الانتخابات البلدية: مبارزة مسيحية

يقف لبنان على أبواب إنجاز الانتخابات البلدية على 4 مراحل، تبدأ في 4 مايو (أيار) المقبل، وتختتم بمحافظتَي الجنوب والنبطية يوم 25 منه، الذي يصادف «عيد التحرير»، أي ذكرى الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، استجابة لرغبة «الثنائي الشيعي»، («حركة أمل» و«حزب الله»)، الذي يصر على إتمام الانتخابات في موعدها سعياً لتجديد شرعيته الشعبية وتمرير رسالة إلى الداخل والخارج بأنه يقوده موحداً لقطع الطريق، من وجهة نظره، على من يراهن بأن دخول «حزب الله» في حرب مع إسرائيل أدى إلى تمايز حليفه الاستراتيجي «حركة أمل»، بقيادة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عنه، فيما انفض حلفاؤه، أو معظمهم، من حوله اعتراضاً على إسناده غزة.
فانتخابات المجالس البلدية ستُجرى في موعدها الذي حدده وزير الداخلية، أحمد الحجار، ولم يعد من مجال لتأجيلها، إلا إذا ارتأى معظم القوى السياسية ترحيلها إلى سبتمبر (أيلول) المقبل، خصوصاً أنها لم تبادر إلى الآن لتشغيل ماكيناتها الانتخابية، ولا تبدي حماسة للانخراط فيها، ربما ريثما تتحقق من أن وزارة الداخلية عازمة على إنجازها في موعدها، وهي باشرت استعداداتها الإدارية واللوجيستية لإجرائها، وأن الوزير الحجار على تواصل مع محافظتَي الجنوب والنبطية للبحث في الإجراءات التي ستُتخذ لتمكين البلدات المتاخمة لإسرائيل من انتخاب مجالسها البلدية.
البلدات الحدودية
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أن «الثنائي الشيعي» يولي أهمية لشمول البلدات الحدودية المدمّرة بالعملية الانتخابية، وهو يقترح مجموعة من الخيارات لإتاحة الفرصة أمام سكانها للاقتراع في بلداتهم، مبدياً استعداده لتأمين بيوت جاهزة أو خيام توضع تحت تصرف «الداخلية» وتحويلها إلى مراكز للاقتراع في حال تعذُّر إيجاد مبانٍ صالحة للاستعمال.
ولفتت المصادر إلى أنه لا شيء يحول دون نقل مراكز الاقتراع المخصصة لهذه البلدات إلى بلدات مجاورة. وقالت إن «الثنائي» يعوّل على حث الناخبين للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، بما يسمح له بتأكيد أن الجنوبيين يتمسكون بأرضهم في تصديهم للاحتلال الإسرائيلي، وقالت إنه بتحالفه يستبعد حدوث منافسة تُذكر، مما يتيح له السيطرة على مجالسها البلدية.
مناصفة بين المسلمين والمسيحيين
لكن إجراء الانتخابات البلدية يضع القوى السياسية أمام تحدٍّ يقضي بتأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لـ«بيروت الممتازة» في ظل الأكثرية الساحقة للصوت المسلم؛ لأن مجرد الإخلال بها سيفتح الباب لاحقاً، وكما يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط»، أمام تجديد الدعوات لتقسيم العاصمة إلى مجلسين بلديين؛ مسيحي وإسلامي، إن لم يذهب البعض إلى المطالبة بالفيدرالية متذرّعاً باستبعاد المسيحيين، مما يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الطائفي.
ودعا المصدر السياسي القوى الفاعلة في العاصمة إلى تحمّل مسؤولياتها في الحفاظ على المناصفة، التي لطالما بقيت محمية، وكان لـ«الحريرية السياسية» دور أساسي في الحفاظ عليها. وقال إن لمشاركة «تيار المستقبل» في الاستحقاق البلدي، كما تعهد رئيسه سعد الحريري في الذكرى الـ20 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، دوراً في تأمين استمراريتها، وإنه على استعداد للتدخل لمنع المساس بها.
ورأى أنه لا مشكلة في قطع الطريق على تهديدها، شرط التوافق بين القوى الفاعلة بتشكيل لائحة تضم أوسع تمثيل للعائلات البيروتية بغطاء مرجعياتها الروحية، مما يصعّب على أي فريق تشكيل لائحة منافسة تُلحق الضرر بالنسيج البيروتي بشقيه المسيحي والمسلم، خصوصاً أن الحريري لن يكون وحيداً في توفير الحماية للمناصفة، وسيجد من يلاقيه في منتصف الطريق من عائلات ومرجعيات سياسية وروحية، ولن يكون رئيس الحكومة تمام سلام في منأى عن الشراكة البيروتية للحفاظ على التعايش الذي تنعم به العاصمة، إضافة إلى الدور المعهود لرئيس مجلس النواب نبيه بري بوصف الشيعة يشكلون ثانية كبرى القوى الانتخابية بعد السُّنة، ويقف خلفه «حزب الله»، إلا إذا قرر، كما في السابق، تأييد اللائحة المنافسة التي شكل، في حينها، «المستقبل» رافعة لها.
وإذ يستبعد المصدر حدوث معارك انتخابية في صيدا وطرابلس، ويتوقع إمكانية التوافق لتمرير الاستحقاق البلدي، فإنه يسأل في المقابل عن طبيعة المنافسة في المدن الكبرى والبلدات ذات الغالبية المسيحية؟ وهل يمكن لقواها السياسية الفاعلة فيها التوصل إلى توافق بلدي؟ أم إنها ستدخل في مبارزة مفتوحة هي أقرب إلى «أم المعارك» بين «التيار الوطني الحر» وخصمَيه حزبَي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، ومعهما النواب والشخصيات الذين خرجوا أو أُخرجوا من «التيار»، وتكون بمثابة أول اختبار لميزان القوى استباقاً للانتخابات النيابية المقررة في ربيع 2026؟
قد يكون من السابق لأوانه، وفق المصدر، التكهن بطبيعة المواجهة وتحالفاتها، قبل أن تباشر القوى الفاعلة تحركها على الأرض وتتواصل مع العائلات، رغم أن المنافسة تبقى على أشدها؛ سواء أشاركت فيها بمرشحين حزبيين أم بمستقلين يدينون بالولاء لها.
أحجام انتخابية
ويبدو حتى الساعة أن المنافسة قد تكون على أشدها، وتتوخى منها الأحزاب اختبار الأحجام الانتخابية، لعلها تكون عينةً للاقتراع في الدوائر ذات الغالبية المسيحية خلال الاستحقاق النيابي المقبل، في ضوء ما يتردد من أن «التيار الوطني»، بلسان خصومه، بدأ يتراجع مسيحياً بسبب تقلباته في مواقفه وتحالفاته، وإخفاق مؤسسه الرئيس السابق العماد ميشال عون، خلال توليه الرئاسة، في تحقيق ما تعهد به، إضافة إلى تخلفه عن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، ليعود لاحقاً، إلى «بيت الطاعة»، ويعلن وقوفه إلى جانبه.
لذلك؛ فإن المنافسة البلدية يمكن أن تنحصر في توفير الحماية للمناصفة البلدية في العاصمة وتصفية الحسابات مع «التيار الوطني»، وهي تراهن على أنه سيخوض المعركة البلدية وحيداً، وأنه لن يجد من يتحالف معه بعد أن افترق عن حليفه «حزب الله»
محمد شقير – الشرق الاوسط
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.