كيف نشجع الأطفال على بدء خطواتهم الأولى لصيام شهر رمضان؟

فتاة صغيرة ترتدي ملابس صلاة.

Getty Images

غالباً ما يتطلع العديد من الأطفال خلال شهر رمضان نحو خوض تجربة الصيام، إذ يحاولون محاكاة والديهم في إحياء هذه الشعيرة الدينية، رغم أن تحمّل الجوع والعطش ربما لن يكون سهلاً عليهم كأطفال.

لذا فإن هذا التقرير يطرح بعض الأفكار والنصائح التي تساعد الآباء والأمهات على تشجيع أطفالهم لصيام شهر رمضان بطريقة صحية ونفسية تجعل فكرة الصيام لدى الأطفال مقبولة دون شعور بالتعب أو الملل.

والسؤال الذي قد يتصدر حديث الأهالي هو: متى يبدأ طفلي بالصيام؟

وهو ما تجيب عنه أخصائية طب الأسرة الدكتورة لبنى حسن خلال حديثها لبي بي سي قائلة: “لا بد من التدرّج مع الطفل خاصة مع بداية صومه، إذ يمكن أن يصوم الطفل لغاية صلاة الظهر في أول أسبوع من رمضان ثم نتدرج معه لغاية صلاة العصر ومن ثم حتى صلاة المغرب وهكذا لحين أن يتعوّد على أجواء شهر رمضان”. وهو الأمر الذي تتفق معه أخصائية الأطفال وحديثي الولادة الدكتورة بتول الصيفي التي قالت لبي بي سي: ” يجب أن نبدأ بتدريب الطفل على جو الصيام تدريجياً، فعلى سبيل المثال لو كان عمر الطفل ٧ سنوات يمكنه الصيام نحو 4 ساعات، وإن كان يبلغ 8 سنوات فيمكنه الصيام نحو 5 ساعات وهكذا حسب قدرة الطفل وتحملّه”.

وأضافت: “لا يوجد سن محدد يبدأ فيه الطفل بالصيام، إذ إن الأمر يعود لتقدير الأهل ومعرفتهم بصحة طفلهم، وعادة يُفضل أن يكون الصيام بعد البلوغ أي بعد عمر 10 سنوات تقريباً”.

كيف نشجع أطفالنا على صيام شهر رمضان؟

رجل يحمل طفلاً بين ذراعيه.

Getty Images

في محاولة لفهم طبيعة الوسائل التي يتبعها الأهالي لتشجيع أبنائهم على الصيام، فقد تحدثتُ مع عدد من الأسر العربية وأبنائهم في بلدان مختلفة لمعرفة إن كانت هذه الوسائل مجدّية وفعّالة، ولمعرفة مدى تقبّل الأبناء لها.

“القدوة الحسنة والجو العائلي وإشراك الأطفال في الأنشطة الرمضانية”

تحدّثت أم محمد عن الطرق التي تتبعها مع أبنائها الخمسة لتشجعهم على الصيام في شهر رمضان، إذ قالت في حوار مع بي بي سي: “أُشجع أبنائي على الصيام من خلال القدوة الحسنة التي يتمثل فيها الآباء والأمهات، فالأطفال يتعلمون من خلال المثال، وعندما يرون والديهم يصومون بفرح وراحة، فسيشعرون بالحماس والرغبة في تجربة ذلك بأنفسهم، لذلك يتولد لديهم دافع قوي لتقليدهم”.

وأضافت: “الجو العائلي الروحاني له دور كبير أيضاً في تشجيع الأطفال على الصيام، كالاستماع إلى الأذكار والأدعية وقراءة القرآن ومحاولة مشاركتهم في تزيين المنزل استعداداً لشهر رمضان أو حتى المشاركة في تجهيز وجبات الإفطار والسّحور، فإن كل ذلك يسهم في خلق بيئة مثالية لتحفيز الأطفال على الصيام”.

وأكدت أم محمد أن الصبر والتفهم هما المفتاحان الأساسيان لتقبل مفهوم الصيام لدى الأطفال بقولها: “إن الأطفال في بداية تجربتهم مع الصيام قد يواجهون صعوبات، ومن الضروري جداً أن يُشعروا بأنهم ليسوا مخطئين إذا لم يتمكنوا من إتمام يوم كامل، بل على الآباء والأمهات إخبارهم أن هذا جزء من عملية التعلم والنمو لديهم وهو اختبار للإرادة والقدرة على التحدي والصبر، وأن يُظهروا الدعم الكامل للأطفال دون قسوة، فشهر رمضان بمثابة رحلة روحية تهدف إلى تقوية العلاقة بالله وتنمية بعض الصفات الحسنة كالصبر، والتسامح، والإحساس بمعاناة الآخرين”.

