عوده يسأل: لِـمَ لا يَتَبارى المَسؤولون بِالمَواهِبِ الفُضْلَى عوضَ أن يحاولَ كُلُّ واحِدٍ أَنْ يَهْدُمَ عَمَلَ الآخَرِ لتَظْهَرَ أَناهُ
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، والقى عظة قال فيها: ” أَحِــبَّـــائــي، إنــجــيــلُ الــيَــوم يــروي لــنــا إحــدى الآيــاتِ الــتــي صــنــعَــهــا الـربُّ يــســوع وتُــظــهِــرُ ســلــطــانَــه الإلــهــي. فــقــد رأى ســفــيــنــتَــيْــن واقــفــتَــيْــن عـنـدَ الـشـاطـىء، كــان أصــحــابُــهــا بُــطْــرُسَ وأَخــاهُ أنــدراوس، إِضــافَــةً إلــى يَــعْــقــوبَ ويــوحَــنَّــا ابْــنَــيْ زَبَــدى، الــذيــن كــانــوا صَــيَّــادِي سَــمَــك، والــصَّــيّــادُ يَــعْــمَــلُ يَــوْمِــيًّــا لــيــعـــيــشَ بــكــرامــةٍ مِــنْ بــيــعِ مــحــاصــيــلِــه. لَــقَــدْ تَــعِــبَ هَــؤلاءِ الأَرْبَــعَــةُ طــوالَ الــلَّــيــلِ ولَــمْ يَــصْــطــادوا شَــيْــئًــا، فَــجَــلَــســوا عِــنْــدَ الــصَّــبــاحِ يَــغْــسِــلــونَ شِــبــاكَــهُــمْ مِــنَ الأُمــورِ غَــيْــرِ الــنَّــافِــعَــةِ الَّــتــي عَــلِــقَــتْ بِــهــا، ويُــصْــلِــحــونَــهــا لــكــي يَــعـــودوا إلــى عَــمَــلِــهِــم لَــيْــلًا فــي مُــحــاوَلــةٍ جَــديــدَةٍ لاصــطِــيــادِ مــا يَــعْــتــاشــونَ مِــنْـــهُ. جَــمــيــعُ الــصَّــيَّــاديــنَ يَــعْــلَــمُــونَ أَنَّ الــصَّــيْــدَ يَــتِــمُّ خِــلالَ الــلَّــيــلِ، لأَنَّ الــبَــحْــرَ يَــكــونُ مُــظْــلِــمًــا، فَــيَــشْــعُـــرُ الــسَّــمَــكُ بالأمـانِ ويَــطــفــو بــاحِــثًــا عَــنِ الــطَّــعــامِ الــوَفــيــرِ”.
وتابع: “قــد يُــشــبِــه بــعــضُ الــبَــشَــرِ الأَسْــمــاكَ الــجــائِــعَــةَ فــيَــنْــشَــطــونَ لَــيْــلًا، ظــانِّــيــنَ أَنَّــهُــم فــي مَــأمَــنٍ مِــنْ عُــيــونِ الآخَــريــن، كــالــسَّــارِقِ أو الــزَّانـي الـذي يَــظُــنُّ أَنَّ خَــطــيــئَــتَــهُ غَــيْــرُ مَــنْــظــورَةٍ تَــحْــتَ جَــنــاحِ الــلَّــيــل، إِلَّا أَنَّ صَــيَّــادَ الــنُّــفــوسِ الــشِّــرِّيــرُ يَــكــونُ مُــتَــرَبِّــصًــا بِــهِــم، مُــنــتَــظِــرًا إِيَّــاهُــم لِــيَــقَــعــوا فــي شِــبــاكِــهِ، فَــيَــنْــقُــلُــهُــم إلــى سَــفــيــنَــتِــهِ حَــيْــثُ يَــمــوتــون. لـقـد جــاءَ الــرَّبُّ يَــســوعُ لِــيُــغَـــيِّـــرَ الــمــفــاهــيــم. دَخَــلَ الــسَّــفــيــنَــةَ وعَــلّــمَ الــجُــمــوعَ عَــنْ مَــتْــنِــهــا، مــانِــحًــا إِيَّــاهُــم كَــلِــمَــتَــهُ الــمُــحــيِــيَــةَ لِــنُــفــوسِــهِــم، والــنَّــاقِــلَــةَ إِيَّــاهُــم مِــنْ مَــوتٍ روحِــيٍّ إلــى حَــيــاةٍ حَــقــيــقــيَّــة، ثـم طَــلَــبَ مِــنْ بُــطْــرُسَ أَنْ يَــتَــقَــدَّمَ إلــى الــعُــمْــقِ ويُــعــيــدَ رَمْــيَ الــشِّــبــاك. هُــنــا يَــظْــهَــرُ لَــنــا الــفَــرْقُ بَــيْــنَ عَــمَــلِ اللهِ الـخَـلاصـيّ، الــمــصــنــوعِ فــي وَضَــحِ الــنَّــهــارِ، أَمــامَ عُــيــونِ الــجَــمــيــع، بِــلا خَــجَــلٍ أو خُــبْــثٍ، وبَــيْــنَ عَــمَــلِ الــشَّــيْــطــانِ مُــحِــبِّ الــظَّــلام، الَّــذي يَــمْــنَــحُ الإِنْــســانَ راحَــةً لَــيْــلِــيَّــةً كــاذِبَــةً وحُــرِّيَّــةً مُــمــيــتَــةً فــيُــوقِــعَــهُ فــي شِــبــاكِ الــمَــوت. كما يَـظـهـرُ الـفـرقُ بـيـن حـكـمـةِ الله الـلامـحـدودةِ ومـحـدوديـةِ عـلـمِـنـا وإدراكِـنـا الـبَـشَـرِيَّــيْــن. الـجـمـيـعُ يَــعــلــمُ أَنَّ الــصَّــيْــدَ لا يَــتِــمُّ إلَّا خِــلالَ الــلَّــيــل، لَــكِــنَّ اللهَ يَــجْــعَــلُ غَــيْــرَ الــمُــسْــتَــطــاعِ مُــسْــتَــطــاعًــا، والــطَّــاعَــةُ تَــصْــنَــعُ الــعَــجــائِــب. لِــهَــذا، ومَــعَ أَنَّ بُــطْــرُسَ خَــبــيــرُ صَــيْــدٍ بَــحْــرِيّ، ورَغْــمَ تَــعَــبِــهِ طــوالَ الــلَّــيــل، أَطــاعَ كَــلِــمَــةَ الــرَّبّ، وأَلْــقَــى شِــبــاكَــهُ بِــحَــسَــبِ كَــلامِ الــمُــعَــلِّــم، فــكــانَ الــعَــجَــبُ الــبــاهـــرُ الَّــذي تَــجَــلَّــى بِــكَــمِّــيَّــةِ الــسَّــمَــكِ الــكَــبــيــرَةِ الَّــتــي اصْــطــادوهــا، والَّــتــي لَــمْ تَــتَــسِــعْ لَــهــا سَــفــيــنَــةٌ واحِــدَةٌ، فَــطَــلَــبــوا مُــســاعَــدَةَ الأُخْــرَى”.
وقال: “بَــعْــدَ هَــذِهِ الــمُــعْــجِــزَة، تَــحَــرَّكَ قَــلْــبُ بُــطــرسَ ونَــفْــسُــهُ، وشَــعَــرَ بِــخَــطــيــئَــتِــهِ، وكَــذَلِــكَ حَــصَــلَ مَــعَ زُمَــلائِــهِ الــصَّــيَّــاديــن، ذَلِــكَ لأَنَّ الــنِّــعْــمَــةَ الإِلَــهِــيَّــةَ لَــمَــسَــتْــهُــم. هَــذا مــا تُــذَكِّــرُ بِــهِ الــكَــنــيــسَــةُ الــمُــقَــدَّسَــةُ كُــلَّ إِنْــســانٍ يَــسْــعــى إلــى تَــكــريــسِ نَــفْـسِــهِ خــادِمًــا لِــلــرَّبّ، إِذْ يَــسْــمَــعُ مِــنَ الأُسْــقُــفِ لَــحْــظَــةَ الــسِّــيــامَــة: «الــنِّــعْــمَــةُ الإِلَـهِـــيَّــةُ الَّــتي لِــلــمَــرضــى تَــشــفـي، ولـلــنَّــاقِــصــيــنَ تُــكَــمِّــل… هِــيَ تَــنْــتَــدِبُ فُــلانًــا…». الإِنْــســانُ لا يَــســتَــطــيــعُ شَــيْــئًــا مِــنْ دونِ الــنِّــعْــمَــةِ الإِلَــهِــيَّــةِ الَّــتــي تُــؤازِرُهُ، وهَــذِهِ لَــنْ يَــشْــعُــرَ بِــهــا إِلَّا مَــتــى أَفْــرَغَ ذاتَــهُ مِــنْ كُــلِّ خَــطــيــئَــةٍ وشَــهْــوَةٍ ضــارَّةٍ واسْــتَــعَــدَّ بِــتَــوْبَــةٍ واعْــتِــرافٍ مِــثْــلَــمــا فَــعَــلَ بُــطْــرُسُ، الَّــذي فَــرَغَــتْ سَــفــيــنَــتُــهُ مِــنَ الــسَّــمَــك، فَــصَــعِــدَ الــمَــســيــحُ عــلــى مَــتْــنِــهــا ومَــلأَهــا نِــعْــمَــةً فَــوْقَ نِــعْــمَــة، فَــتَــحَــرَّكَ قَــلْــبُــهُ وأدركَ خـطـايـاه وقــال: «أُخْــرُجْ عَــنِّــي يــا رَبُّ فَــإِنِّــي رَجُــلٌ خــاطِــئ”.
