هل تؤثر حبوب منع الحمل على مخ المرأة وصحتها النفسية، وتدفعها إلى حد “التفكير في الانتحار”؟

تشعر بعض النساء بالقلق إزاء كيفية تأثير حبوب منع الحمل على صحتهن النفسية، فهل توجد أدلة علمية تدعم صحة هذه المخاوف؟
استخدمت سارة إي هيل، على غرار العديد من الشابات، حبوب منع الحمل خلال السنوات الأخيرة في مرحلة المراهقة ومعظم عقدها الثالث، وتقول هيل، التي تعمل باحثة وأستاذة في علم النفس التطوري بجامعة تكساس المسيحية في الولايات المتحدة: “لم يخطر ببالي إطلاقا أن أشكك في الأمر”، إلا أنها، وبعد مرور 12 عاماً على بدء استخدامها للحبوب، أدركت حقيقة جديدة عندما غيّرت وسيلة منع الحمل.
وشهدت السنوات الماضية زيادة مخاوف النساء بشأن الآثار الجانبية لحبوب منع الحمل، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على مزاج المرأة وصحتها النفسية، كما حظيت تلك القضية بردود فعل واسعة، تجلّت بوضوح على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لاقت وسوم مثل “التخلي_عن_وسائل_منع_الحمل” انتشاراً واسعا بين الملايين، وثمة اعتقاد أن هذا الحراك قد يمثّل أحد العوامل التي أدت إلى تراجع شعبية حبوب منع الحمل خلال السنوات الماضية.
كما سجلت معدلات استخدام حبوب منع الحمل تراجعاً ملحوظاً في العديد من الدول المتقدمة، ففي إنجلترا، أفادت خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بتراجع نسبة النساء اللاتي يعتمدن على حبوب منع الحمل من 39 في المئة خلال الفترة 2020-2021 إلى 27 في المئة خلال الفترة 2021-2022.
أما في الولايات المتحدة، فقد تراجعت نسبة المستخدمات من 31 في المئة عام 2002 إلى 24 في المئة بين عامي 2017 و2019، كما شهدت كل من كندا وأستراليا تراجعاً ملحوظاً، وتراجعت معدلات الاستخدام من 23 في المئة خلال الفترة بين عامي 2006-2016، إلى 11 في المئة خلال الفترة 2008-2016، على التوالي.
وإلى جانب تسليط الضوء على المخاوف المشروعة لدى بعض النساء، يسهم بعض المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي في نشر معلومات مضللة عن الآثار الجانبية لحبوب منع الحمل، سواء على الصعيد النفسي أو الجسدي، وعلى الرغم من عدم تأهلهم طبياً، يتجرأ بعضهم على دعوة النساء إلى التخلي عن وسائل منع الحمل نهائياً، وهو ما دفع بعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن ذلك أحد العوامل الكامنة وراء الزيادة الأخيرة في معدلات الإجهاض في المملكة المتحدة.
والسؤال: هل يمكن أن تؤثر حبوب منع الحمل على شخصية المرأة ونظرتها للحياة؟ وهل يمكن أن تسهم في حدوث اضطرابات نفسية خطيرة لديها، مثل القلق والاكتئاب، أو أن تؤدي في بعض الحالات القصوى إلى الانتحار؟
استجابة بطيئة

يبدو أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست محسومة بشكل قاطع.
فعندما ظهرت حبوب منع الحمل أول مرة في الولايات المتحدة عام 1960، بلغ عدد المستخدمات لها 1.2 مليون سيدة في غضون عامين فقط، ومثلّت هذه الأقراص الصغيرة ثورة في قطاع تنظيم النسل، إذ رحبت بها النساء باعتبارها رمزاً للتحرر الجنسي وتعزيز دور المرأة، مما أتاح لهن التحرر من القلق بشأن حدوث حمل غير متوقع قد يعيق مسيرتهن المهنية أو الأكاديمية.
