اللبنانيون ينشغلون بمردود «لعبة» استبدال الليرة بالدولار.. مصرف لبنان ضخّ نصف مليار دولار بسعر 24.5 ألف ليرة

يتركز انشغال غالبية اللبنانيين هذه الأيام، وغالباً بما يتعدى اللزوم، بـ «اللعبة النقدية» الأحدث تصميماً التي وضعها مصرف لبنان المركزي بين أيديهم، عبر إتاحة استبدال غير مقيّد للسيولة التي يحوزونها بالليرة بدولارات نقدية. فيما هم يأتلفون في الوقت عينه، وبصورة عصيّة على التفسير، مع توغل وحشية الغلاء المتمادي الذي يعتمد معدلات أسعار صرف تفوق بنسب متدرجة وتصل إلى 30 في المئة، مثيلاتها في التداول السوقي.
ورصدت «الراي» في جولة ميدانية على ردهات عدد من البنوك استمرار الازدحام من حَمَلة «الليرة» طلباً للاستبدال بالعملة الخضراء، رغم الضخ الدولاري الذي ناهز 425 مليون دولار بسعر 24.5 ألف ليرة، خلال المرحلة الأولى للتدخل الواسع النطاق من قبل البنك المركزي في سوق القطع، والتي استمرت لثلاثة أيام متتالية من تمديد العمل حتى المساء في الفروع المصرفية كافة، بهدف استيعاب أكبر كميات ممكنة من الكتلة النقدية بالليرة لقاء الدولارات النقدية (البنكنوت) وسريان الصيغة ذاتها على كتلة الرواتب والأجور بنهاية الشهر.
وبالتوازي، تستمر «معاندة» الأسواق غير النظامية صريحة في الاحتفاظ بهامش أعلى لسعر تداول الدولار إزاء الليرة، نظير ما يتم به تسعير التداول المتاح عبر منصة صيرفة ومن دون تأثير واضح لإتمام مبادلات يفترض أنها سحبت نحو 10 تريليون ليرة من الكتلة النقدية الهائمة في السوق والبالغة نحو 43 تريليون ليرة وفق أحدث الإحصاءات العائدة لنهاية الشهر الماضي.
واللافت، بحسب مصادر مواكبة وناشطة في أسواق المبادلات النقدية، أن توسعة الهوامش ومعاودة ضبطها تجري على مدار ساعات العمل اليومية من دون ظهور أي تطورات مؤثّرة على حركة العرض والطلب، سواء على الصعيد السياسي أو المالي والنقدي.
وهو ما يثبت أن الكباش يتواصل على وتيرته المرتفعة بين السلطة النقدية التي تنشد تهدئة الأسواق في مرحلة دقيقة وحساسة، وبين المضاربين وتجار العملات الذين تكبدوا خسائر جسيمة بعدما كوّنوا مراكز مختلفة الأحجام بالعملة الأميركية على السعر القياسي للدولار الذي تقدم إلى 38 ألف ليرة عشية نهاية ألأسبوع الماضي، وقبيل وقت قليل من إشهار عزم البنك المركزي على التدخل القوي في إدارة السيولة.
ولوحظ أن حملات التشكيك في شأن ضآلة قدرات الاستمرار بمبادرة التدخل اليومي حيناً وحشد التحليلات بعدم جدواها في قادم الأيام «الساخنة» سياسياً قبيل الانخراط باستحقاق صعب وملتبس للتكليف والتأليف بما يخص الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لم تفلح تماماً باستعادة عوامل التوتر إلى أسواق المبادلات النقدية، بينما تكفلت إشاعة طارئة تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي قبل يومين، بدفع سعر الدولار، ولو لوقت قصير، إلى عتبة 33 ألف ليرة، قبل أن ينكفئ عقب صدور الإيجاز اليومي لعمليات منصة صيرفة، والذي يثبت الاستمرار بتنفيذ التدخل من دون أيّ تعديل.
وتنوّه المصادر المعنية الى ان «الخشية» من تصرفات المضاربين وقدراتهم الواضحة على إرباك عمليات التسعير النقدية على مدار الساعة، ستبقى مصدر قلق مبرَّر بمعزل عن تقلص حركة الأسواق الموازية لأدنى مستوياتها خلال المراحل السابقة لاستفحال الأزمة النقدية، والتي شهدت محاولات غير ناجعة تماماً للتدخل واستعادة التهدئة من السلطة النقدية.
وثمة مخاوف مشروعة لدى العامة على قاعدة «تجربة المجرّب» من اضطرار البنك المركزي، وسنداً لأيّ مسوّغ أو من دونه حتى، للتراجع عن قراره الساري التنفيذ حالياً.
وتلفت المصادر المتابعة إلى أن «جشع» بعض المصارف لاقتطاع أكبر حصة من «قالب» الدولار النقدي الذي وفره البنك المركزي لحملة سيولة الليرة، من خلال فرض عمولات مبالغ فيها تصل إلى 15 دولاراً للألف و/أو تحويل شريحة من المبالغ المدفوعة بالليرة والمستحق صرفها بالدولار للصرف عبر بطاقات الدفع لاحقاً ساهم بإضافة أكلاف غير مشروعة على عاتق زبائن البنوك الذين بادروا إلى التواصل مع الإدارة المعنية في لجنة الرقابة على المصارف، وأبلغوها بشكاوى شفوية للتصرف تحت طائلة الحض على الدعوة لردود أفعال قاسية بحق البنوك المُخالِفة.
وبالفعل، خاطب مصرف لبنان المصارف في بيان علني، بإلزامية التنفيذ الشفاف لقراره المتعلق بإجراءات استثنائية للسحوبات النقدية (التعميم الأساسي رقم 161)، مبيّناً انه يتلقى شكاوى ومراجعات كثيرة من الجمهور تتعلق بعدم أو بسوء تطبيق بعض المصارف، كلياً أو جزئياً، لأحكام القرار. ولذا طلب «التقيد بالأحكام وعدم التأخر في تلبية طلبات العملاء موضوع القرار وتنفيذ العمليات المتعلقة بها كاملة، لاسيما لجهة عدم استيفاء أيّ عمولات أو نفقات من أيّ نوع كانت مقابل تنفيذ العمليات المنوه عنها أو اقتطاع أيّ نسبة منها أو تحويلها إلى البطاقات المصرفية لاستعمالها، حصراً، عبر أجهزة نقاط البيع (POS)»، ومنذراً بتعرّض المصارف غير الملتزمة لاتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية المناسبة بحقها.
Comments are closed.