أضاف: “كَــثــيــرًا مــا نَــشْــعُــرُ بِــأَنَّ حَــظَّــنــا سَــيِّــئٌ، خُــصــوصًــا عِــنْــدَمــا تُــواجِــهُــنــا صُــعــوبَــةٌ فــي تَــوفــيــرِ لُــقْــمَــةِ الــعَــيْــشِ، أَو حِــيــنَ نَــمُــرُّ فــي أَزْمَــةٍ أَو خِــســارَةٍ مــا، إِلَّا أَنَّ الــرَّبَّ يَــســوعَ فــي الــحَــقــيــقَــةِ يُــريــدُ سَــفــيــنَــةَ حَــيــاتِــنــا فــارِغَــةً، حَــتَّــى نُــحَــوِّلَ نَــظَــرَنــا نَــحــوَهُ، عِــنْــدَئِــذٍ يَــأخُــذُ يَــدَنــا ويَــدْعــونــا لِــلــدُّخــولِ إلــى الــعُــمْــقِ، ويَــطْــلُــبُ مِــنَّــا أَنْ نَــجْــتــازَ ضــيــقــاتِــنــا بِــالإِيــمــانِ الــمُــرْتَــبِــطِ بِــالــطَّــاعَــةِ قــائِــلــيــن: «عــلــى كَــلِــمَــتِــكَ أُلْــقــي الــشَّــبَــكَــة. لَــقَــدْ كــانَ مِــنَ الــضَّــرورِيِّ أَنْ يَــشْــعُـــرَ بُــطْــرُسُ بِــفَــراغِ سَــفــيــنَــتِــهِ، حَــتَّــى يَــتَــعَــلَّــمُ هُــوَ ومَــنْ مَــعَــهُ دَرْسَ الــصَّــيْــدِ الــوَفــيــرِ الَّــذي لا يَــتِــمُّ إِلَّا بِــواسِــطَــةِ الإِيــمــانِ الــكــامِــل. هــذا مــا يُــعَــلِّــمُــنــا إِيَّــاهُ أَيْــضًــا الــبــارُّ سِــلـــوان الآثــوسِــيّ، الَّــذي نُــعَــيِّــدُ لَــهُ الــيَــومَ، والــقــائِــل: إِذا أَصــابَــتْــكَ شِــدَّةٌ فَــقُــلْ إِنَّ الــسَّــيِّــدَ يَــعْــرِفُ قَــلْــبــي، فَــإِذا كــانَ هَــذا مــا يُــرْضــيــه فَــكُــلُّ شَــيْءٍ ســيَــكــونُ حَــسَــنًـــا لــي ولــلآخَــريــن». عِــنْــدَمــا نَــتَــفَــوَّهُ بِــكَـلِــمـاتٍ مُــمـاثِــلَـة، بِــإِيــمــانٍ كُـلِّـيّ، يَــعِــمُّ الــخَــيْــرُ عـلى الــجَـمـيـعِ، ويَـكـونُ صَــيْـدُنـا وَفــيــرًا”.