وعن رأيها بالطرق التي تتبعها والدتها معهم لتشجعيهم أكثر على الصيام، قالت ندى البالغة 15 عاماً خلال حديثي معها: “إن الصوم في سن مبكرة يعد تجربة جميلة ومقدسة، وهذا ما تعلمته من عائلتي، إذ كان للتدرج في الصيام أثر في نفسي خاصة وأن الجسم يكون قد اعتاد على نظام غذائي يتناول خلاله الطعام والشراب عدة مرات في اليوم”.

وأضافت: “إن مشاركتنا في تزيين المنزل بالزينة المخصصة لشهر رمضان والجلوس مع الأهل والاستماع لبعض القصص الدينية والتاريخية له الدور الكبير في تشجيعنا على الصيام عاماً بعد عام، إذ نشعر بحماس لقدوم الشهر الفضيل”.

صورة لميدالية كُتب عليها: "رمان يجمعنا".

Getty Images

“وسائل التواصل الاجتماعي كانت المحفز الأكبر لصيام ابني”

كتاب تلوين لتعليم الأطفال وتحفيزهم على استقبال شهر رمضان.

BBC
كتاب تلوين لتعليم الأطفال وتحفيزهم على استقبال شهر رمضان، وهي إحدى الطرق التي اتبعتها والدة ليث بعد بحثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع ابنها على الصيام.

قالت أم ليث لبي بي سي خلال رحلتها التي خاضتها للبحث عن طرق مختلفة و”عصرية” تناسب ابنها ليث البالغ 10 سنوات: ” أجريتُ بحثاً مطولاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحين أن عثرتُ على بعض المنصات الهادفة نحو تشجيع الأطفال على الصيام وأداء الصلاة وقراء القرآن خلال رمضان، إذ يصعب على الأطفال أحياناً فهم واستيعاب ما يقدمه لهم الأهل من شرح لأهمية الصيام وأداء العبادات خلال هذا الشهر”.

وأضافت: “كنا نشجع ليث مع إخوته على الصيام من خلال تقديم المكافآت المعنوية والمادية عند نجاحهم في صيام بعض الساعات أو إتمامهم لصيام يوم كامل، إذ إن شكرهم على جهودهم وحرصهم على إتمام الصيام دور بالغ في تشجيعهم على الاستمرار، مما يعزز لديهم الشعور بالإنجاز والفخر”.

وهو ما أكده ابنها ليث الذي قال خلال حديثي معه: “لقد شجعتني طريقة والديّ على الصيام منذ البداية إذ كنت أصوم بما يُعرف بـ (صوم العصافير) أي نصف يوم تقريباً، إضافة إلى المكافآت التي كانا يخصصانها لي ولإخوتي لتحفيزنا أكثر على الصيام. وعندما بلغتُ 10 سنوات كان للأنشطة المختلفة التي وفرتها والدتي لنا عبر إحدى المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي كحساب الأيام التي نصومها وإعداد فانوس رمضان وطرق التزيين للترحيب بهذا الشهر المبارك دور كبير في استمراي بالصوم”.

ماذا يحدث لجسمك أثناء الصيام؟

الطفل ليث يحمل فانوساً بيده.

BBC
يقول ليث: “كان للأنشطة المختلفة التي وفرتها والدتي لنا عبر إحدى المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في صيام شهر رمضان”.

“المدح والثناء محفز أساسي لصيام الطفل”

ثلاثة رجال وطفل صغير يجلسون على سجادة صلاة.

Getty Images

وفي حواره مع بي بي سي قال أبو غازي الذي لديه ثلاثة أطفال: “قبل حلول شهر رمضان نبدأ بالتجهيز نفسياً ومعنوياً و نشرح لأطفالنا أهمية وعظم هذا الشهر، وما فيه من أجر وثواب وقيم من خلال إشراكهم بالتحضير لمستلزماته وتشجيعهم على محاولة صيامه عبر البيئة التي نوفرها داخل البيت”.

