تركن أحلامهن ونسجْن السجاد، أفغانيات يتحدّين قيود طالبان رغم “الأجور الزهيدة”

فتيات يجلسن أمام أنوال، لنسج السجاد
BBC
العديد من الفتيات، اللائي يعملن في صناعة السجاد، أُجبرن على ترك الدراسة والعمل

منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة عام 2021، مُنعت الفتيات فوق سن 12 عاماً من التعليم، ومُنعت معظم النساء من العمل في الوظائف العامة، ما دفع الكثير منهن نحو التوجه إلى حرف نسج السجاد لأيام طويلة وشاقة، وهي إحدى الحرف القليلة التي تسمح حكومة طالبان للنساء بممارستها.

كانت شاكيلة، البالغة من العمر 22 عاماً طالبة تحلم بأن تصبح محامية، لكنها الآن تعمل في صناعة السجاد، الحرفة التي تمتهنها عائلتها.

تقول شاكيلة: “لا يوجد أي عمل آخر غير نسج السجاد، ليس هناك أي وظائف أخرى”.

عُرضت سجادة نسجتها شاكيلة وشقيقتاها في معرض في كازاخستان عام 2024، حيث بيعت تلك التحفة الحريرية التي تبلغ مساحتها 13 متراً مربعاً، مقابل 18 ألف دولار أمريكي، لكنهن لم يحصلن على أي ربح.

يُباع السجاد في أفغانستان بسعر زهيد، وبالتالي يحصل العمال على أجور منخفضة، حيث يبلغ متوسط سعر المتر المربع الواحد من القطعة المنسوجة يدوياً، ما بين 100 و150 دولاراً أمريكياً.

تنحدر الشقيقات الثلاث من منطقة دشت برجي شديدة الفقير، في الضواحي الغربية لكابول، ويتشاركن إيجار سكن متواضع مكون من غرفتي نوم مع والديهما المسنين وثلاثة أشقاء، وحولن إحدى غرف السكن إلى ورشة لصناعة السجاد.

تقول شاكيلة: “تعلمت هذه الحرفة عندما كنت في العاشرة من عمري، حين علمني والدي بينما كان يتعافى من حادث سيارة”.

وما كان مهارة ضرورية في أوقات الشدة، أصبح الآن شريان حياة للأسرة.

شابتان تجلسان أمام نول، لنسج سجادةً كبيرةً
BBC
صناعة السجاد تتطلب قدرة بدنية وذهنية

وفقًا للأمم المتحدة، يعتمد ما بين 1.2 و 1.5 مليون أفغاني على صناعة السجاد، وتشكل النساء ما يقرب من 90 في المئة من القوى العاملة في هذه الصناعة.

كيف تحدت شقيقتان أفغانيتان حركة طالبان لتحقيق الحلم الأولمبي؟

كانت سميرة، شقيقة شاكيلة، البالغة من العمر 18 عاماً، تحلم بأن تصبح صحفية، بينما أُجبرت أختهما مريم البالغة من العمر 13 عاماً، على ترك المدرسة، حتى قبل أن تتمكن من نسج حلم لمستقبلها.

قبل عودة طالبان، كانت الفتيات الثلاث طالبات في مدرسة سيد الشهداء الثانوية، لكن حياتهن تغيرت إلى الأبد بعد التفجيرات المميتة التي وقعت في المدرسة عام 2021، وأسفرت عن مقتل 90 شخصاً، معظمهم من الفتيات، وإصابة ما يقرب من 300 آخرين.

وخوفًا من وقوع مأساة أخرى، اتخذ والدهن قراراً بمنعهن من الذهاب إلى المدرسة.

“أعداء تعليم الفتيات”

ثلاث نساء يجلسن على الأرض أمام أحد الأنوال، لصناعة سجادة كبيرة
BBC
صناعة السجاد من المهن القليلة، التي يُسمح للنساء بالعمل فيها، منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم

أصيبت سميرة، التي كانت في المدرسة وقت وقوع الهجمات، بصدمة نفسية؛ حيث أصبحت تتلعثم في الحديث، وتجد صعوبة في التعبير عن نفسها بطلاقة. ومع ذلك، فهي لا تزال مستعدة لفعل أي شيء للعودة إلى التعليم الرسمي.

تقول سميرة: “أردت حقاً أن أكمل دراستي، الآن بعد أن أصبحت طالبان في السلطة، تحسن الوضع الأمني، وتراجعت التفجيرات الانتحارية”.

وأضافت: “لكن المدارس لا تزال مغلقة، لهذا السبب علينا أن نعمل”.