وقال: “يــا أَحِــبَّــة، يَــقــولُ الــقِــدِّيــسُ سِــلــوان أَيْــضًــا: «إِنَّ حُــبَّ الــسَّــيِّــدِ حـــارٌّ مٌــضْــطَــرِمٌ ولا يَــتْــرُكُ مَــجــالًا لِــتَــذَكُّــرِ الأَرْضِــيَّــات. والَّــذي ذاقَ حُــبَّ الــسَّــيِّــدِ يَــبْــحَــثُ عَــنْــهُ لَــيْــل نهار بِــلا هَــوادَة. أَمَّــا نَــحْــنُ فَــنُــضَــيِّــعُ هَــذا الــحُــبَّ بِــكِــبْــرِيــائِــنــا، بِــدَيْــنُــونَــةِ الأَخِ وبِــرَفْــضِــهِ وبِــالــحَــسَــد». هَــذا مــا يَــحْــدُثُ فــي هَــذا الــبَــلَــدِ الــحَــبــيــب، حَــيْــثُ يَــبْــحَــثُ كُــلُّ طَــرَفٍ عَــنْ أَخْــطــاءِ الــطَّــرَفِ الآخَــرِ حَــتَّــى يُــعَــرْقِــلَــهُ، وتــالِــيًــا يَــتَــعَــرْقَــلُ الــعَــمَــلُ الــنَّــافِــعُ لِــلــجَــمــيــع، بــســبــبِ الــخُــصــومــاتِ والــمُــنــاكَــفــاتِ والــحِــقــدِ والـمــصـالــح. لِــمَ لا يَــتَــبــارى الــمَــســؤولــون بِــالــمَــواهِــبِ الــفُــضْــلَــى، كَــمــا يَــقــولُ الــرَّســولُ بــولُــس، أَيْ يَــعْــمَــلــونَ بِــطَــريــقَــةٍ مُــتَــكــامِــلَــةٍ، بـصـدقٍ وأمـانـة، عــوضَ أن يــحــاولَ كُــلُّ واحِــدٍ أَنْ يَــهْــدُمَ عَــمَــلَ الآخَــرِ لـتَــظْــهَـــرَ أَنــاهُ، ويَــسْــتَــعْــلِــنَ لِــلــجَــمــيــعِ أَنَّــهُ الــمُــنْــقِــذ. هــل هــكــذا تُــبْــنَــى الأَوْطــان؟ هَــذا سَــيُــغْــرِقُ سَــفــيــنَــةَ الــوَطَــنِ بِــمَــنْ فــيــهــا، فَــنَــخْــسَــرُ جــمــيــعُــنــا كُــلَّ شَــيْءٍ ولا يــعـودُ لــلــنَــدمِ نــفــعٌ. عـلى الـجـمـيعِ
الإعــتـمادُ عـلـى الـدولـةِ الـتـي يـجـبُ أن تـكـونَ مَـلْـجـأَ الـجـمـيـعِ وحـامِـيَــتَـهـم، تُـؤَمِّـنُ حـقـوقَ جـمـيـعِ الـمـواطـنـيـن وتَــنـشُــرُ الـعـدالـةَ فـيـمـا بـيـنَـهـم. ولـكـي نَـصِـلَ إلى هـذا الـوضـع، يـجـبُ بـنـاءُ دولـةٍ قـويّـةٍ مُـكـتَـمِـلَـةِ الـعـنـاصِـر، وعـدمُ الـتَـطـاوُلِ على سـيـادتِـهـا وهـيـبـةِ الـقـضـاء، والـتـوقُّـفُ عن الـتـنـافُــرِ والـتَـنـاحُـرِ والإبـتـعـادِ بـالأهـدافِ عن هـدفِ الـدولـةِ. هـذا يُـؤَدّي إلى صـراعـاتٍ وانـشِـقـاقـاتٍ لا تُـجـدي ولا تَـنـتَـهـي إلاّ بـفَـشَـلِ الـجـمـيـعِ وخـسـارتِـهـم. الأجـدى الـعَــمَـلُ الـسـريـعُ عـلى انـتـخـابِ رئـيـسٍ وتـكـويـنِ الـسـلـطــةِ وتَــركُـهـا تَـحـكُــمُ بـالـقـانـونِ والـعَــدلِ والـمُـسـاواة”.
وختم عوده: “دَعــوَتُــنــا الــيَــوْمَ أَنْ نُــؤمِــنَ بِــالــرَّبِّ ونُــسَــلِّــمَ لَــهُ ذَواتِــنــا ونَــعْــمَــلَ بِــهُــدى كَــلِــمَــتِــهِ حَــتَّــى ولَــوْ بَــدا ذَلِــكَ صَــعْــبًــا فــي أَعْــيُــنِــنــا، لأَنَّــهُ لا يُــريــدُ ســوى خَــيْـرِنــا ومَــصْــلَــحَــتِــنــا. فَــلْــنُــطَــبِّــقْ مــا نَــقــولُــهُ فــي صَــلَــواتِــنــا مِــرارًا وتــكــرارًا: «لِــنــودِعْ أَنْــفُــسَــنــا وبَــعْــضُــنــا بَــعْــضًــا وكُــلَّ حَــيــاتِــنــا لِــلــمَــســيــحِ الإِلَــه»، آمــيــن”.
Comments are closed.