من هي أليس فايدل اليمينية المثلية التي تسعى إلى حُكم ألمانيا؟

ربما يشي العنوان لك بأن لا تكون أليس فايدل هي الشخصية المتوقعة للتربع على أرفع منصب سياسي في ألمانيا. وهذا الأمر الغريب بأنها يمينية مثلية، سيزداد غرابة كلما قرأت القصة ودخلت في تفاصيل شخصية فايدل، وأفكارها غير التقليدية.
تستعد ألمانيا لإجراء انتخابات فيدرالية مبكرة في 23 فبراير/شباط 2025، بعد انهيار الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتس، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. في هذا السياق، رشح حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني رئيسته المشاركة، أليس فايدل، كمرشحة لمنصب المستشارية، وهي المرة الأولى منذ تأسيس الحزب قبل 12 عاماً التي يقدم فيها مرشحاً لهذا المنصب.
تُعد أليس فايدل (Alice Weidel) واحدة من أبرز الشخصيات السياسية في ألمانيا اليوم، وتشغل منصب رئيسة مشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا، ورئيسة كتلة الحزب في البرلمان الألماني (البوندستاغ).
ولدت في 6 فبراير/كانون أول 1979 في غوتينغن، المدينة الجامعية الصغيرة في ولاية ساكسونيا السفلى. ونشأت في بيئة متواضعة، إذ كان والدها عامل بناء ووالدتها عاملة في مجال التمريض.
وبعد إنهاء دراستها الثانوية، التحقت فايدل بجامعة بايرويت، حيث درست الاقتصاد وحصلت لاحقاً على درجة الماجستير. ثم واصلت مسيرتها الأكاديمية بدراسة الدكتوراه في العلاقات الاقتصادية الدولية، مع تركيز خاص على العلاقات التجارية بين الصين والغرب. أطروحتها للدكتوراه تناولت موضوع “التجارة الخارجية الصينية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي”.
وعملت فايدل بعد حصولها على الدكتوراة، في عدة مؤسسات مالية مرموقة، بما في ذلك بنك “غولدمان ساكس” في فرانكفورت، مما أكسبها خبرة واسعة في مجال التمويل والاستثمار. كما عملت لبعض الوقت في الولايات المتحدة وفي الصين، حيث أدارت صندوق استثمار خاص يركز على الأسواق الآسيوية.
يمكن الاستنتاج أن أليس التي تبلغ من العمر 46 عاماً، لم تعش في ألمانيا لفترات طويلة – باستثناء طفولتها وبواكير شبابها-وتقول وسائل إعلام ألمانية أنها تعيش بين ألمانيا وسويسرا، رغم أنها من قادة حزب يصف نفسه بأنه “مهووس بحب ألمانيا”.
وعلى الرغم من نجاحها في القطاع الخاص، قررت فايدل دخول عالم السياسة في عام 2013، عندما انضمت إلى حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي كان قد تأسس حديثاً في ذلك الوقت. وسرعان ما برزت كواحدة من وجوه الحزب، إذ لعبت دوراً محورياً في صياغة سياساته الاقتصادية والاجتماعية.
من هي قدوة أليس؟
انعكس انغماس أليس في الاقتصاد على شخصيتها، وعلى اختيارها للشخصية المُثلى لها، ولنفهم كيف تُفكر أليس علينا أن نعرف من هي قدوتها وما هي أفكارها؟
تتخذ أليس من مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا من عام 1979 إلى عام 1990، قدوة لها، إذ قالت في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية: “تعجبني سيرتها الذاتية، السباحة عكس التيار حتى عندما يصبح ذلك متعباً”.
اكتسبت تاتشر لقب “المرأة الحديدية”، لأنَّها كانت تصر على تمسكها بمسارها الاقتصادي الليبرالي الراديكالي بالرغم من جميع الصعوبات. وعقيدتها هي: “خفض الضرائب، وتقليل الإعانات الحكومية، والخصخصة”.
ويتوافق هذا الاتجاه مع أليس، التي تقول “تاتشر تولت حكم بريطانيا عندما كان اقتصادها في الحضيض وتمكنت من إعادته إلى المسار الصحيح”.

من الجدير بالذكر أن تاتشر نجت من عملية اغتيال، وأعلنت الحرب على الأرجنتين، وفي أيرلندا الشمالية، واجهت تاتشر المضربين عن الطعام من أفراد الجيش الجمهوري الأيرلندي بموقف حازم، أثار السخط عليها بسبب دوامة العنف التي عصفت في أيرلندا الشمالية، وكان مصيرها الاستقالة من حزب المحافظين البريطاني، وبالتالي من رئاسة الوزراء.
وكانت علاقة تاتشر بالرئيس الأمريكي، رونالد ريغان قوية جداً، حيث اشترك الاثنان معاً في تبني عدد من الرؤى الاقتصادية وتطبيقها.
