هل تعرقل قرارات ترامب خطة مكافحة تغير المناخ العالمية؟

دونالد ترامب
Reuters

قالها دونالد ترامب بوضوح عام 2018: “علماء المناخ لديهم أجندة سياسية.”

لم يكن هذا التصريح تلخيصاً لرؤية حكمت توجهاته البيئية في فترته الرئاسية الأولى، ويبدو أنها ستتعزز خلال فترته الثانية.

وفي الثامن من أبريل/نيسان 2025 الحالي، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً وجّه فيه المدّعي العام الأمريكي إلى مراجعة القوانين الفيدرالية المتعلقة بالعدالة البيئية والحد من انبعاثات الكربون، ودراسة تعليق تنفيذها.

وصف تلك القوانين بأنها “مرهقة، أيديولوجية، وتهدّد هيمنة أمريكا في مجال الطاقة وأمنها الاقتصادي”.

جاء هذا القرار بعد ساعات فقط من توجيه رئاسي آخر يدعو إلى زيادة إنتاج الفحم الحجري، في محاولة واضحة لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة.

هكذا اختار ترامب، للمرة الثانية، أن يسير عكس الاتجاه العالمي، ويفرض أولويات مختلفة عن باقي الدول الموقّعة على اتفاقية باريس الملتزمة بخفض الانبعاثات الكربونية، ومكافحة الاحتباس الحراري.

فما هي سياسات ترامب في ما يخص البيئة والمناخ؟ وما تداعيات هذه السياسة على الخطة العالمية لمكافحة تداعيات تغير المناخ؟

ترامب يقلب الطاولة

منذ ولايته الأولى، كان ترامب في صدام دائم مع كل ما له علاقة بتغير المناخ. وفي يونيو/حزيران 2017، أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، واصفاً إياها بأنها “مجحفة” للاقتصاد الأمريكي.

ثم عاد بعد فوزه بولاية جديدة، ليجدّد القرار ذاته في يناير/كانون الثاني 2025، معتبراً أن الاتفاقية تمثل امتداداً لما وصفه بـ”السرطان التنظيمي” الذي خلّفته إدارة بايدن.

كذلك أوقف تمويل معهد الأبحاث في جامعة برينستون (أربعة ملايين دولار) المختص في أبحاث المناخ.

كذلك أمر ترامب برفع وتيرة الإنتاج في قطاع الطاقة، مطلقًا عبارته الشهيرة “Drill, baby, drill” (احفر يا عزيزي احفر) التي باتت تستخدم للإشارة إلى دعواته المتكرّرة للتوسع في التنقيب.

في عام 2022، احتلّت الولايات المتحدة المرتبة الثانية عالميًا من حيث المساهمة في الانبعاثات المُسببة للاحتباس الحراري، وهي من بين الدول الأكثر إنتاجاً للنفط والغاز.

عليه، لم يكن مستغرباً أن يفي ترامب بما تعهّد به خلال الانتخابية ويشنّ حملة تغيير واسعة تستهدف السياسات البيئية التي أرساها سلفه جو بايدن.

محتجون على سياسة ترامب بشأن المناخ
Getty Images
محتجون يضيئون لافتة كتب عليها “ترامب ينكر العلم أمريكا تحترق”

وقد وجّه ترامب انتقاداً مباشراً لقوانين محلية في ولايات مثل نيويورك وفيرمونت، والتي تفرض غرامات على شركات الوقود الأحفوري لمساهمتها في أزمة المناخ. كما شمل هجومه سياسة كاليفورنيا في الحد من الانبعاثات وتداولها، إضافة إلى الدعاوى القضائية التي رفعتها ولايات أمريكية ضد شركات الطاقة الكبرى لمحاسبتها على دورها في تسريع الاحترار العالمي.

امتد تأثير قرارات ترامب إلى قطاعات الطاقة الخضراء، حيث استهدف إجراءات بايدن التي خصّصت مليارات الدولارات لدعم مشاريع الطاقة النظيفة، بما في ذلك برامج السيارات الكهربائية.

وضع ترامب سياساته الجديدة في إطار استعادة “الهيمنة الأمريكية في قطاع الطاقة”، وهو الشعار الذي روّج له البيت الأبيض رسميًا. ونشر الموقع الرسمي للرئاسة بياناً مفصلاً حول خطة ترامب للطاقة، تضمّن تكراراً بارزاً لشعار حملته المعدّل: “جعل أمريكا مهيمنة في مجال الطاقة.”

وأشار البيان الرئاسي إلى أن الرئيس ينفذ وعوده الانتخابية بشأن تحسين شبكة الكهرباء، مذكّرًا بإعلانه في اليوم الأول من ولايته عن خطة طوارئ وطنية للطاقة.

كما أكّد على إعادة إحياء ما وصفه ترامب بـ”صناعة الفحم الأمريكية الكبيرة والجميلة”، دعماً لاستقرار الشبكة الكهربائية وتوفير وظائف جديدة.

ويستهدف ترامب في خططه الحدّ من القيود التنظيمية التي تعرقل إنتاج الفحم والنفط والغاز، ويدفع باتجاه تسريع وتوسيع مشاريع الطاقة من خلال تيسير إجراءات التصاريح والاستثمار في تكنولوجيا الجيل القادم في هذا القطاع.