وأصبحت حبوب منع الحمل الآن الخيار الأكثر شيوعاً لدى نحو 150 مليون سيدة في شتى أرجاء العالم، وهو ما يمثل نحو 16 في المئة من إجمالي مستخدمات وسائل منع الحمل عالمياً، إذ تتمتع هذه الوسيلة بمعدل فشل منخفض لا يتجاوز واحد في المئة، وقد يصل إلى 9 في المئة بسبب الأخطاء البشرية، مثل نسيان بعض السيدات تناول الجرعة أحيانا.
ويُحدد الخبراء معدل فشل أي وسيلة لمنع الحمل بعدد حالات الحمل غير المقصودة التي قد تحدث بين كل 100 سيدة يستخدمن تلك الوسيلة خلال عام واحد.
ويوجد نوعان من حبوب منع الحمل، كلاهما يحتوي على هرمونات جنسية اصطناعية، النوع الأول يعرف بـ “الحبّة المركبة”، وهي الأكثر استخداماً، وتحتوي على أنواع اصطناعية من هرموني الأستروجين والبروجستيرون، أما النوع الثاني فيعرف بـ “الحبة الصغيرة” ويحتوي فقط على هرمون البروجستيرون.
ويعمل كلا النوعين بطرق متعددة لمنع الحمل، تشمل خفض عملية التبويض وزيادة كثافة مخاط عنق الرحم، الأمر الذي يعرقل رحلة الحيوانات المنوية ويمنعها من الوصول إلى البويضة.
بيد أن تأثير هرمونات حبوب منع الحمل لا يقتصر على جسم المرأة فحسب، بل يمتد ليترك أثرا عميقاً على المخ أيضاً.
ويقول يوهانس بيتزر، طبيب النساء والتوليد والمعالج النفسي في مستشفى جامعة بازل بسويسرا إن “تأثير الهرمونات على مخ المرأة بالغ التعقيد. فبينما قد تسهم حبوب منع الحمل في تعزيز الصحة النفسية لدى البعض، فإنها قد تعزز التوتر والقلق لدى أخريات”.
وعلى مدار 65 عاماً من انتشار حبوب منع الحمل، كانت التحذيرات الطبية بشأنها نادرة للغاية، بل إن بعض مقدمي خدمات الصحة الجنسية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة لا يأتون مطلقاً على ذكر تأثيراتها النفسي على مواقعهم الإلكترونية.

ويوضح بيتزر، الذي يعمل في هذا المجال لنحو 40 عاماً، أن “المشكلة الأساسية تكمن في أن تدريب أطباء التوليد وأمراض النساء لا يأخذ في الاعتبار التدريب على الصحة النفسية للمرأة، إذ تُعتبر من اختصاص الأطباء النفسيين”.
ويضيف أن الأمور بدأت تتغير تدريجياً، لكنه يلفت إلى أنه في الماضي “كنا نركز في حديثنا، عند مناقشة استخدام حبوب منع الحمل، على موضوعات مثل الجلطات، السرطان، حدوث نزيف غير منتظم، وزيادة الوزن، في حين أن موضوع الصحة النفسية كان يُستبعد إلى حد كبير”.
ولم يُجر الباحثون سوى القليل من الدراسات بشأن الآثار النفسية المحتملة لحبوب منع الحمل، لكن بحسب بيتزر، فقد بدأ التغيّر في هذا المجال عام 2016، عندما نشر فريق دنماركي دراسة رائدة بشأن الموضوع، مهدت الطريق أمام إجراء المزيد من الدراسات في سنوات لاحقة.
وركزت الدراسة الدنماركية على تحليل قاعدة البيانات الصحية الوطنية المتعلقة بالحالة النفسية لما يزيد على مليون فتاة وسيدة تتراوح أعمارهن بين 15 و34 عاماً على مدار 14 عاماً، وخلصت نتائج الدراسة إلى أن السيدات اللواتي بدأن استخدام الحبوب المركبة مثّلن الفئة الأكثر عرضة لاستخدام مضادات الاكتئاب بنسبة 70 في المئة بعد ستة أشهر، مقارنة بأخريات لم يستخدمن حبوب منع الحمل من قبل، أما اللواتي استخدمن الحبة الصغيرة، فقد شكّلت نسبة الخطر 80 في المئة.
