إسرائيل تنسحب وتترك قواتها في خمس نقاط جنوب لبنان “بشكل مؤقت”، والسكان يعودون رغم الدمار

انسحب الجيش الإسرائيلي من القرى والبلدات اللبنانية الحدودية التي كان يسيطر عليها جنوبي لبنان، ولكنه أبقى قواته في خمس نقاط على طول الحدود بين البلدين “بشكل مؤقت” بحسب ما أكد وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر الثلاثاء.
ومع انقضاء مهلة انسحابها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، شدد ساعر على أن الإبقاء على هذه النقاط “ضروري لأمننا”، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي في القدس “عندما يفي لبنان بشكل كامل بالتزاماته بموجب الاتفاق، لن تبقى حاجة للاحتفاظ بهذه النقاط”.
وبدأ أهالي القرى والبلدات الجنوبية بالدخول إليها لتفقد منازلهم، بحسب وكالة الأنباء اللبنانية، بينما تواجه أعداد كبيرة صعوبة في الوصول إلى ما تبقى من منازل، بسبب عمليات التجريف والتخريب للطرقات الفرعية والعامة وتدمير معظم المرافق العامة.
من جهته، قال الجيش اللبناني إن وحداته العسكرية انتشرت في عدد من البلدات الحدودية جنوبي البلاد، من بينها كفركلا ومرجعيون، وميس الجبل، ومارون الراس.
وأضاف الجيش اللبناني في بيان، أن قواته انتشرت في مواقع حدودية أخرى في منطقة جنوب نهر الليطاني، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها.
وأشار البيان إلى أن الجيش اللبناني باشر في فتح الطرق ومعالجة الذخائر غير المتفجرة في المناطق التي انتشر فيها.
مراسلة بي بي سي كارين طربيه زارت قرية مارون الراس، ووصفت القرية بالمدمّرة، “أكوام من الأنقاض على جانبي طريق وعرة هدمها الجيش الإسرائيلي بالجرافات”.
وتضيف أن الجيش اللبناني أصدر تحذيرات بعدم الاقتراب من الأنقاض خوفاً من أي عبوات ناسفة، لكن الناس كانوا حريصين على تفقد ما تبقى من ممتلكاتهم، ولم يستجيبوا للنصيحة.
تقول مراسلة بي بي سي إنها رأت سيدة تحفر بيديها العاريتين، كانت تبحث عن أي أثر لابنها، دون جدوى. قالت: “لقد عدنا لكن أحباءنا لن يعودوا”.
بجانبها كان رجل يقف على كومة من الأنقاض ويقول “هذا منزل عائلتي”. كان يحمل مفتاح المنزل معه، ويقول “أحضرته فقط في حالة إغلاق البوابة. لكنني وجدت المنزل وقد تحول إلى أنقاض، سنعيد بناء المنزل و سيكون أفضل من القديم”.
في مكان قريب من الطريق، دار الحوار التالي بين سيدتين:
“- هذا هو المكان الذي يقع فيه المسجد.
– لا يمكن أن يكون كذلك. إنه ليس المسجد الذي اعتدنا الذهاب إليه، أليس كذلك؟”

في سياق متصل، قرر لبنان التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لمطالبته باتخاذ إجراءات تجاه “الخروقات الإسرائيلية” وإلزام إسرائيل بالانسحاب إلى الحدود الدولية، وفق ما جاء في بيان صدر عن اجتماع ضم الرئيس اللبناني جوزاف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وأضاف البيان أن “لبنان يعتبر استمرار الوجود الإسرائيلي في أراضيه احتلالاً، مؤكداً حقه باعتماد كل الوسائل لانسحاب ما وصفه بالعدو الإسرائيلي”.
ويأتي هذا البيان عقب تأكيد الجيش الإسرائيلي أنه سيحتفظ بوجود محدود في خمس “نقاط استراتيجية” على طول الحدود مع لبنان، رغم الضغوط اللبنانية والدولية المطالبة بتنفيذ كامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش سيبقى في خمس نقاط مراقبة داخل الأراضي اللبنانية، لـ “حماية البلدات الحدودية شمال إسرائيل”، متوعداً بالرد على أي “انتهاكات” من قبل حزب الله.
لكن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أكد أن وجود القوات الإسرائيلية في النقاط الخمس داخل الأراضي اللبنانية سيكون مؤقتاً.
وأضاف ساعر، خلال مؤتمر صحفي، أن وجود القوات الإسرائيلية في تلك النقاط “ضروري لأمن إسرائيل”، مشيراً إلى أنه وبمجرد “تطبيق لبنان لالتزاماته باتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل”، فلن تكون هناك حاجة للبقاء في تلك النقاط.
وأُصيب شخصان برصاص الجيش الإسرائيلي في منطقة كركزان شمال شرق بلدة ميس الجبل الحدودية جنوبي لبنان، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء اللبنانية.
وأضافت الوكالة أن الجيش الإسرائيلي نفذ عمليات تمشيط في المنطقة انطلاقاً من أحد المواقع داخل الأراضي الإسرائيلية.
وكان وقف إطلاق النار، الذي أُبرم بوساطة أمريكية ورعاية فرنسية، قد دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024. ونص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال 60 يوماً، إلا أن المهلة تم تمديدها حتى 18 فبراير/شباط 2025. وينص الاتفاق أيضاً على أن يقتصر حمل السلاح على “القوات العسكرية والأمنية الرسمية” في لبنان، مع منع الحكومة اللبنانية أي نقل للأسلحة أو المواد ذات الصلة إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية.
وقال دبلوماسيون ومحللون لوكالة رويترز، إن صياغة الاتفاق، التي جاءت أشد حدة من قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولي، تشير إلى أن الدولة اللبنانية ستضطر إلى ممارسة مزيد من الضبط على أنشطة حزب الله، الجماعة المسلحة التي تعتبر قوة سياسية وعسكرية بارزة في لبنان. وتشرف على تنفيذ الاتفاق لجنة ترأسها الولايات المتحدة وفرنسا.
ماذا نعرف عن النقاط الخمس؟