المزيد من الحفر

جميع النقاط التي وردت في بيان البيت الأبيض حول إجراءات إدارة ترامب في قطاع الطاقة، تتعارض بوضوح مع توصيات العلماء والمنظمات الدولية بشأن ضرورة تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، والانتقال العاجل نحو مصادر الطاقة البديلة المستدامة، بهدف خفض انبعاثات الكربون والحد من الاحترار العالمي.

وقد وصفت كريستينا فيغيريس، الرئيسة السابقة لهيئة الأمم المتحدة لمكافحة تغيّر المناخ، عودة ترامب إلى البيت الأبيض بأنها “ضربة قوية للتحرك المناخي العالمي”، في تصريح يعكس حجم القلق الدولي من انعكاسات هذه السياسات.

تستند هذه المخاوف إلى اتفاقية باريس للمناخ المبرمة عام 2015 بمشاركة 197 دولة، وتهدف إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير، مع السعي إلى الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين، ومحاولة الإبقاء عليه عند 1.5 درجة كحدّ أقصى. وقد دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد أقل من عام على اعتمادها رسمياً.

لكن بحسب تقارير علميّة، فقد تجاوزت درجة حرارة الأرض بالفعل في عام 2024 عتبة 1.5 درجة مئوية، مسجّلة أعلى مستوى لها منذ بدء التسجيلات المناخية. وتشير الدراسات إلى أن انبعاثات الكربون بلغت مستويات لم تُسجَّل منذ 800 ألف عام.

ويشير مراسل الشؤون البيئية مات ماكغراث في بي بي سي، إلى أن الوقود الأحفوري يشهد طفرة غير مسبوقة.

وارتفع إنتاج النفط الأمريكي بنسبة 70 بالمئة منذ عام 2016، لتصبح الولايات المتحدة حالياً أكبر منتجيه ومصدريه في العالم، والأمر ذاته بالنسبة للغاز الطبيعي المسال.

وتعكس تصريحات ترامب في خطاب تنصيبه الثاني هذه التوجهات. فقد أعاد استخدام عبارته الشهيرة “احفر يا عزيزي احفر” متعهّداً ببدء “عصر جديد من استكشاف النفط والغاز”، قائلاً: “سنخفض الأسعار، ونعيد ملء الاحتياطي الاستراتيجي إلى أقصاه، ونصدّر الطاقة الأمريكية إلى العالم.”

لكن هذا التوجه أثار انتقادات واسعة من خبراء البيئة والاقتصاد. ففي يناير/كانون الثاني، علّق سيمون ستيل، رئيس برنامج الأمم المتحدة للمناخ، قائلاً إن الولايات المتحدة “تخاطر بخسارة فرصة عالمية في قطاع الطاقة النظيفة بلغت قيمتها تريليوني دولار في عام 2024.”

وأضاف أن الاستفادة من هذا التحوّل تعني أرباحاً ضخمة وملايين الوظائف وهواءً نقياً، في حين أن تجاهلها “يهدر هذه الثروة لصالح منافسين دوليين، ويترك الاقتصاد الأمريكي عرضة لأزمات مناخية متصاعدة تتسبّب بدمار الممتلكات وحرائق الغابات وتراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع مستويات التضخم”.

ورأت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير نشرته في 2 مارس/آذار أنّ سياسات ترامب ستؤدي إلى تقويض جهود الولايات المتحدة في مواجهة تغيّر المناخ، بل والمساهمة في تسريع وتيرة الاحتباس الحراري، مع عرقلة نمو تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

وتؤكد البيانات المناخية حتى عام 2023 أن الولايات المتحدة ما زالت تحتل المركز الثاني عالميًا في قائمة الدول المسببة للاحتباس الحراري، ما يجعل أي قرار سياسي في هذا الاتجاه مؤثراً ليس على الداخل الأمريكي فحسب، بل على مصير الكوكب بأسره.

ترامب يشعل حرب النفط، كيف ستتحرك السعودية؟

يبشّر ترامب من خلال شعار “احفر”، بحرب أسعار قد يشهدها سوق النفط. فالالرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها الرئيس الأمريكي أدّت إلى انخفاض أسعار النفط عالمياً، ما يمهّد لحرب جديدة في سوق الطاقة.

وفي هذا السياق، أشارت رويترز إلى أن السعودية، أكبر مُصدّر للنفط عالميًا، والقوة المهيمنة داخل منظمة أوبك، قد تستغل الأزمة التي فجّرها ترامب لرفع إنتاجها مجدداً.

وبحسب التقرير، فقد فاجأت المملكة، إلى جانب سبعة أعضاء آخرين في أوبك، الأسواق العالمية بقرار تسريع تقليص خفض الإنتاج، والذي كان مقرراً في السابق عند 2.2 مليون برميل يومياً. ومن المتوقّع أن تضيف هذه الخطوة نحو 411 ألف برميل يومياً إلى الكمية المعروضة عالمياً اعتباراً من مايو/أيار، رغم وجود فائض في السوق، في قرار وصفته الوكالة بأنه خطوة مدروسة للاستفادة من الانخفاض الحاصل في الأسعار.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دوالد ترامب
Getty Images

وتتصدر السعودية الدول العربية من حيث المساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري، وتحتل المرتبة الثامنة عالميًا.

منذ عام 2016، أطلقت المملكة عدّة مبادرات في مجال الطاقة المتجددة، في محاولة للتماشي مع التحولات العالمية.

وتفيد توصيات الأمم المتحدة أن الفحم والنفط والغاز الطبيعي مسؤولة عن أكثر من 75 باالمئة من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، وحوالي 90 بالمئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

 

** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.