كما خلص فريق بحثي آخر إلى نتائج مماثلة، في عام 2023، بعد أن درسوا السجلات الصحية لرُبع مليون سيدة ضمن قاعدة بيانات البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وهو أرشيف ضخم يضم معلومات وراثية وطبية، وكشفت الدراسة أن السيدات اللواتي استخدمن حبوب منع الحمل مثّلن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 71 في المئة مقارنة بمن لم يستخدمن حبوب منع الحمل إطلاقاً، وذلك بعد عامين من بدء استخدامهن لهذه الوسيلة.
ويقول أويفيند ليديغارد، اختصاصي الأوبئة الطبية في مجال التوليد وأمراض النساء بجامعة كوبنهاغن، الذي أشرف على الدراسة الدنماركية إنه “يوجد ارتباط زمني واضح بين البدء في استخدام هذه المنتجات وظهور أعراض الاكتئاب فيما بعد”.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هاتين الدراستين كانتا من نوع “الدراسات الجماعية”، اعتمدتا على تحليل بيانات مجموعات كبيرة من السيدات، ومقارنة الحالة النفسية بين من استخدمن حبوب منع الحمل ومن لم يستخدمنها، وإن كان هذا النهج البحثي يتيح إمكانية تحديد وجود ارتباط بين الأمرين، إلا أنه لا يستطيع الجزم بوجود علاقة سببية مباشرة، فقد تكون هناك، على سبيل المثال، بعض الفروق السابقة بين المجموعتين، الأمر الذي قد يؤثر على النتائج النهائية للدراسة.
نتائج متضاربة

وتشير بعض الدراسات إلى نتائج تتعارض مع العلاقة المفترضة بين حدوث بعض الاضطرابات النفسية واستخدام حبوب منع الحمل، فعلى سبيل المثال، عندما راجع باحثون في جامعة ولاية أوهايو الأمريكية 26 دراسة سابقة، تبين لهم أن العلاقة بين وسائل منع الحمل التي تحتوي على هرمون البروجستيرون فقط وحدوث الاكتئاب “طفيفة للغاية”.
كما خلصت تجربتان في السويد، شملت كل منهما ما بين 200 و340 سيدة، إلى أن الحبوب المركبة لم تسهم في الإصابة بالاكتئاب أو تدهور الحالة المزاجية لدى المرأة.
وجدير بالذكر أن أخذ “فترة راحة” من تناول حبوب منع الحمل، كما يوصي الأطباء لمدة سبعة أيام شهرياً بالنسبة للعديد من أنواع الحبوب المركبة، قد يسهم في تدهور الحالة النفسية، بحسب بعض الدراسات.
ففي دراسة أُجريت عام 2023، شملت 120 سيدة في النمسا يستخدمن هذه الحبوب، بعضهن استخدمنها لفترة طويلة، أفادت المشاركات بأنهن شعرن بارتفاع في معدلات القلق بنسبة 7 في المئة خلال فترة التوقف عن الاستخدام، إلى جانب زيادة بنسبة 13 في المئة في المشاعر السلبية و24 في المئة في الأعراض النفسية.
وتقول بيليندا بلتزر، خبيرة متخصصة في علم الأعصاب الإدراكي بجامعة سالزبورغ، التي ترأس مشروعاً يدعمه الاتحاد الأوروبي لاكتشاف تأثير حبوب منع الحمل على مخ المرأة: “إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية الصحة النفسية، فقد يكون الاستخدام المستمر لموانع الحمل خياراً أكثر نفعاً”.
ولا تستبعد بلتزر احتمال أن تعاني بعض النساء من آثار نفسية سلبية أثناء استخدامهن حبوب منع الحمل، مشددة على ضرورة التعامل مع هذه الأعراض بجدية، بيد أنها تضيف: “على الرغم من ذلك، فإنهن يشكّلن نسبة صغيرة فقط من النساء”.
وترى هيلينا كوب كالنر، طبيبة أمراض النساء والتوليد في مستشفى دانديدريد في ستوكهولم، أن التباين الكبير في نتائج الدراسات بشأن التأثيرات النفسية لحبوب منع الحمل، يعود ببساطة إلى طبيعة الحالات نفسها، نظراً لأن المشكلات النفسية تُقاس غالباً بطرق ذاتية، مما يجعل دراستها أمراً بالغ التعقيد.
