الحلبي ومراد يحذّران: لبنان أمام أزمة حقيقية تطال القطاع التربوي
نظمت لجنة التربية والتعليم العالي والثقافة النيابية برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي ورشة عمل عن القطاع التربوي في لبنان في قاعة المكتبة العامة في مجلس النواب وترأس جلسة الإفتتاح رئيس لجنة التربية حسن مراد في حضور وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي وحضور أعضاء لجنة التربية وروابط التعليم الرسمي، حضرها ممثلو اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة والمدير العام للتربية ومديرون في وزارة التربية.
وكشف رئيس لجنة التربية حسن مراد ممثلا الرئيس بري، ان “لبنان أمام أزمة حقيقية تطال قطاعًا من أهمّ القطاعات البنيوية ألا وهو القطاع التربوي بعد كلّ الأزمات التي عصبت به، من تدهور الوضع الاقتصادي، إلى جائحة كورونا، وعدم جهوزيّة القطاع التعليمي للتعامل مع هذه المشاكل”.
وشدّد على “أهميّة الخروج بالحلول والعمل عليها في أسرع وقت ممكن، لأنّ الجميع مسؤول عن مستقبل مئات الآلاف من الطلاب ومن خلالهم عن مستقبل الوطن وعن مستقبل آلاف العائلات وعن تنمية وتقدُّم وطن متروك لمصيره، سواء من بعض قياداتهِ أو حتى بعض أصدقائه”.
وفنّد “المشاكل التي عصفت وتعصف بالقطاع التربوي في لبنان، وبخاصّة بالمدارس الرسميّة وأساتذتها وطلّابها وبالجامعة اللبنانيّة”، كاشفًا عن عدم اهتمام الدّولة بهذا القطاع عبر عرض الأرقام المتواضعة للدعم المادي الذي تلقّاه في السنوات الأخيرة من الدولة أو حتّى عبر البرامج المموّلة دوليا”، وأكّد “ضرورة إيجاد حلول جذريّة لا حلول موقتة لتصحيح أجور المعلّمين في القطاعين العامّ والخاص”، آملًا أن “يخرج المؤتمر بنتائج إيجابيّة إن لناحية تطوير المناهج أو تحصيل حقوق الأساتذة أو تنمية المدرسة الرسمية من خلال تعزيز وسائل الايضاح وأدواته وإدخالِ تكنولوجيا المعرفةِ كما أهمية دمج المدارس لوقف الهدر كما لناحية الحفاظ على الجامعة اللبنانية وتعزيز دورها الوطني والإنمائي كي تتمكن من القيام بدورها على أكمل وجه”.
من جهته، قال الوزير الحلبي: “لا أبالغ إذا قلت إن التعليم الرسمي بات في دائرة الخطر. الأزمة المستمرة ضربت كل القطاعات في البلد وانعكست أثارها على التربية رغم كل ما بادرنا إليه لمعالجة المشكلات المرتبطة بها. فوزارتنا التي تواجه المعضلات، لا تستطيع وحدها معالجة الأزمات التي تتهدد القطاع التربوي برمته من دون تأمين الدعم واتخاذ القرارات التي تساهم في انتشاله من مأزقه. وبالرغم من ذلك لم نتوقف عن السعي لِحفظِ التعليم الرسمي وحمايته”.
وأشار إلى أن “المشكلة لا تتعلق فقط بالعام الدراسي الذي نسعى بكل إمكاناتنا لإطلاقه في شكل سليم مع تأمين كل المتطلبات، بل في التعليم عموماً. ولعل ما نشهده اليوم يعبر عن عمق الأزمة التي طالت الجميع. أنا على قناعة أن التربية هي عمل جماعي وجهد مشترك بين مكوناتها كلها. فالتعاون هو الأساس لعبور المرحلة الصعبة. في ضوء الأزمات التي يعانيها التعليم، وهي أكثر حدة خلال السنة الحالية، نعمل على معالجة المشكلات التي تواجه العام الدراسي، فهناك مخاطر محدقة بكل قطاعات التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي خصوصاً الجامعة اللبنانية ومنها عدم انطلاق الدراسة ما لم تتوافر المقومات الضرورية والتمويل اللازم لاستمرارية التعليم”.