وأضاف: “نحن نُثني عليهم ونمدحهم خاصة أمام المعارف والضيوف عندما يصومون حتى لو لنصف يوم نظراً لصغر عمرهم، كما أرغب دوماً باصطحابهم إلى المسجد لأداء صلاة التراويح إذ يقضون وقتاً في التعبد، وكل هذه العوامل تساهم في صيام الأطفال برغبة وطواعية”.

ما هي مقاومة الإنسولين؟ وهل يساعد الصيام في التغلب عليها؟

وفي هذا الصدد، أشارت أخصائية طب الأسرة لبنى حسن إلى أهمية الأسرة في تحفيز أبنائها الصغار على الصيام من خلال إعطاء البيت الطابع الرمضاني، وأن يكونوا قدوة لهم في التحمل والصبر و”عدم التأفف من التعب خلال الصيام”، إضافة إلى مدح الطفل الذي يصوم أمام أقربائه وأصدقائه وعدم لومه في حالة عدم قدرته على الصيام، وفق تعبيرها.

ثلاثة أطفال ذكور يتحدثون مع بعضهم البعض.

Getty Images

” أُشرف بصورة مباشرة على نوعية الطعام والشراب”

في ذات السياق، قالت حنان الجاك في حديثها لبي بي سي: “دوري كأم الإشراف بصورة مباشرة على نوعية الطعام والشراب لأبنائي خلال شهر رمضان بهدف عدم إفراطهم في ذلك وبالتالي عدم إلحاق الأذى بهم، وأحاول توجهيهم ما استطعت بتهيئتهم نفسياً للتعوّد على الصيام من خلال حواري معهم وسؤالهم كيف قضيتم ساعات الصيام، وإن كانوا قد شعروا بالجوع أو العطش أو التعب أو الملل ثم أترك لهم حرية التحدث لأصحح لهم الكثير من المفاهيم”.

وأضافت: “أكونُ دوماً على أهبّة الاستعداد لكل استفسار من جانبهم، وأسعى لتشويقهم وتحفيزهم نحو الصيام دون إجبار مني أو ضغط قد يدفعهم إلى الكذب والغش، لذلك مبدأ العلاقة في الصيام يقوم على الشفافية المطلقة ما ينعكس نفسياً عليهم ويشبّوا أصحاء على هذا السلوك ومن ثم يتعاملون مع الصيام بواقعية وإيجابية”.

طفل.

Getty Images

“أقول لابنتي: ربنا بيسامح”

وتوافقها الرأي أم آية التي تسعى نحو دعوة ابنتها ذات 7 سنوات للصيام لأول مرة في عمرها قائلة: ” تجربتي مع آية ليست الأول، إذ دربتُ أطفالي الآخرين قبلها دون أي ضغط مني وهو ما شجّع ابنتي أن تصوم هذا العام كبقية إخوتها. كنتُ دوماً أُحدثهم عن أهمية صيام رمضان وأن نشعر بالآخرين الذين لا يمتلكون الطعام، كما أنني أُحفزها وإخوتها من خلال تقديم الهدايا على إنجازهم، وأُخبر آية أنها إذا أحست بالتعب يمكن أن تفطر وأقول لها: (ربنا بيسامح)”.

بدورها، قالت لي آية: ” أود صيام رمضان هذا العام وأن أكون مثل إخواتي الأكبر مني سناً، وأن أشعر بغيري من الأطفال الذين لا يمتلكون الطعام ولأُرضي رب العالمين. ولأنني أرغب بالفوز في المسابقة التي أعددناها أنا وصديقاتي خلال هذا الشهر، ولأن أمي أخبرتني أن العيد سيكون أجمل إذا صمتُ رمضان”.

وقالت أختها زين البالغة 9 سنوات: “هذا ثاني رمضان أصومه إذ بدأتُ الصيام العام الماضي وكانت المرة الأولى لي بتجربة الصيام حيث كنتُ أصوم يوماً وأفطر يوماً، وكنتُ أحاول الصيام لأُرضي ربي، وسأُشجع أختي آية على صيام رمضان هذا العام ولأن والديّ وعدونا بهدايا جميلة إذا صمنا الشهر بأكمله”.

ما هو النظام الصحي المناسب للأطفال خلال الصيام؟

طفلة صغيرة تحمل عدد من الميداليات بكلتا يديها.