وتضيف أن تعدد أنواع الحبوب المتاحة، مع تجاوز عدد العلامات التجارية المنتجة للحبوب المركبة وحدها الثلاثين منتجاً، قد يؤدي إلى مقارنات غير دقيقة، كما أن اختلاف النهج المستخدم بين الدراسات يسهم في حدوث هذا التباين في النتائج.

ويوضح بيتزر أن طبيعة المؤشرات التي يعتمدها الباحثون عند إنهاء دراستهم تلعب دوراً حاسماً في تحديد النتائج، مشيراً إلى أنه في الدراسة الدنماركية على سبيل المثال: “لا يعني مجرد وصف مضادات الاكتئاب للمريضة أنها تعاني من الاكتئاب، بل قد يكون الأمر متعلقاً بأسلوب الطبيب في العلاج، مما يجعل دقة القياسات النهائية موضع إشكال”.
وتقول صوفيا زيتيرمارك، الطبيبة المقيمة في السويد، إن إثبات العلاقة السببية بين استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية والتغيرات المزاجية للمرأة يعد أمراً بالغ الصعوبة في الدراسات القائمة على الرصد، وذلك لوجود عوامل أخرى قد تؤثر على النتائج، مثل العوامل الوراثية والبيئة المحيطة.
وتفسر أنها وجدت أثناء تحليل السجلات الصحية لنحو مليون سيدة ضمن السجلات الوطنية السويدية، أن السيدات اللواتي ينتمين إلى فئات منخفضة الدخل ومن خلفيات مهاجرة، هن الأكثر حساسية تجاه تغيرات المزاج عند استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية.
ويقول ليديغارد إن دراسته لابد أن تُفهم ضمن سياق أوسع، مضيفاً أنه “لا شك أن بعض السيدات اللواتي يبدأن في استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية يواجهن تغييرات حادة في صحتهن النفسية، لكن من الضروري الإشارة إلى أن النسبة لا تتجاوز 7 إلى 8 في المئة ممن يتعرضن لمشكلات نفسية حادة تدفعهن إلى حد التوقف عن استخدامها، في حين أن الغالبية العظمى من النساء اللواتي يستخدمن هذه الوسائل لا يعانين من أي اضطراب نفسي شديد”.
لا شك أن بعض النساء يجدن أن فوائد حبوب منع الحمل تفوق أي آثار جانبية قد تنجم عنها، فإلى جانب كونها وسيلة ذات كفاءة عالية في منع الحمل، قد يكون للحبوب المركبة وحبوب البروجستيرون فقط تأثيرات إيجابية أخرى على الصحة.
وتقول كوب كالنر إنه “بالنسبة لمن يعانين من بطانة الرحم المهاجرة، أو النزيف الشديد، أو اضطراب ما قبل الحيض الاكتئابي – وهو صورة حادة ومؤلمة من متلازمة ما قبل الحيض – قد تكون هذه الحبوب وسيلة فعّالة للتخفيف من حدة الأعراض”.
تغيير كيمياء المخ

والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تنشأ هذه التأثيرات على الصحة النفسية، وما أسبابها؟
توجد عدة آليات يمكن من خلالها أن يتداخل تأثير حبوب منع الحمل مع الحالة المزاجية للمرأة.
فمن بين الآثار الجانبية لحبوب منع الحمل، أنها تؤثر على إنتاج هرموني الأستروجين والبروجستيرون الطبيعيين، وهما هرمونان لهما أدوار حيوية في كيمياء المخ، بما في ذلك الوظائف الإدراكية، والتأثيرات العصبية الوقائية، فضلاً عن تنظيم تدفق الدم، والحد من الالتهابات، وتنسيق الإشارات العصبية.
في المقابل تحتوي الحبوب المركبة وحبوب البروجستيرون فقط، إلى جانب العلاج الهرموني التعويضي، على بدائل صناعية لهذه الهرمونات، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث اضطراب الدورة الشهرية الطبيعية.