ورأى أن “العام الماضي كان عصيباً على التربية والتعليم رغم محطات مضيئة تمكنا من انجازها لعل أبرزها اطلاق خطة طريق الاصلاح التربوي، التي نراهن على أن تشكل نقلة نوعية لكل قطاعات التعليم، وأيضاً في ما استكملناه على صعيد المناهج التعليمية الجديدة من انجاز الأوراق المساندة. لكن ما تخلل العام من أزمات عكسها الانهيار المتسارع في البلد وتخللتها إضرابات ومقاطعة من المعلمين أدّت إلى فاقد تعليمي خطير خصوصاً في الرسمي، لكننا تمكنا من إعادة الأمور إلى نصابها في النصف الثاني من السنة، بعد تأمين أرصدة مالية كبدل إنتاجية للأساتذة، وأجرينا الامتحانات للشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة في دورتيها العادية والإستثنائية والمدرسة الصيفية. لكن التحدّيات التي تفرضها الأوضاع المأزومة اليوم والتي سعينا باللحم الحي للحفاظ على استمرارية التعليم وحمايته من التعثر والسقوط، تفرض نفسها على العام الجديد وتطرح علينا مسؤوليات كبرى، فأي إخفاق في انطلاق التدريس سيترك آثاره السلبية على التعليم الرسمي وعلى السنوات المقبلة”.
أضاف:”إن الأزمة الرئيسية للتربية بنيوية تحتاج إلى اصلاحات جوهرية واعادة هيكلة وتنظيم، وعملية إنقاذ، ولا تستقيم الامور أيضاً إلا من خلال مشاريع قوانين تختص بالتربية. مع العلم أننا عملنا على أكثر من ملف إصلاحي، لكن هذا المسار يحتاج الى فترة زمنية واستقرار ودعم من كل الجهات للوصول إلى الأهداف المتوخاة، فهذا الاصلاح الذي أطلقناه لا يتحقق كاملاً إلا بتعاون كل الأطراف والمكونات في المجتمعين التربوي والسياسي. لكن المشكلة الطارئة اليوم هي مالية، فتأمين التمويل اللازم لانطلاق العام الدراسي يشكل بالنسبة إلينا أولوية في هذا الوضع الاستثنائي التي تمر به البلاد. فتح المدارس يحتاج إلى توفير اعتمادات مالية ودعم الأساتذة والمعلمين في الرسمي والموظفين الإداريين لمواجهة الضغوط المعيشية وتأمين حد أدنى لعيشهم الكريم”.
ولفت إلى أن “وزارة التربية تمكنت في العام الدراسي السابق من دفع بدلات انتاجية للاساتذة بقيمة 125 دولاراً شهرياً أمنتها الوزارة من رصيد سابق ومن اعتمادات أقرتها الحكومة ومن الجهات المانحة لا سيما البنك الدولي ومنظمة اليونيسف. وكانت الجهات المانحة نفسها قد قدمت في العام الذي سبقه بعد جهود بذلناها دعماً مالياً بصيغة حوافز للأساتذة، إضافة إلى إعادة ترميم المدارس، وهنا لا بد من توجيه التحية للمانحين على دعمهم الذي ساهم في صمود التربية والتعليم. لكن المجتمع الدولي يتمنع اليوم عن تقديم الدعم في العام الحالي، أبلغتنا الجهات المانحة صراحة عدم توفر أموال لدفع حوافز أو بدلات إنتاجية للمعلمين وللعاملين في المدارس الرسمية. علماً أن دعم المانحين السابق استثنى التعليم المهني والتقني عن تقديم أي مساعدة بالمطلق. وعلى الرغم من ذلك سعينا مع الحكومة لإقرار مرسوم سلفة الخمسة آلاف مليار ليرة للتربية كدفعةٍ أولى من أصل ما طلبته الوزارة من الحكومة بما يوازي مئة وخمسين مليون دولار أميركي. أما طريقة صرف هذه الدفعة الأولى فهي كما أبلغتنا وزارة المال على ثلاث دفعات الأولى الأسبوع الحالي بقيمة ألف وخمسمئة مليار ليرة لبنانية والباقي على دفعتين لكي تُصرَف قبل رأس السنة. وعليه فإننا دعونا الروابط إلى اجتماع وحددنا وإياهم تاريخ بدء العام الدراسي في 9/10/2023 على أن يصدر عن وزير التربية قبل هذا التاريخ قرار يحدد آلية دفع بدلات الإنتاجية وقيمتها وتواريخ دفعها ومعايير حسابها”.
