اللواء إبراهيم: لنا تجربة ناجحة في ملف إعادة النازحين وسننطلق منها
ملف اعادة النازحين السوريين الى بلادهم وُضع مجددا وبشكل تكليف رسمي معلل في عهدة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم لاعتبارات عدة، ابرزها انه موثوق به من كل الاطراف والرئاسات في لبنان. وقد بادر اللواء ابراهيم، بحسب المعلومات، الى تسمية لجنة فنية لادارة هذا الملف وإنفاذ التوجهات العامة القاضية بالشروع في اجراءات وتدابير عملانية من طبيعة امنية من شأنها ان تخفف اعباء وجود ما لا يقل عن مليون ومئتي الف نازح استناداً الى التقديرات الرسمية، خصوصا ان الجهات الدولية المعنية تتلكأ في تسليم السلطات في بيروت كشوفات نهائية بالمسجلين لديها على رغم الحاح هذه السلطات. كما من شأنها ان تخفض منسوب الاصوات المتعالية بالشكوى والتذمر من هذا العبء الثقيل الفارض نفسه امرا واقعا يحظر على لبنان التفكير في التحلل منه على نحو جذري.
هذه الخطوة المتأخرة تنطوي على نوع من “التواطؤ” الرسمي بغية سحب هذا الملف الساخن والمتفجر من دائرة التداول والتساجل والاثارة بعد ظهور سلسلة تطورات خلافية تجسدت ابرز تجلياتها اخيرا في “الاشتباك السياسي” الذي دار بين وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين من جهة، ووزير الشؤون الاجتماعية من جهة اخرى، على خلفية ان الأخير تصرّف على اساس ان هذه القضية هي من ضمن صلاحياته تاريخيا، وان الاول تجاوز الحدود واجتاح الصلاحيات عندما بادر الى الكشف عن خطة اعدها لاعادة النازحين بالتنسيق مع الجهات السورية المعنية التي استقبلته في دمشق كزائر رسمي يؤدي مهمة. وليس خافيا ان الخلاف طغى على الاجتماعات الوزارية لحكومة تصريف الاعمال، ومن ثم “أُقحِم” الرئيس نجيب ميقاتي فيه اقحاما، على حد قوله، هو الذي لا ناقة له في الامر ولا جمل، خصوصا بعد هجمة لشرف الدين على ميقاتي اتهمه فيها بانه يمالىء الغرب الذي لا يريد اطلاقا تسهيل اعادة النازحين وتخفيف الاعباء عن كاهل لبنان البلد المنهك.
لم يكن شرف الدين ينطلق من فراغ او يفلح في ارض بور، فثمة تقصير واضح من الوزيرالمعني ووزارته لانهما تخلّفا عن اجتراح اي مبادرة جديدة تحرك المياه الراكدة في بحيرة هذه القضية الموجعة. وتواكب حراك شرف الدين مع “حملة” كان اطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون رافعا فيها صوت الاعتراض على اداء الامم المتحدة والغرب عموما حيال هذا الملف الثقيل مع علمهما المسبق بما يكابده لبنان اقتصاديا واجتماعيا من جراء بقاء هذا العدد الضخم (يعادل نحو ربع سكان لبنان وفق تقديرات) من النازحين على ارضه، وايضا من جراء منع لبنان من المضي قدماً في جهوده لاعادة النازحين الى حيث وفدوا قبل نحو 12 عاما، فضلا عن ان ثمة كلاما يصعد حينا ويخفت حينا آخر عن توجه اممي يدعو الى دمج النازحين في المجتمعات التي حلّوا فيها.
ومن البديهي الاشارة الى ان صرخة الشكوى هذه وصيحة الاعتراض والتذمر قد علت في اعقاب تحوّل النازحين السوريين الى “قنابل امنية” جاهزة للتفجير، خصوصا بعد ارتفاع معدلات الجرائم والجنح التي تشهد معظم المحاضر الرسمية ان ابطالها نازحون ازدادت في الآونة الاخيرة درجة عدوانيتهم بعدما تفاقمت اوضاعهم الاقتصادية ما ولّد احتقانا وتوترا عبّر عن نفسه في يوميات المشاكل الامنية والصدامات في البلدات والقرى.
واللافت ان ذروة الاعتراض الرسمي قد تجلت بوضوح في الرسالة الاولى من نوعها التي تصدرعن رئيس وزراء والتي وجّهها اخيرا الرئيس ميقاتي الى الامين العام للامم المتحدة. وقد انطوت هذه الرسالة المفتوحة على نقطتين اساسيتين:
الاولى، ان السيل قد بلغ الزبى لدى بيروت من جراء هذا العبء الثقيل الى درجة انه لم يعد بالامكان تحمّل النصائح الاممية والغربية بضرورة ابقاء هؤلاء النازحين “امانة” عندكم لمنعهم من التسرب عبر هجرات جماعية الى البلدان الاوروبية.
