا فيها ووضعنا لها سريرا تم تأمينه من المجتمع المحلي، إلى سرير آخر لطفلتها على نفقة جمعية الشوف للتنمية، والتي اهتمت بالوالدة حتى قبل الولادة وتتابعها هي والطفلة من اجل تأمين راحتهما».

يشار إلى ان إحدى المدارس أيضا في بلدة برجا شهدت بداية هذا الشهر ولادة طفلة أيضا، ولقيت كل الاهتمام والرعاية.

الانباء ـ أحمد منصور

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.