تابع:”أما بشأن رصيد السلفة البالغ حوالى عشرة آلاف مليار ليرة لبنانية فقد تمَّ الإتفاق بحضور دولة رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان ووزير المالية ووزير التربية على أن تُدفَع ثاني دفعة بقيمة خمسة آلاف مليار في الفصل الثاني والدفعة الأخيرة بقيمة مماثلة في الفصل الثالث. نحن نحتاج دوما وبالتأكيد أيضاً إلى ترجمة إقرار مجلس الوزراء للورقة التربوية بتحويل كامل لمبلغ الـ150 مليون دولار على مدى سنة كاملة لنتمكن من توفير المقومات الضرورية لعام دراسي سليم”.
وشدد على أن “غياب الدعم الدولي المؤكد وفقدان أو التأخير في دفع الأموال من الخزينة، يطرح تحديات كبرى حول إقلاع التعليم واستدامته، فمن دون تأمين بدلات إنتاجية للأساتذة سنواجه مشكلة عدم دخول الأساتذة إلى الصفوف، وأنا أتفهم ذلك إذ كيف للمعلم أن يذهب إلى صفه براتب لايغطي الحد الأدنى الذي يمكنه من ذلك. كما أن الحاجات المطلوبة اليوم لا تقتصر على قطاع في التربية من دون سائر القطاعات الاخرى، وتوفيرها يشكل أساساً لانطلاق عام دراسي بلا مشكلات وبالحد الأدنى من الاستقرار”.
وقال:”إن دعم قطاعات التعليم التي يبلغ عدد أساتذتها في الملاك والتعاقد في التعليم الرسمي لفترتي قبل الظهر وبعد الظهر للنازحين وفي المهني والتقني والإداريين 63449، يضاف إليهم أساتذة الجامعة اللبنانية بين متفرغين ومتعاقدين وملاك ومدربين، والذين يبلغ عددهم 6700، يجب أن يكون أولوية لدى السلطات، ونحن من جهتنا نتواصل في شكل مستمر مع الروابط التعليمية وقطاعات المعلمين والمتعاقدين لحضهم على البدء بالعام الدراسي بالتوازي مع العمل على تأمين بدلات إنتاجية مقبولة، وتجنيب قطاع التربية اضطرابات قد تؤدي إلى خسارة العام الدراسي وتدمير كل الانجازات المتحققة وانهيار التعليم. وكي يستقر القطاع أو يُقلع على الأقل لا بد من أن تٌحتسب البدلات المالية الشهرية وفق الحضور والتعليم اليومي. ولا بد أن يترافق ذلك مع إجراءات باشرنا بها تهدف إلى ترشيد الانفاق وأعادة تنظيم العملية التعليمية وفق الحاجات، ونعمل على إعادة الهيكلة وتحديد الملاكات وصولاً إلى إمكان دمج مدارس في التعليم الرسمي والمهنيات في التعليم المهني والتقني”.
ولفت إلى أنه “في موازاة تعليم اللبنانيين نستمر أيضاً في توفير التعليم لأولاد النازحين، فقد زاد عدد التلاميذ السوريين في المدارس الرسمية إلى مئتي ألف متعلم، من 170 ألفاً، وهو ما يستدعي فتح مدارس جديدة لاستيعابهم، والحاجة إلى مزيد من الاموال. بالنسبة إلينا يستدعي هذا الأمر أيضاً الطلب من الدول المانحة زيادة المبلغ الممنوح عن كل تلميذ من 140 دولاراً إلى ما كان عليه في السابق أي 600 دولار أو أقله 400 دولار أميركي. ومساواة لبنان بما هو ممنوح للتلميذ السوري في الأردن وتركيا أي 600 دولار. وهذه المبالغ قد تساعد في إعادة تأهيل المدارس الرسمية وتغذية صناديقها لتتمكن من دفع جزء من بدلات المتعاقدين المالية”.
