لبنان

تصعيد الاغتيالات في لبنان: بين رسائل إسرائيل إلى «الحزب» وصراع الإرادات الإقليمي والدولي

اشتعال النيران داخل سيارة جراء استهدافها بغارة من مسيرة إسرائيلية في بلدة كوثرية السياد جنوب لبنان أمس الأول (محمود الطويل)

تشهد الساحة اللبنانية تصعيدا نوعيا وخطيرا في السلوك العسكري الإسرائيلي، تمثل بتكثيف عمليات الاغتيال التي تطول كوادر من «حزب الله» وتنظيمات لبنانية وفلسطينية حليفة له.

 

وقال مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ «الأنباء»: «هذا التحول في قواعد الاشتباك لا يبدو مجرد رد فعل أمني ظرفي، بل يعكس قرارا استراتيجيا إسرائيليا بإعادة رسم حدود الردع في لبنان، في مرحلة إقليمية شديدة التعقيد.

فالتوقيت السياسي لهذه العمليات يرتبط ارتباطا مباشرا بالمواقف الأخيرة الصادرة عن قيادة حزب الله، وعلى رأسها تصريح نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الذي شدد بلهجة قاطعة على رفض تسليم السلاح، وأعاد إلى الخطاب مصطلحات من زمن المواجهة المفتوحة مثل «قطع اليد» التي تمتد إلى المقاومة وسلاحها.

هذا التصلب في الموقف يحمل دلالات مزدوجة: أولا تأكيد على استمرار خيار المقاومة رغم الضغوط الدولية والإقليمية، وثانيا رسالة داخلية للبيئة الحاضنة بأن أي مساس بالسلاح يعني مساسا بالوجود والكرامة».

وأضاف المصدر: «في المقابل، تقرأ إسرائيل هذا الخطاب باعتباره إعلان نوايا لمزيد من التصلب والمواجهة، ما يبرر بنظرها اللجوء إلى سياسة الاغتيالات الوقائية بهدف إضعاف البنية القيادية للمقاومة، واستباق أي محاولة لتحصين الساحة اللبنانية ضد الاختراقات الإسرائيلية.

غير أن هذا التصعيد لا يمكن فهمه بالكامل بمعزل عن السياق الأوسع للمفاوضات الأميركية – الإيرانية، التي تخوضها واشنطن وطهران في مناخ إقليمي مرتبك. وترى إسرائيل أن أي تقدم في هذه المفاوضات قد يعزز مكانة إيران الإقليمية، ويحرر أذرعتها، ومنها حزب الله، من بعض القيود.

وبالتالي تسعى جاهدة إلى إفشال هذا المسار عبر تفجير ساحات الصراع بالوكالة. ومن هنا، يصبح التصعيد ضد حزب الله جزءا من معركة أكبر تتعلق بموازين القوى الإقليمية، وليست مجرد مواجهة ثنائية لبنانية – إسرائيلية».

وأوضح المصدر ان «مخاطر هذا المنحى التصعيدي تتجاوز الأهداف المباشرة للاغتيالات، إلى احتمال اتساع الجغرافيا المستهدفة، وتحويل لبنان كله إلى ساحة عمليات عسكرية إسرائيلية مكشوفة. إن هذا السيناريو، إذا تحقق، سيعني ضرب ما تبقى من مظاهر السيادة اللبنانية، وإعادة البلاد إلى مرحلة الحرب المفتوحة مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على الأمن الداخلي والاقتصاد المنهار أصلا».

وأشار المصدر إلى انه «في ضوء ذلك، تبدو إسرائيل وكأنها تراهن على استراتيجية التآكل البطيء، أي استنزاف المقاومة عبر اغتيال كوادرها وإضعاف حاضنتها الشعبية، دون الوصول إلى انفجار شامل.

لكنها بذلك تخاطر بتسريع الانفجار نفسه، إذ ان تجاوز خطوط حمراء معينة، كاستهداف قيادات رمزية أو تنفيذ عمليات في مناطق حساسة داخل لبنان، قد يدفع إلى ردود فعل غير محسوبة تضع المنطقة برمتها أمام مواجهة أوسع. من هنا، يصبح المشهد اللبناني في قبضة معادلة دقيقة وخطرة: صراع على السلاح والقرار، ورسائل دموية متبادلة، وسط حسابات إقليمية لاتزال مفتوحة على الاحتمالات كلها».

ولفت المصدر إلى انه «في ظل هذا التصعيد المتسارع، تتبلور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمآلات الوضع في لبنان. أولها أن تستمر إسرائيل بسياسة الاغتيالات المدروسة من دون الذهاب إلى حرب شاملة، مراهنة على أن حزب الله سيستمر بسياسة عدم الرد لتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، خصوصا في ظل انشغال طهران بالمفاوضات مع واشنطن.

ثانيها أن يتجاوز التصعيد الإسرائيلي الخطوط الحمراء التقليدية، من خلال تنفيذ عملية نوعية تستهدف قيادة مركزية أو منطقة حيوية، بما يدفع حزب الله إلى رد يفضي إلى حرب محدودة أو حتى إلى حرب شاملة تخرج عن نطاق السيطرة.

أما السيناريو الثالث، والأكثر خطورة، فهو اتساع رقعة الاغتيالات لتشمل أطرافا إضافية من التنظيمات الحليفة، بما يؤدي إلى تآكل الوضع الأمني الداخلي اللبناني وتفجر الساحة بصراعات متفرقة، تعيد مشهد الفوضى والانهيار الذي يسهل على إسرائيل استغلاله استراتيجيا».

واعتبر المصدر انه «في كل الحالات، فإن ما يجري يؤكد أن لبنان دخل مرحلة جديدة من المواجهة، تتداخل فيها الحسابات المحلية والإقليمية والدولية، وتفرض على الأطراف جميعها التعامل مع كل حادثة، وكل اغتيال، بوصفه عنصرا مفصليا قد يغير اتجاه الصراع بأكمله. وعليه، فإن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت المنطقة مقبلة على صيف محتدم عنوانه الحرب والتفجير، أو على مرحلة من الضبط المؤقت للأعصاب بانتظار تبلور صورة التسويات الكبرى».

الانباء – داود رمال

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى