مدارس الضاحية في بيروت تخشى العودة إلى الحرب بعد الضربات الإسرائيلية الجديدة

كان يوم جمعة عادياً في ضاحية بيروت الجنوبية.
ثم جاء تحذير واحد، نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على منصة إكس، ليثير الذعر والفوضى في “الضاحية” المكتظة بالسكان.
“إنذار عاجل للمتواجدين في الضاحية الجنوبية في بيروت”. تضمن المنشور خريطة لمنطقة سكنية، تشير إلى مبنى باللون الأحمر ومدرستين قريبتين. قال أدرعي إن المبنى تابع لحزب الله وأمر بإخلائه والمنطقة المحيطة فوراً.
ما تبع ذلك كان مشاهد من الذعر التام. هرع الأهل نحو المنطقة المهددة لأخذ أطفالهم من المدارس، بينما تهافت السكان في الاتجاه المعاكس، وسط حالة من الهلع والرعب.
“عشنا حالة هلع غير طبيعية”، يتذكر أحمد العلامة، مدير مدرسة سان جورج، وهي واحدة من المدرستين المذكورتين على الخريطة. “حاولنا احتواء الموقف بقدر المستطاع، لكن الفوضى كانت غير طبيعية”.
تم إخلاء المنطقة بسرعة، ودمّر الجيش الإسرائيلي المبنى المحدد في الخريطة المنشورة، والذي قالت إسرائيل إنه كان مخزناً لمسيّرات حزب الله.
تلك الغارة التي نُفذّت قبل أسبوعين، كانت الأولى على الضاحية – حيث الوجود القوي لحزب الله – منذ أن دخل اتفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، حيز التنفيذ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
جاء ذلك بعد ساعات من إطلاق صاروخين من جنوبي لبنان تجاه شمالي إسرائيل، اعترضت الدفاعات الإسرائيلية أحدهما، بينما سقط الآخر داخل الأراضي اللبنانية.
نفى حزب الله أي علاقة له بإطلاق الصاروخين، بينما وصفت إسرائيل الواقعة بأنها “انتهاك” لوقف إطلاق النار. أما الرئيس اللبناني، جوزاف عون، فاعتبر الغارة الإسرائيلية “انتهاكاً للاتفاق”.
“ظننا أن الحرب قد انتهت وأصبحت وراءنا بعد اتفاق وقف إطلاق النار”، يقول العلامة. “لكن للأسف، لا نزال نعيش فصولها كل يوم”.
رغم وقف إطلاق النار، واصلت إسرائيل تنفيذ ضربات يومية تقريباً على أشخاص وأهداف تصفهم بأنهم مرتبطون بحزب الله، بينما تقول إنها تعمل على منع حزب الله من إعادة التسلح. وبالرغم من استمرار تلك الغارات على جنوبي لبنان ، أثار استهداف الضاحية قلقاً كبيراً.
في الأول من أبريل/نيسان 2025، أغار الجيش الإسرائيلي مرة ثانية على الضاحية – هذه المرة دون تحذير – مستهدفاً قائداً في حزب الله قُتل مع ثلاثة أشخاص آخرين، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.
تمارين الإخلاء
يدير علامة مدرسة سان جورج منذ 30 عاماً. تضم المدرسة نحو 1000 طالبة وطالب من جميع الأعمار. على الرغم من أن الدين جزء من المنهج الدراسي للطلاب في بعض الصفوف، يصف علامة المدرسة بأنها علمانية.
كما أن المدرسة معروفة لارتباطها بالمغني النجم راغب علامة- شقيق أحمد مالك المدرسة.
يقع المبنى المدمّر حديثاً على بُعد أمتار فقط من المدرسة. وهو ليس الموقع المُدمّر الوحيد في محيطها. إذ لا تزال كومة هائلة من الأنقاض جاثية مقابل أحد مداخلها، هي آثار غارة على مبنى دمّرته ضربات إسرائيلية أثناء الحرب.
في تلك الفترة، كانت المدارس مغلقة. لم يكن على القائمين عليها التعامل مع مواقف مثل ذلك الذي واجهوه قبل أسبوعين. الآن اختلف الوضع.
وضعت مدرسة سان جورج خطط إخلاء، وحدّدت نقاط تجمّع في حالات الطوارئ في الطابق السفلي، وكذلك المسالك التي يجب أن يتبعها الطلاب والموظفون عند حدوث أي تهديد.
كما وضعت أيضاً خططَ تواصل جديدة مع الأهالي، لمنع تكرار الفوضى التي حدثت خلال ضربة الشهر الماضي، وهي الخطط التي يتم تذكير الطلاب بها بشكل دوري.
بحسب علامة، يعاني الطلاب والموظفون والأهالي جميعاً جراء من صدمة جراء ما حدث.
في البداية، فكّرت المدرسة في تقليص الأنشطة الترفيهية للتمكن من إنهاء المنهج بعد تأخر العام الدراسي. لكنها عادت وغيّرت رأيها.
“قررنا خلاف ذلك”، قال علامة. “يجب ألا يتحمل الطلاب عواقب أمر لا دخل لهم به. في الواقع، انتهى بنا الأمر بزيادة هذه الأنشطة – فهؤلاء الطلاب بحاجة إلى الترويح قليلاً عن أنفسهم”.