ولم تُخفِ أليس مرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا الموصوف بأنه حزب “يميني مُتطرف”، إعجابها بشخصية دونالد ترامب وهي تعتبره نموذجاً يحتذى به لألمانيا.
وبسؤالها في إذاعة دويتشلاندفونك الألمانية، عمّا إذا كان ترامب وحركته “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، مثالين لحزب البديل من أجل ألمانيا، قالت أليس “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى- اجعل ألمانيا عظيمة- نعم بالتأكيد!”.
وبررت ذلك قائلة: “إننا كحزب البديل من أجل ألمانيا، ندافع عن المصالح الوطنية والشعب في جمهورية ألمانيا الاتحادية. بالطبع، هو نموذج يحتذى به”.
أصدقاء داخل إدارة ترامب
بينما ترى الأحزاب الألمانية الأخرى أن حزب “البديل من أجل ألمانيا”، يشكل تهديداً للديموقراطية، يحظى الحزب المناهض للهجرة بأصدقاء في الإدارة الأمريكية.
إذ جدد المليونير إيلون ماسك تأييده لحزب فايدل في بداية عام 2025، عندما تحدث مع أليس على الهواء مباشرة، عبر منصة إكس التي يملكها.
دارت المحادثة التي استمرت 74 دقيقة حول سياسة الطاقة، والبيروقراطية الألمانية، وأدولف هتلر، والمريخ ومعنى الحياة.
وحث أغنى رجل في العالم، الألمان بشكل لا لبس فيه على دعم حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في الانتخابات المقبلة.
كان هناك لغط كبير حول الاستضافة، إذ واجه ماسك اتهامات بالتدخل في الانتخابات المبكرة في ألمانيا.

المقابلة التي أجريت باللغة الإنجليزية، كانت بلا شك فرصة لحزب البديل من أجل ألمانيا للوصول إلى الجماهير الدولية عبر منصة إكس.
في المقابلة، أصرت أليس على أن حزبها “محافظ” و”ليبرالي” لكن وسائل الإعلام السائدة “صورته بشكل سلبي” على أنه متطرف، إذ تم تصنيف أقسام من حزب البديل لألمانيا رسمياً على أنها متطرفة يمينية من قبل السلطات الألمانية.
وفي أمور أخرى، تبادلت فايدل وماسك أطراف الحديث ــ وفي بعض الأحيان الضحك ــ بشأن البيروقراطية الألمانية سيئة السمعة، وتخليها “المجنون” عن الطاقة النووية، والحاجة إلى خفض الضرائب، وحرية التعبير، و”اليقظة/الوعي” [المصطلح المتداول بين مؤيدي ترامب حول الوعي المتزايد بقضايا اجتماعية وسياسية مثل العنصرية، وحقوق الإنسان، وغيرها].
والتقت أليس بنائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن. وفي وقت سابق، حثّ فانس الأحزاب السياسية الرئيسية في ألمانيا على التخلي عن رفضها التعاون مع اليمين المتطرف.
هؤلاء الذين ذكرنا علاقتهم بأليس التي تُعلن عن ميولها المثلية، ليسوا من محبي المثليين بل من المناهضين لمجتمع الميم، وسنتعرف على آرائهم حول هذه القضية خلال القصة.
أما فيما يتعلق بموضوع الهجرة واللاجئين، تُعرف أليس بخطاباتها الحادة والمثيرة للجدل. وقد وصفها بعض النقاد بأنها “شعبوية” تستغل مخاوف الناس لتحقيق مكاسب سياسية. ومع ذلك، يرى أنصارها أنها تمثل صوتاً صادقاً للألمان الذين يشعرون بأنهم مهمشون في ظل السياسات الحالية.
وتعترف أليس بأنَّها تحب الاستفزاز. فقد وصفت في عام 2018 داخل البوندستاغ، اللاجئين وطالبي اللجوء بأنَّهم “رجال يحملون سكاكين ويحصلون على دعم”، والأطفال المسلمين بأنَّهم “بنات محجبات”. ولذلك قام رئيس البرلمان الاتحادي آنذاك، فولفغانغ شويبله، بتوبيخ أليس.
وقالت أليس آنذاك في مقابلة مع صحيفة نويه تسورشَر تسايتونغ، إنَّها أرادت بعبارة “بنات محجبات” لفت الانتباه إلى أنَّ ألمانيا لديها مشكلة مع الإسلام المحافظ، الذي يتعارض من وجهة نظرها مع القانون الأساسي (الدستور الألماني).
مثلية رغم جنوحها إلى اليمين، كيف؟
تعيش أليس مع شريكتها المثلية سارة بوسارد، وهي من أصول سريلانكية، تعمل في مجال صناعة الأفلام، ولديهما طفلان متبنيان. تعيش العائلة في منزل بسيط في مدينة أوفنبورغ في ولاية بادن-فورتمبيرغ على الحدود مع سويسرا.