Getty Images

ربما من أهم الأسئلة التي يطرحها الأهل بهدف تعويد أطفالهم على الصيام يتمثل في العمر المناسب، والغذاء الصحي المناسب لهم خلال هذه العملية، وهو ما تجيب عنه أخصائية الأطفال وحديثي الولادة بتول الصيفي في عدة نقاط أبرزها:

  • يبدأ الطفل الصيام بالتدرج، وذلك عن طريق إدخاله بأجواء رمضان والزينة والتجمع على مائدة واحدة، وإخباره عن فوائد الصيام العقلية والجسدية والنفسية وفق عمره، إذ يمكن أن يبدأ الطفل الصيام تدريجياً حسب قدرته اختياراً وليس إجباراً.
  • عند شعور الطفل بتعب يفضل أن يفطر دون الضغط عليه بإتمام الصيام حيث يمكن أن يفطر في اليوم الأول إذا أحسّ بالجوع ثم يجري زيادة ربع ساعة كل يوم لكي تكون هناك فرصة للجسم لاعتياد الحرمان من الطعام بشكل تدريجي وليس مفاجئاً.
  • يُنصح ويُسمح لجميع الأطفال بالصيام حسب قدرتهم الصحية واستعدادهم النفسي والجسدي للصيام، ولكن يؤخذ بعين الاعتبار إذا كان الطفل يعاني من أمراض معينة كمرض السكري من النوع الأول فيُمنع صيام الطفل لساعات طويلة لأنه ربما يؤدي إلى هبوط أو ارتفاع مفاجئ بمستوى السكر في الدم، أو في حال كان الطفل يعاني من مرض في الكلى لأن نقص المياه والسوائل في الجسم يؤثر على صحة عمل الكلى، أو في حال كان الطفل يعاني من فقر دم حاد أو أورام سرطانية.
  • يجب توفير الغذاء الضروري للأطفال في جميع الوجبات، بحيث يكون غنياً بالألياف والبروتينات (الموجودة في اللحوم بأنواعها المختلفة، والسمك، والبيض)، وكذلك الكربوهيدرات الموجودة في النشويات كالأرز والبطاطس، ولا ننسى الخضار والفاكهة. ويفضل تقليل الأطعمة المليئة بالدهون والسكريات.
  • الاهتمام بتوفير الكمية اللازمة من السوائل بعد ساعات الصيام لتجنب إصابة الجسم بالجفاف والإمساك والالتهابات البولية.
  • يُنصح بتأخير وجبة السّحور قدر الإمكان لكي تكون قريبة من موعد بدء الصوم وحتى تمنح الطفل الطاقة اللازمة.
طفل صغير يرفع كلتا يديه داعياً.

Getty Images

ولكن قد يقع الأهل في أخطاء لدى تشجيع أطفالهم على الصيام، فما هي؟

شددت الأخصائية الصيفي على أهمية اتباع الأهل بعض النصائح الصحية حتى نساعد أطفالنا على بدء تجربة الصيام في ظروف صحية آمنة وألا يقعوا في الأخطاء التالية:

  • أن يعامل الأهل طفلهم كأنه فرد بالغ مكلف بالصيام ويعاقب في حال عدم إتمامه صيام يوم كامل فيجب عليهم تقبل بعض الإخفاقات في بداية التجربة.
  • عدم اتهام الطفل بالكذب حيث يمكن أن يقوم الطفل بـ “حيل” كي يأكل أو يشرب دون أن يراه أحد، لذا يجب نصح الطفل وإخباره بالخطأ الذي ارتكبه بأسلوب محبب بعيداً عن القسوة أو الترهيب أو تخويفه بالنار، لأن ذلك من شأنه أن ينتج اضطرابات سلوكية عند الطفل.
  • عدم الإجابة عن أسئلة الطفل، حيث يمكن أن يسأل الطفل عن الصيام وفوائده وسببه، والعديد من الأسئلة الاخرى، لذا يجب على الأهل الإجابة عن جميع الاسئلة بطريقة سهلة ومبسطة.

يبقى لشهر رمضان ذلك الطابع المختلف والخصوصية التي يسعى إليه كثيرون لصيامه والقيام بأداء عباداته، ولاسيما الأهالي الذين يتبعون شتى الطرق لدعوة وتشجيع أطفالهم، فمهما تنوعت الطرق والوسائل تبقى الوجهة واحدة متمثلة في محاولة تحفيز أطفالهم على الصيام والاستمرار على هذا الطقس الديني.

Powered by WPeMatico

** مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.