وقد حمّلت الحكومة السابقة حركة طالبان مسؤولية الهجوم، رغم أن الحركة نفت ذلك.

وتعتقد شاكيلة وسميرة ومريم أن الحكام الحاليين هم أعداء لتعليم الفتيات.

وادّعت حركة طالبان مراراً أن الفتيات سيُسمح لهن بالعودة إلى المدرسة بمجرد معالجة بعض المشكلات مثل مواءمة المناهج الدراسية مع القيم الإسلامية، ولكن حتى الآن، لم تُتخذ أي خطوات ملموسة لتحقيق ذلك.

في ورشة “إلمك بافت” في كابول، تعمل 300 امرأة وفتاة في مكان ضيق يكاد ينعدم فيه الهواء.

وفي فرع آخر من الورشة، تعمل 126 فتاة صغيرة على 23 نولاً.

كانت صالحة حساني، البالغة من العمر 19 عاماً، طالبة مجتهدة في المدرسة حتى بلغت السابعة عشرة من عمرها، بل إنها أمضت عامين في التدريس، ومارست أيضاً مهنة الصحافة لمدة ثلاثة أشهر.

تقول صالحة بابتسامة باهتة: “لم يعد لدينا نحن الفتيات فرصة للدراسة، لقد سلبتنا الظروف ذلك، لذا لجأنا إلى ورشة العمل”.

سجاد بملايين الدولارات

نصار أحمد حسيني، رئيس شركة "إلمك بافت"، يتابع العمل في الورشة، ويختبر جودة المنتج
BBC
الكثير من الفتيات والنساء يضطررن للعمل لساعات طويلة، مقابل أجور زهيدة

أشارت وزارة الصناعة والتجارة في حكومة طالبان إلى تصدير أكثر من 2.4 مليون كيلوغرام من السجاد، بقيمة 8.7 مليون دولار إلى دول مثل باكستان والهند والنمسا والولايات المتحدة، خلال الستة أشهر الأولى من عام 2024.

ومع ذلك، هناك تناقض مثير للقلق رغم ازدهار التصدير، حيث يقول العمال إنهم يكسبون حوالي 27 دولاراً عن كل متر مربع من السجاد، الذي يستغرق إنتاجه عادةً حوالي شهر، ما يعني في كثير من الأحيان أقل من دولار واحد يومياً رغم ساعات العمل الطويلة والمرهقة، التي تمتد في كثير من الأحيان إلى 10 أو 12 ساعة.

يقول نصار أحمد حسيني، رئيس شركة “إلمك بافت”، إنه يدفع لموظفيه ما بين 39 و42 دولاراً للمتر المربع الواحد، كما يدّعي أنهم يتقاضون أجورهم كل أسبوعين، بينما تبلغ ساعات العمل ثماني ساعات.

ويضيف أن منظمته تهدف لدعم أولئك الذين تركوا الدراسة بسبب إغلاق المدارس بعد صعود حكومة طالبان.

ويضيف: “أنشأنا ثلاث ورش عمل لنسج السجاد وغزل الصوف”.

وأوضح أن حوالي 50 إلى 60 في المئة من هذا السجاد يُصدّر إلى باكستان، بينما يُرسل الباقي إلى الصين والولايات المتحدة وتركيا وفرنسا وروسيا لتلبية طلبات الزبائن”.

ست فتيات يرتدين أغطية الرأس، ويجلس على الأرض، لتناول الطعام
BBC
رغم العمل المرهق، لازالت الفتيات تتمسكن بأحلامهن

ويعانى الاقتصاد الأفغاني من الانكماش بنسبة 29 في المئة منذ عام 2020، إذ بلغت تكلفة القيود المفروضة على النساء ما يصل إلى مليار دولار، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وفي عام 2020، بلغت نسبة النساء العاملات 19 في المئة فقط، بمقدار أقل من أربعة أضعاف الرجال العاملين، وانخفض هذا الرقم بشكلٍ أكبر في ظل حكم طالبان.

طالبان تمنع طالبات أفغانيات من مغادرة البلاد للدراسة

ورغم التحديات، إلا أن عزيمة هؤلاء الشابات لم تنكسر.

إذ تقول صالحة ويبدو عليها الإصرار والأمل، أنها كرّست ثلاث سنوات من حياتها لدراسة اللغة الإنجليزية، موضحة: “رغم إغلاق المدارس والجامعات، إلا أننا نرفض التوقف عن التعلّم”.

وتضيف أنها تخطط لأن تصبح أفضل طبيبة يوماً ما، وأن تبني أفضل مستشفى في أفغانستان.

 

** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.