وهذا بعيد كل البعد عن الصورة المثالية التي يتبناها حزب البديل من أجل ألمانيا، إذ يلتزم الحزب في برنامجه بالأسرة التقليدية كمثل أعلى: “في الأسرة يتحمل دائماً كل من الأب والأم مسؤولية مشتركة عن أطفالهما”.
وعلى الرغم من أن حزبها يتبنى مواقف محافظة تجاه قضايا المثلية الجنسية قد تكون غير معلنة وأقل دبلوماسية من تلك العلنية، إلا أن أليس تصر على فصل حياتها الشخصية عن عملها السياسي.
قالت أليس في مقابلة عام 2017: “من الممكن أن يكون لدى البعض استياء، ولكن هذا موجود في أحزاب أخرى أيضاً”.
وقد يكون هذا الأمر هو أحد الدوافع وراء رفض أليس صفة “يمين متطرف على حزبها”.
ما حظوظ أليس في الانتخابات؟
في استطلاعات الرأي الأخيرة، حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” على نحو 20 في المئة من نوايا التصويت، مما يجعله ثاني أكثر الأحزاب شعبية بعد التكتل المحافظ (الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي) الذي يتصدر بنسبة 30 في المئة. ومع ذلك، يواجه الحزب صعوبة في تشكيل ائتلاف حكومي، نظراً لرفض الأحزاب الرئيسية الأخرى التعاون معه بسبب مواقفه التي يصفونها بـ “المتطرفة”.
ويركز برنامج فايدل الانتخابي على قضايا مثل إغلاق الحدود أمام الهجرة غير الشرعية، وتنفيذ عمليات ترحيل واسعة لطالبي اللجوء، بالإضافة إلى إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم” الذي تعرض للتخريب في عام 2022. كما تعهدت بإزالة توربينات الرياح وإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية، معارضةً سياسات الطاقة المتجددة الحالية.
وعلى الرغم من هذه المواقف، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الألمان يؤيدون بقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، حيث أعرب 65 في المئة من المشاركين عن دعمهم لذلك. هذا يتعارض مع بعض مواقف حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يدعو في برنامجه الانتخابي إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
بناءً على هذه المعطيات، ورغم التقدم الملحوظ في استطلاعات الرأي، تبقى فرص أليس فايدل في الوصول إلى منصب المستشارية محدودة، نظراً لعدم وجود شركاء محتملين لتشكيل ائتلاف حكومي، واستمرار العزلة السياسية التي يفرضها باقي الطيف السياسي الألماني على حزبها.
ما هي آراء “القدوة والنموذج والاصدقاء بالمثلية”؟
لم تكن مواضيع المثلية ومجتمع الميم تُشكل أهمية لدى الحكومات الأوروبية، إبان عهد تاتشر، لذلك من الصعب معرفة موقفها من القضية اليوم.
إلا أن رئيس الوزراء البريطاني السابق -زعيم حزب المحافظين- ريشي سوناك، هاجم المثليين ومجتمع الميم-عين، وقال إن “الرجل رجل، والمرأة مرأة، هذا ببساطة هو المنطق السليم”، وذلك في أكتوبر/ تشرين أول 2023.
أما موقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فهو واضح، ولكن للتذكير فقد وقع الرئيس على أوامر تنفيذية تفرض حظراً على من وصفهم بـ “المتحولين جنسياً” من الخدمة في الجيش وإلغاء سياسات “التنوع والشمولية” التي أقرتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
ووجه ترامب وزارة الدفاع لوضع سياسة جديدة بشأن أفراد الخدمة العابرين جنسياً خلال 30 يوماً، ترتكز على معايير “الجاهزية العسكرية”.
ويتفق نائب ترامب جيه دي فانس، بشكل كبير مع الأيديولوجية السياسية للرئيس، ولديهما وجهات نظر متماثلة، ووصفت الصحف الأمريكية بأنه “نسخة طبق الأصل من ترامب تجاه القضايا”.
وكان الملياردير إيلون ماسك قال في يوليو/ تموز 2024، إنه تعرض للخداع عندما طُلبت موافقته على السماح لابنه بأخذ “مثبطات البلوغ” لتحويل جنسه من ذكر إلى أنثى.
أضاف مايك آنذاك “خدعوني وقتلوه”، وشرح ماسك وجهة نظره بشأن ما حدث، قائلاً: “تم خداعي [مما سماه] “فيروس اليقظة العقلية” (Mindfulness virus) للسماح لابني بأن يصبح امرأة متحولة جنسياً”.
وبهذا لا يُعرف ماهية العلاقة بين أليس وبين هؤلاء الذين يشتهرون بمواقفهم المناهضة لمجتمع الميم-عين، ولكن السياسة تأتيك بكل جديد وغريب.
- من تاتشر إلى الجولاني: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
- ما مشكلة ترامب وميلوني مع إيمان خليف؟
- من هو الإمام المثلي محسن هندريكس؟ وكيف تفاعل العرب والمسلمون مع مقتله؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.