وتشمل هذه البدائل هرمونات البروجستين، وهي مجموعة من المركبات الاصطناعية للبروجستيرون التي يمكن إنتاجها بطرق متعددة، وإن كان معظمها مستخلصاً من هرمون التستوستيرون، والجدير بالذكر أن هرمونات الأستروجين والبروجستين الاصطناعية ليست متطابقة كيميائياً مع تلك التي يفرزها الجسم بشكل طبيعي.
وثمة اعتقاد بأن لهذا تأثيرات متعددة، من بينها اضطراب المسارات العصبية المرتبطة بالناقل العصبي السيروتونين، الذي يُشار إليه عادة بوصفه “معزز المزاج الطبيعي” للمخ، لدى النساء اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل.
واستطاع فريق من الباحثين الدنماركيين تحليل صور المخ لـ 53 امرأة بصحة جيدة، من بينهن 16 كنّ يستخدمن حبوب منع الحمل، بهدف تقييم نشاط نظام السيروتونين، وأظهرت النتائج أن السيدات اللواتي يستخدمن هذه الحبوب سجلن تراجعاً بنسبة تتراوح بين 9 و12 في المئة في مستوى نوع معين من الإشارات العصبية المرتبطة بالسيروتونين، مقارنة بسيدات لا يستخدمن حبوب منع الحمل.
كما أظهرت الدراسة أن تأثير حبوب منع الحمل على هذه الإشارات العصبية يفوق بمرتين التأثير المعروف لمضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، وقد طرح الباحثون فرضية مفادها أن هذا التأثير قد يكون المفتاح لفهم العلاقة بين استخدام حبوب منع الحمل وزيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب.

وثمة دلائل تشير إلى أن الأستروجين الاصطناعي والبروجستين الموجود في حبوب منع الحمل قد تعرقل إنتاج هرمون ألوبريجنانولون، ذلك الهرمون الذي ينهض بدور حيوي في المخ، خصوصاً في ضبط المزاج والتحكم في استجابة الجسد للضغوط، وقد أُجيز استخدام نسخة دوائية من هذا الهرمون في الولايات المتحدة عام 2019 لعلاج حالات اكتئاب ما بعد الولادة.
ويتحوّل البروجسترون إلى الألوبريجنانولون لدى السيدات اللواتي لا يستخدمن الهرمونات الجنسية الاصطناعية، بيد أن السيدات اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل، يُعتقد أن هذا المسار الطبيعي يختل، إذ لا يتحول البروجسترون إلى الألوبريجنانولون، مما قد يحرمهن من بعض خواصه المهدئة والمضادة للاكتئاب.
وأظهرت إحدى التجارب التي أُجريت على الفئران، أن تلك الفئران التي تناولت حبوب منع الحمل امتلكت مستويات أقل من الألوبريجنانولون في المخ، وفي دراسة أخرى، تبيّن أن هذا التراجع كان مصحوباً بتراجع في التفاعل الاجتماعي والدافع الجنسي، ما دفع الباحثين إلى افتراض إمكانية امتداد هذه التأثيرات إلى السيدات اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل، بيد أن نتائج الأبحاث التي تُجرى على الحيوانات لا تظهر بالضرورة نفس التأثير على البشر.
وما يزيد الأمر تعقيداً، أن حبوب منع الحمل قد تُعطل استجابة المرأة الفطرية للضغط النفسي، مما قد يفتح الباب أمام مشاعر القلق والاكتئاب.
وتوضح هيل: “كشفت الأبحاث أن السيدات اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل يُظهرن استجابة باهتة للكورتيزول عند مواجهة التوتر، على عكس السيدات اللواتي لديهن دورة شهرية طبيعية”.
مخاطر على المراهقات

توجد فئة معينة تثير قلق ليدغارد بشكل خاص، إنها فئة الفتيات في مرحلة المراهقة، إذ كشفت دراسته أن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً أكثر عرضة بمقدار 1.8 مرة لتناول مضادات الاكتئاب بعد بدء استخدام حبوب منع الحمل المركبة، مقارنة بمن لم يستخدمنها.
