المعارضة السعودية في الخارج تطلب إطلاق سراح المعتقلين لإثبات جدية دعوة بن سلمان بالعودة من دون عقاب

أكد رئيس أمن الدولة السعودي عبد العزيز المهيريني أن بلاده، وبناء على دعوة وجّهها رئيس مجلس الوزراء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تطلب من جميع المعارضين في الخارج بالعودة إلى وطنهم متعهّدا ألا ينالهم أي عقاب”، بشرط ألا تكون صدرت بحقهم أحكام خاصة، أي جرائم قتل أو اعتداء على أحد، فيما طلبت المعارضة إطلاق سراح المعتقلين إثباتا للجدية.
وقال المهيريني في مقابلة تلفزيونية مع قناة أم بي سي السعودية إن هذه الدعوة “مفتوحة” للمعارضين المقيمين خارج المملكة والراغبين بالعودة إلى وطنهم. وأضاف المسؤول السعودي أن هذه الدعوة موجّهة لكل “معارض ولكل شخص تم استغلاله من قبل مغرضين أو تلقّى أموالا في مرحلة من المراحل أو غُرّر به”، مؤكدا أن هذا الشخص سيكون “مرحّبا به ولن يناله أي عقاب”.
ولفت المهيريني إلى أن الراغبين بالعودة يمكنهم التواصل مع السفارات السعودية في الخارج التي باتت على علم بهذا الأمر أو مع الجهات المختصة أو مع عائلاتهم.