دمار في كل شارع

بعد ما يقرب من خمسة أشهر على بدء سريان وقف إطلاق النار، زادت الغارات الجوية الإسرائيلية على ضاحية بيروت، من مخاوف عودة الحرب الشاملة.
كان وقف إطلاق النار يهدف إلى إنهاء أكثر من 13 شهراً من الصراع بين إسرائيل وحزب الله، والذي كان بدأ عندما شن حزب الله هجمات على مواقع عسكرية إسرائيلية في اليوم التالي لهجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قائلاً إنه يتحرك تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.
تصاعد الصراع في سبتمبر/ أيلول 2024، عندما شنت إسرائيل حملة جوية مدمرة على لبنان وغزت جنوبي البلاد.
اليوم عادت الضاحية، التي هجرها أهلها قسراً خلال الحرب، تنبض بالحياة مجدداً. أعيد فتح المتاجر، وعاد روّاد المقاهي ومحبّو النرجيلة إليها، بينما عادت أيضا حركة السير الخانقة إلى الشوارع.
ولكن وسط مؤشرات عودة الحياة إلى طبيعتها، تُذَكِّر مشاهد الدمار في معظم الشوارع، بالقصف العنيف الذي شهدته هذه المنطقة قبل أشهر فقط.
فبحسب مسؤول في إحدى بلديات المنطقة، دمّرت الغارات الإسرائيلية حوالي 346 مبنى في المنطقة، وتضرر 145 مبنى آخر بشكل جزئي. وقالت إسرائيل إنها استهدفت منشآت تابعة لحزب الله ومستودعات ذخيرة.
في أماكن عديدة في الضاحية، لا يزال عمال رفع الأنقاض يزيلون الدمار.
يكاد هدير الجرافات وأصوات المثاقب وهي تعمل في أكوام الحطام لا يهدأ. على بعض أكوام الأنقاض ثُبِّتت أعلام حزب الله، بينما رُفعت صور كبيرة وصغيرة لحسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله الذي قتلته إسرائيل خلال الحرب، على جدران عدة.
ولكن بالرغم من رمزيات مظاهر التحدي المعتادة، يعبّر الكثيرون عن قلق عميق- وهو ما ليس مألوفاً في تصريحات أهالي الضاحية لوسائل الإعلام.
“منظر الدمار مخيف ومرعب. أنظر إلى المباني المدمّرة وأبكي”، هكذا تقول سوسن الحريري، مديرة مدرسة “البُرج هاي سكول”.
تعرّض مبنى المدرسة لأضرار جسيمة جراء غارات ضربت مبنى مقابلاً له.
“الوضع كئيب. تمشين في الشارع، تمرّين بسيارتك.. كآبة. كيف يمكن الشعور بالاطمئنان وسط كل هذا؟”.
كانت سوسن الحريري تعيش في الطابق العلوي من مبنى المدرسة مع زوجها وابنتها، لكن منزلهم قد دُمـّر. الآن، يستأجرون شقة في الجوار.
قبل الحرب، كان في المدرسة قرابة 600 طالب. الآن بالكاد يوجد فيها 100.
تردّد العديد من الأهالي في إرسال أطفالهم إليها وسط مشاهد الدمار والضجيج المستمر للآلات. بينما كان آخرون قلقين بشأن المخاطر الصحية، حيث لا يزال الغبار الكثيف يملأ الهواء.
بعد وقف إطلاق النار، أجرى أصحاب هذه المدرسة الخاصة بعض الإصلاحات الأساسية على نفقتهم الخاصة، لإعادة فتحها.
قدّم حزب الله، الذي يُعتبر منظمة إرهابية في العديد من البلدان، ولكنه في لبنان يعد حركة سياسية واجتماعية بالإضافة إلى كونه قوة عسكرية، لكل مَنْ فقدوا منازلهم 12 ألف دولار لاستئجار مسكن لمدة عام واحد. كما عرض تغطية تكاليف إصلاح الشقق. لكنّ المدارس وغيرها من المؤسسات الأخرى لم تتلق أي مساعدات.
وقد تعهدت الحكومة اللبنانية بإنشاء صندوق لإعادة الإعمار، الذي يقدّر البنك الدولي كلفته بـ 11 مليار دولار على مستوى البلاد.
ولكن يبدو واضحاً أن المانحين الدوليين يصرون على شروط كنزع سلاح حزب الله وإجراء إصلاحات سياسية – وهي شروط تبدو صعبة التحقيق حالياً.
على الرغم من أنه يُتوقع الانتهاء من إزالة الأنقاض في الضاحية بحلول نهاية العام، فإن قلة تتفاءل بأن تبدأ عملية إعادة البناء على نطاق واسع، في أي وقت قريب.
- أربعة قتلى في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت، وحزب الله يعلن مقتل قيادي في صفوفه
- حزب الله أمام مفترق طرق بعد حرب كارثية أضعفت قواه
- كيف يتأثّر تعليم أطفال جنوب لبنان بالحرب؟
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.