أما بالنسبة للواتي استخدمن الحبة الصغيرة، كان الخطر أكثر من الضعف، إذ بلغت نسبة احتمال تناولهن مضادة الاكتئاب 2.2 مرة مقارنة بمن لم يتناولن هذه الحبوب.
وعلى نحو مماثل، أظهرت دراسة زيتيرمارك أن المراهقات كن الأكثر تأثراً في العلاقة بين وسائل منع الحمل الهرمونية والاستخدام المتزايد للأدوية المضادة للاكتئاب والقلق، فقد كانت الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و14 عاماً أكثر عرضة بنسبة 240 في المئة و190 في المئة للحصول على وصفة طبية لهذه العلاجات خلال عام من بدء استخدام الحبوب المركبة والحبة الصغيرة على التوالي، أما الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و17 عاماً، فكانت النسب 52 في المئة و83 في المئة على التوالي.
كما توصل الباحثون، في دراسة أخرى اعتمدت على بيانات ما يزيد على 460 ألف سيدة ضمن قاعدة بيانات المملكة المتحدة الحيوية، إلى أن السيدات اللواتي يستخدمن حبوب منع الحمل في أي مرحلة من حياتهن كن أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وبرز هذا الخطر خلال العامين الأولين من الاستخدام.
وإلى جانب فئة المراهقات، توجد فئة أخرى يتوخى الأطباء حذرهم عند وصف حبوب منع الحمل لهن، إذ تحذر كالنر السيدات وتقول: “إن كنت قد مررت بتجربة اكتئاب سابقة، أو كنت تعانين من نوبات اكتئاب متكررة، أو أي اضطراب نفسي آخر، فذلك يزيد من احتمالية تعرضك للاكتئاب أثناء استخدام حبوب منع الحمل”.

وتؤكد، مثل عدد من الخبراء الآخرين، أن الوعي الذاتي هو المفتاح الأساسي للقضية مشددة على ضرورة متابعة السيدة لحالتها المزاجية والنفسية لعدة أشهر بعد بدء استخدام حبوب منع الحمل أو عند تغير الوسيلة، وإن شعرت السيدة بأي قلق إزاء تأثير وسيلة منع الحمل على حالتها النفسية، فمن الحكمة استشارة الطبيب المختص.
ومع تنوع أنواع البروجستين، وتعدد تركيبته مع الأستروجين الاصطناعي، فضلاُ عن اختلاف الجرعات وأساليب التصنيع، يصبح تحديد الاختيار المناسب “أشبه بفن دقيق”، كما يصفه بيتزر، حيث يعتمد الأمر بشكل كبير على احتياجات كل سيدة على حدة.
وعلى الرغم من ذلك تتوفر العديد من وسائل منع الحمل الأخرى التي لا تعتمد على الهرمونات أو تحتوي على جرعات أقل مقارنةً بحوب منع الحمل، من بينها الواقي الذكري والأنثوي (اللذان يوفران أيضاً حماية من الأمراض التي تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية)، والحلقة المهبلية، واللولب الهرموني، واللولب النحاسي، ووسائل التعقيم.
بالنسبة لهيل، كان تغيير وسيلة منع الحمل التي كانت تستخدمها تجربة مهمة في حياتها، وتنصح قائلة: “تخصيص وقت كاف لاختيار وسيلة منع حمل تمنحك الشعور بالرضا شيء مهم، وهذا يساعد بمرور الوقت على تحديد الخيار المناسب لك”.
* المعلومات الواردة في هذا المقال تهدف إلى الإثراء المعرفي فقط، ولا يجوز اعتبارها بديلاً عن استشارة الطبيب أو مختص في الرعاية الصحية. ولا تتحمل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أي مسؤولية عن أي تشخيص بمعرفة القارئ بناءً على محتوى هذا المقال، كما أن بي بي سي لا تُقرّ أو تدعم أي منتج أو خدمة تجارية مذكورة. ويُنصح دائما باستشارة الطبيب المختص في حال كان لديك أي مخاوف صحية.
- ما مدى خطورة حبوب منع الحمل؟
- هل تنجح أول حقنة في العالم تعطى للرجال في منع الحمل؟
- هل الرجال على استعداد لتناول حبوب منع الحمل؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.