رد فعل المعارضة
لا يبدو أن هذه الدعوة لاقت صدى إيجابيا لدى المعارضين السعوديين في الخارج.
فمعظم من تحدثنا إليهم أعربوا عن شكوكهم حيالها. وآخرون آثروا عدم التعليق. لكن الغالبية اعتبرت أن الإفراج عن المعارضين المسجونين داخل المملكة، خطوة يجب أن تسبق تلك المتعلّقة بالسماح بعودة المعارضين من الخارج، لأن ذلك كفيل بإثبات “حسن نية السلطات السعودية فيما يخص هذا الملف”.
الناشطة السعودية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان فوز العتيبي أكدت أنها لم تتعامل بجدية مع هذه الدعوة، لاسيما في ظل الظروف التي قالت إنها تواجهها حاليا فيما يتعلق بـ “تزايد وتيرة القمع والاضطهاد الممنهج الذي تعاني منه عائلتي هذه الفترة” وفق ما قالته في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي. وأضافت العتيبي: “شقيقتي الصغرى، مناهل العتيبي، ما زالت معتقلة ومختفية قسريًا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، عائلتي تعيش في خوف دائم من تعرّضها لأي مكروه، أما شقيقتي الكبرى، مريم العتيبي، فما زالت تعيش تحت مذكرة اعتقال مفتوحة، ما يجعلها معرّضة للاعتقال في أي لحظة، إضافة إلى حرمانها بشكل تعسّفي من حقها في السفر”.
واعتبرت الناشطة السعودية المقيمة في اسكتلندا أن “الضمانات التي تثبت جدية أي وعود لإصلاح حقيقي من قبل السلطات السعودية يجب أن تبدأ بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي فورا، وبرفع أشكال الاضطهاد السياسي عنهم، بما في ذلك إنهاء قرارات منع السفر التعسّفية، وتمكينهم من ممارسة حياتهم بحرية ومن دون قيود “، على حدّ تعبيرها.
أما الناشط في مجال حقوق الإنسان والكاتب السعودي عادل السعيد، فاعتبر أن هذه الدعوة للمعارضين السعوديين بالعودة إلى المملكة تأتي في سياق تضليلي، على حد وصفه. وشرح السعيد في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن هذه الدعوة أطلقت فيما تستمر السعودية بتنفيذ أحكام الإعدام وبالتالي فإن الطلب السعودي من المعارضين العودة أمر غير منطقي، كما قال، وأضاف: “كيف يمكن للسعودية أن تفتح يدها للمعارضين في الخارج وهي تقوم بقمعهم في الداخل؟”.
ورأى الناشط السعودي المقيم في ألمانيا أنه إذا كانت السلطات السعودية صادقة في هذه الدعوات فعليها أن تفرج عن جميع معتقلي الرأي في الداخل لاسيما أولئك الذين تم إصدار أحكام بحقهم فاقت مدتها العشرين أو الثلاثين عاما بسبب تغريدة أو مدونة أو تعليق على فايسبوك. كذلك عليها إيقاف أحكام الإعدام وتعويض المعتقلين عن السنوات التي قضوها في السجن والعمل على إعادتهم إلى وظائفهم.
ولفت السعيد إلى أن السعوديين المعارضين الذين يقيمون في الخارج ليسوا “مستمتعين” لأنهم بعيدون عن أهلهم وأصدقائهم، معتبرا أن السبب وراء إطلاق دعوة مماثلة، هو رغبة السلطات السعودية بأن تعيد المعارضين إلى الداخل كي لا يبقى “صوت آخر مغاير للرواية الرسمية”، على حد تعبيره.
توقيت الخطوة وأهميتها
ويعتبر البعض الدعوة “تاريخية” في مضمونها وتوقيتها فيما يخص “المغرّر بهم” وهو المصطلح الذي تطلقه السلطات السعودية عادة على المعارضين الذين يقيمون خارج السعودية وينتقدون سياساتها عبر مقابلات صحفية أو عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر إصدار بيانات وتقارير موجّهة ضد المملكة.
الباحث السعودي في العلاقات الدولية الدكتور أحمد الشهري اعتبر أن هذه الدعوة ليست جديدة، ذلك أن السعودية “لطالما فتحت يديها لأبنائها” المنتسبين إلى المعارضة في الخارج ودعتهم للعودة إلى وطنهم. وأضاف الشهري في حديث لبي بي سي نيوز عربي أن من حملوا السلاح وقتلوا وفجّروا والتحقوا بمن وصفهم بالمنظمات الإرهابية، عادوا إلى بلدهم وتم استقبالهم في المطار وتم لم شملهم مع عائلاتهم، كما قُدّمت لهم تسهيلات في التوظيف والزواج وتمت معاملتهم معاملة المواطنين العاديين وتم دمجهم في المجتمع السعودي.
وأشار الباحث السعودي إلى أن العائدين من الخارج ممن تظهر عليهم ما وصفها بعلامات “التطرّف”، يتم تأهيلهم في “مركز المناصحة” من خلال إشراكهم في جلسات من قبل مختصين حول الدين والأمن الفكري ومحاربة الإرهاب.
واعتبر الشهري أن المعارضة في الخارج يتم استغلالها من قبل جهات معادية للسعودية بطرق وصفها بغير الأخلاقية.
يذكر أن انتقادات حادة على المستويين الدولي والحقوقي قد طالت السعودية إثر قتل الكاتب الصحفي المعارض جمال خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في تركيا وحوكم عدد من كبار المسؤولين في السعودية على خلفية الجريمة.
المعارضة السعودية
لا أرقام محدّدة عن عدد المعارضين السعوديين في الخارج إلا أن التقديرات تشير إلى أنهم بالآلاف، وقد أكد المستشار في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان طه الحاجي أن الأعداد في تزايد مستمر بعد وصول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة. أما عن مناطق وجودهم فقال إن معظمهم يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية.
وأضاف الناشط السعودي في مداخلة مع بي بي سي نيوز عربي أن هناك سعوديين معارضين “بصمت” على حدّ وصفه، أي أنهم لا يمارسون أي نشاطات سياسية إنما آثروا الهروب مما وصفه بالقمع، بحثا عن الأمان والحريات، لافتا إلى أن عدد المعارضين النشطين يُعتبر قليلا مقارنة مع العدد الإجمالي للمعارضين السعوديين في الخارج.
واعتبر طه الحاجي الذي يتّخذ من ألمانيا مقرا له، أن بلاده التي تشهد انفتاحا في السنوات الأخيرة انتقلت من التشدّد الديني إلى التشدّد السياسي، وهو تشدّد لا يقل خطورة وفق تعبيره.

وتشير المعلومات إلى أن معظم المعارضين السعوديين المقيمين في الخارج نشطاء وصحفيون وأكاديميون أو أعضاء في جماعات للمعارضة السياسية فرّوا من بلدهم بسبب ما يصفونه بالاضطهاد السياسي أو التهديدات بالإعدام أو السجن.
وتنوّعت المعارضة التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي بين معارضة دينية أو سياسية أو حتى اجتماعية وثقافية.

وشهدت المعارضة نشاطا ملحوظا في سبعينيات القرن الماضي مع انطلاق الثورة الإيرانية إذ طالب من بعدها بعضالسعوديين الشيعة بحقوق سياسية أكثر لاعتبار أنهم “مضطهدون”. وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تصاعدت المعارضة “الإسلامية” المتشدّدة وحدثت توتّرات عدّة على الصعيدين الأمني والسياسي، كذلك شهدت السنوات العشر الأخيرة معارضة من قبل مثقفين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان والحريات وحقوق المرأة.
- لماذا اختار ترامب السعودية مكانا للقاء نظيره الروسي؟
- متراجعة عن حكم بالسجن 34 عاماً، السعودية تفرج عن سلمى الشهاب
- كشف هوية محام سعودي عَمِل في سفارة بلاده في واشنطن وارتبط اسمه بانتحار طالبة سعودية عابرة جندرياً
Powered by WPeMatico
** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
Comments are closed.