أضاف: “إنني لا أخفي عليكم أن الأمور يمكن أن تتفاقم ما لم نتمكن من إطلاق العام الدراسي في موعده بعد تأمين الأموال المطلوبة لدعم المعلمين، إذ إن مدارس مهددة برحيل تلامذتها الى التعليم الخاص وهذا يتطلب إسراع الحكومة بتوفير الأموال وتحديد طريقة صرفها. كما أن تحصين التعليم وحمايته أيضاً يتطلبان دعم الحكومة لمشاريع وزارة التربية في ما يتعلق بالمناهج الجديدة التي يعمل عليها المركز التربوي للبحوث والإنماء. إننا نواجه أيضاً معضلة في التعليم الخاص، خصوصاً مع استيفاء الاقساط بالدولار الأميركي، من خارج الموازنات المدرسية. نجن نسعى إلى معالجة التفلت الدولاري في المدارس الخاصة بتطبيق بنود القانون 515، لكن الازمات المتتالية باتت تحتم تعديل بعض مواد هذا القانون أو تقديم اقتراح قانون جديد لإقراره في مجلس النواب يلحظ التغييرات، وتنظيم المساهمات الدولارية من الأهل وادخالها في الموازنات. إننا لسنا في وارد الرد على حملات ضدنا تفتقد إلى الصدقية، لكني أؤكد أننا نعمل رغم الصعوبات ومن خلال مجلس الوزراء لتكون له كلمة في موضوع القانون 515، إما بتعديله أو تبني خيارات أخرى مرتبطة بالأقساط تغطي إجراءات التربية في هذا الموضوع. علماً أن الوزارة لا تستطيع تطبيق القانون 515 في وضعه الحالي بسبب انهيار العملة الوطنية”.
تابع:”أما في ما يتعلق بالجامعة اللبنانية، فتحتاج إلى رعاية ودعم مستمرين، هي التي تضم أكثر من 70 ألف طالب وطالبة. لقد انعكس إقرار ملف الملاك في الجامعة ارتياحاً في أوساط الهيئة التعليمية لكن هذا الأمر لا يكتمل من دون إقرار ملف تفرغ مدروس وفق حاجات وأولويات والهدف هو تغذية الجامعة بكادر جديد، لكنه يحتاج إلى ميزانية لتحسين رواتب الأساتذة. إن إقرار موازنة الجامعة للسنة الجديدة يؤدي إلى نوع من الاستقرار وانطلاق العام الجامعي ويحتاج الأمر أيضاً مع تحسين الرواتب إلى دفع بدلات إنتاجية شهرية أو حوافز للأساتذة الجامعيين. إن التراخي في دعم الجامعة ورعايتها سيؤدي إلى إفراغها من الكادر التعليمي الكفؤ، كما سيؤدي إلى تراجع مستواها، وخروجها من التصنيفات الأكاديمية الدولية، علماً أنها تبوأت مراكز متقدمة في التصنيفات الأخيرة”.
ختم:”لا بد من التأكيد أخيراً على دور مجلس النواب في دعم التربية من خلال إقرار مشاريع قوانين تساهم في تطوير التعليم وتأمين مقومات استمراره، والتأكيد أيضاً على دور الدولة في رعاية التربية واعتبارها أولوية. نتمنى النجاح لهذه الورشة وأن تخرج بتوصيات تساهم في الحفاظ على المدرسة والتعليم. وقبل أن أختم إسمحوا لي أن أتوجه بالشكر إلى دولة الرئيس نبيه بري على رعايته ورئيس وأعضاء لجنة التربية النيابية على تعاونهم والسادة النواب على مشاركتهم ودوائر المجلس على حسن الترتيبات والإعلام الذي يناصر قضايا التربية والتعليم”.
Comments are closed.