العملات الرقمية في ظل حرب ترامب التجارية: فرصة أم مخاطرة؟

أثار قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على غالبية دول العالم، وعلى رأسها الصين، موجة من الذعر والقلق في الأسواق المالية، وسط تساؤلات حادة حول تداعيات هذا القرار على الاقتصاد العالمي في الشهور المقبلة.
ووسط هذه الضبابية، سجلت مؤشرات الأسواق العالمية تراجعاً ملحوظاً، إذ انخفضت أسعار الأسهم في معظم البورصات، بينما واصلت العملات الرقمية موجة الانهيار التي لحقت بها منذ ذروتها في السنوات الماضية.
وكانت عملة البيتكوين قد بلغت نحو 100 ألف دولار في نهاية العام الماضي، عقب فوز ترامب بالانتخابات، قبل أن تعود إلى التراجع مجدداً.
في هذا السياق، أعرب مايك ماكغلون، كبير استراتيجيي السلع في “بلومبرغ إنتليغنس”، عن نظرة تشاؤمية تجاه مستقبل سوق العملات الرقمية، متوقعاً أن تشهد هذه الأصول تراجعاً حاداً في الفترة المقبلة.
وفي تحليلات نشرها عبر منصة “بلومبرغ” وحسابه الرسمي على “إكس”، ركّز ماكغلون على نقاط الضعف الجوهرية التي تعاني منها العملات الرقمية، في ظل ما وصفه بالتقلبات العنيفة الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية العالمية والاضطرابات الجيوسياسية.
وأوضح أن التصعيد الجمركي الأخير الذي أعلنه ترامب فاقم من حالة عدم الاستقرار، مشيراً إلى أن الأسواق شهدت تراجعاً جماعياً شمل الأسهم والعملات الرقمية على حد سواء، مما يبعث برسالة تحذيرية للمستثمرين بشأن المخاطر الكامنة في هذه المرحلة.
مرحلة مؤقتة..؟
ورغم التراجعات الحادة التي شهدتها سوق العملات الرقمية مؤخراً، يرى بعض المحللين أن هذا الانخفاض قد لا يكون إلا مرحلة مؤقتة في دورة السوق.
فمثل هذه الأصول، وعلى غرار ما حدث في سنوات سابقة، كثيراً ما تمر بموجات تصحيح حادة تعقبها فترات من الانتعاش السريع، لا سيما إذا ما تحسنت الظروف الاقتصادية أو تم تخفيف القيود التنظيمية.
ويعتقد بعض المتابعين أن تراجع العملات المشفرة قد يعكس قلقاً آنياً أكثر منه تحولاً استراتيجياً بعيد المدى، ما يجعل بعض المستثمرين يترقبون نقاط دخول مناسبة لاقتناص الفرص المحتملة.
الاستثمار في العملات الرقمية
وسط هذه التطورات، يعود التساؤل: هل الاستثمار في العملات الرقمية هو الملاذ المناسب حالياً؟ يرى الباحث والمحلل الاقتصادي مازن أرشيد أن الاستثمار حالياً في العملات الرقمية قد يكون مناسباً لكن بحذر، ففي أزمات سابقة، رأينا مستثمرين اقتنصوا أسهماً لشركات قوية مالياً عندما انهارت أسعارها ثم حققوا عوائد كبيرة بعد تعافي السوق.
وأضاف لـ”24″ أنه من الأفضل تنويع المحفظة بين أسهم قطاعات مختلفة وسندات حكومية وصناديق مؤشرات عالمية، مع التفكير بدخول محدود في الذهب رغم أسعاره المرتفعة، لأنها قد تستمر بالصعود إذا تفاقمت التوترات.
وبالنسبة للعملات المشفرة، فيمكن المراهنة على عودة بعض الانتعاش إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية، لكن بشكل مدروس يراعي مخاطر الخسارة السريعة،
وقال: “في النهاية، تتطلب عودة الاستقرار تقليل القيود التجارية وتوضيح السياسات الاقتصادية، وهذا قد يحتاج بعض الوقت، لذلك لا بد من استراتيجية موزونة”.
وتابع “عانت العملات المشفرة مثل البيتكوين من تدهور حاد، لأنها تصبح أقل جذباً عندما يخاف الناس من تراجع النشاط الاقتصادي أو ضعف السيولة”، وهذا ما يجعل المستثمرين يفضلون الذهب أو السندات الحكومية أو حتى الاحتفاظ بالسيولة بدلاً من تعريض أموالهم لتقلبات شديدة في سوق الكريبتو.
وتأثرت عملة البيتكوين، وهي الأكبر من حيث القيمة السوقية، بشدة في الآونة الأخيرة، إذ هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ خمسة أشهر، مسجلة نحو 76,665 دولاراً، في انعكاس واضح لحالة القلق التي تسود أوساط المستثمرين.
الذهب يلمع في زمن الأزمات
وفيما يخص الذهب، أشار مازن أرشيد إلى أن سعر الأونصة تجاوز مؤخراً حاجز الثلاثة آلاف دولار، وهو ارتفاع يُعبّر عن حالة من الذعر في الأسواق، على خلفية الرسوم الجمركية الأمريكية.
وأضاف: “في فترات سابقة مثل الأزمة المالية عام 2008، ازداد الطلب على الذهب مع تفاقم القلق بشأن النمو الاقتصادي والتضخم، ما دفع كثيرين إلى شراء المعدن النفيس بحثاً عن ملاذ آمن. وهذه المرة، حدث الأمر نفسه تقريباً عندما بدأت التوترات التجارية بالتصاعد، فخرج بعض المستثمرين من الأصول الأكثر خطورة واتجهوا إلى شراء الذهب لتحصين مدخراتهم”.
ضغوط على الشركات الأمريكية
ورغم بعض الإشارات الإيجابية التي أظهرتها الأسواق الأمريكية، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والقطاع الاستهلاكي، إلا أن هذه المؤشرات لا تزال تواجه ضغوطاً بفعل التكاليف الإضافية التي قد تتحملها الشركات نتيجة الرسوم الجمركية.
ويحذر أرشيد من أن الرفع الأخير لهذه الرسوم يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية والمكونات المستوردة، وهو ما قد ينعكس سلباً على ربحية الشركات وثقة المستثمرين فيها، ما يُبقي المشهد الاقتصادي غامضاً في المدى المنظور.
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.