الثانية، ان تدابير المعالجة الغربية والاممية هي تدابير قاصرة ومتخلفة ولم تعد تفي بالمطلوب، واستطرادا لم تعد قادرة على اعانة لبنان. لذا عليكم الشروع فورا بالتفكير في اجتراح معالجات مختلفة تتعدى النمط المألوف.
وعليه، وخلال الايام القليلة الماضية، بدا لبنان ربما موحدا على قلب واحد وتوجه مشترك حيال هذا الملف الذي لطالما تاه في حمأة الصراعات والنزاعات الداخلية مذ ولج اول نازح الحدود فارضا نفسه امرا واقعا على مجتمع شظّته الصراعات. وقد أُفهِم لبنان ان عليه الحفاظ على هذه “الوديعة” وعدم التصرف بها، واستتباعا منعها من العودة من حيث اتت وصدها عن اكمال رحلة النزوح نحو اوروبا.
ليس خافيا ان لبنان شهد تحركات تعبّر عن رفضه الصمت حيال ما فُرض عليه ومساكنة هذا الواقع المُر، لكن المشكلة ان ردة الفعل لم تكن على المستوى المطلوب اذ ابتلي بثلاث علل جعلته ضعيفا وقاصرا:
- انها تحركات موسمية وغبّ الطلب وليست ضمن خطة دائمة، اذ كان بامكان كل طرف ان يوظفها بالاتجاه الذي يريد.
- ان البعض اعتبر ان المسّ بهؤلاء والتفكير باعادتهم هو خدمة جلّى للنظام في دمشق.
- تعدد الرؤى والمبادرات في شأن اعادة النازحين او اكبر عدد منهم.
وعليه، يعي اللواء ابرهيم حجم الاثقال والاعباء التي سيلاقيها بعد اعادة هذا الملف اليه. فهو حسبما ابلغ “النهار” يعود الى الامساك بهذا الملف امساك العارف بكل تفاصيله وخباياه وبحدود الممكن والمستحيل فيه.
لذا، يضيف: “لست متذمرا او تتملكني خشية من مقاربته على اساس انه شغل اضافي، فهو من صلب مهماتي الامنية”.
ويذكر اللواء ابرهيم انه “بدأنا قبل نحو عشرة اعوام في اجراءات مواجهة هذا الملف عبر مدخلين:
الأول، اتخاذ اجراءات وتدابير امنية وقانونية للحد اولا من موجات النزوح عبر تدابير امنية مشددة.
الثاني، الخطوات العملانية الكفيلة بتأمين عودة طوعية للراغبين منهم، ولاسيما بعد تراجع المواجهات في ثلثي سوريا وتحوّلها الى مناطق آمنة نسبيا”.
اضاف: “لا نبالغ اذا قلنا ان جهودنا اثمرت يومها تسهيل عودة نحو 400 الف نازح، وكان العدد الى ارتفاع لولا ظهور موجة الكورونا التي فرملت حراكنا”.
لذا، يستطرد اللواء ابرهيم، “فانني عازم على الانطلاق من تلك التجربة، اذ سنعيد فتح 17 مركزا في كل المناطق والمعابر تخصص لهذه المهمة بعد ان نشجعهم من خلال اعفائهم من الغرامات والرسوم المفروضة عليهم ان هم غادروا وتعهدوا عدم العودة”.
وعن امكانات تجاوب النازحين في هذه المرة، اجاب: “كان الوضع سيكون افضل لو ان حملتنا بدأت قبل تسجيل الطلاب في المدارس، اذ بحسب معلوماتنا هناك نحو 70 الف طالب سوري قد تسجلوا بعدما أمّنت لهم “اليونيسيف” صفوفا إضافية”.
ومع ذلك، يؤكد ابراهيم: “نحن لن نيأس وعازمون على المضي في ما هو منوط بنا. ونرى ان ثمة عنصرا ايجابيا لمصلحتنا هو تقلص عوامل الاغراء والجذب لهؤلاء النازحين للبقاء عندنا، ونحن لمسنا ذلك من خلال التحاق هؤلاء بأي فرصة للسفر والارتحال الى الخارج. والمطلوب مواكبتنا من خلال تعاون الجميع معنا”.
ورداً على سؤال قال: “انا مازلت عند الموقف الذي اعلنته عقب زيارتي لدولة الرئيس بري، والذي قلت فيه انني مؤمن بان الوضع الامني في البلاد جيد جدا”.
واضاف: “انا لم اطلق هذا التقدير جزافا بل من موقع المسؤول العارف، اذ رغم الحوادث الامنية التي تسجل ما زال الوضع الامني تحت السيطرة ومازالت جهود القوى الامنية قادرة على ضبط الأمور … لكنْ ثمة تطور جديد طرأ في الساعات الماضية بعد قرار تعديل مهمات قوة اليونيفيل في الجنوب، اذ صرت على خشية من بروز مفاجآت سلبية، خصوصا ان ثمة سوابق معروفة”.
المصدر: النهار
Comments are closed.