تُعد القرى الحدودية في جنوب لبنان نقاطاً استراتيجية بالغة الأهمية بسبب قربها من الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. وتنقسم هذه الحدود إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: القطاع الغربي الذي يبدأ من البحر المتوسط وينتهي عند بلدة رامية، والقطاع الأوسط الذي يمتد من رامية إلى مرجعيون، والقطاع الشرقي الذي يمتد من مرجعيون إلى منطقة شبعا.
وتعتبر التلال الاستراتيجية في جنوب لبنان، نقاطاً حيوية في الصراع الدائر بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله. هذه التلال، التي تشرف على بلدات إسرائيلية شمالية، تُعدّ نقاطاً حاكمة تمنح من يسيطر عليها ميزة استراتيجية في المراقبة والدفاع، كما تؤمن تفوقاً نارياً في حال اندلاع أي مواجهات عسكرية.
وأفاد مراسل بي بي سي في القدس، مهند توتنجي، بأن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى زيادة أعداد قواته في المنطقة الحدودية مع لبنان، بثلاثة أضعاف مقارنة بما كان عليه الوضع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيبقى قواته في خمس نقاط على طول الحدود داخل الأراضي اللبنانية.
وبحسب ما يُقال في الأوساط الإسرائيلية، فإن التحدي الأبرز أمام الجيش والمستوى السياسي سيتمثل في كيفية التعامل مستقبلاً مع أي تحركات من قبل حزب الله في هذه المناطق، وكيف سيفسّر الجيش الاسرائيلي مفهوم “الخروقات” التي قد تدفع الجيش للقصف بشكل مباشر.
وتبرز خمس تلال رئيسية هي: تلة الحمامص، تلة العويضة، جبل بلاط، تلة اللبونة، وتلة العزية، وفق ما يُنشر في الإعلام اللبناني والإسرائيلي.
القطاع الشرقي: تلة الحمامص
تقع تلة الحمامص في القطاع الشرقي من الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وهي من النقاط الأكثر أهمية في المنطقة. تشرف التلة، التي ترتفع حوالي 900 متر عن سطح البحر، على بلدتي المطلة وكريات شمونة الإسرائيليتين. كما أنها تُعدّ نقطة حاكمة تتحكم بالدخول إلى منطقة الخيام، ما يجعلها موقعاً استراتيجياً للغاية. وقد شهدت التلة معارك عنيفة، حيث تسعى إسرائيل للسيطرة عليها نظراً لأهميتها الميدانية في المراقبة وتأمين التفوق الناري، وفق محللين عسكريين إسرائيليين.
القطاع الأوسط: تلة العويضة وتلة العزية
في القطاع الأوسط، تبرز تلة العويضة، التي ترتفع حوالي 820 متراً عن سطح البحر، كواحدة من أهم النقاط الاستراتيجية. تشرف التلة على بلدات إسرائيلية مثل المنارة ومسكاف عام، وتُعدّ كاشفة بشكل كبير للمناطق المحيطة. كما أنها تطل على سهل الخيام وامتداده حتى وادي الحجير وعيترون وبليدا. وقد بدأ الجيش الإسرائيلي بتعزيز وجوده في هذه التلة منذ حوالي شهر، حيث قام ببناء جدران إسمنتية ونصب كاميرات مراقبة وأجهزة استشعار، مما يعكس أهميتها القصوى، وفق وسائل إعلام لبنانية.
أما تلة العزية، فتشرف على بلدات إسرائيلية مثل زرعيت وشوميرا وقد شهدت هذه التلة معارك كبيرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وفق بيانات الحزب، حيث تُعدّ نقطة مراقبة حيوية تتحكم بالمناطق المحيطة.
القطاع الغربي: جبل بلاط وتلة اللبونة
في القطاع الغربي، يبرز جبل بلاط كواحد من النقاط الاستراتيجية المهمة. يقع الجبل بين القطاعين الأوسط والغربي، ويشرف على بلدات إسرائيلية مثل شتولا. كما أنه قريب من الحدود، مما يجعله موقعاً مثالياً لمراقبة التحركات الإسرائيلية.
أما تلة اللبونة، فتقع في القطاع الغربي وتشرف بشكل كبير على بلدات إسرائيلية مثل حانيتا وشلومي. وتُعدّ هذه التلة من النقاط الحاكمة التي تتحكم بالمناطق الحدودية المحيطة.
الأهمية الاستراتيجية للتلال
تشترك التلال الخمس في عدة صفات تجعلها نقاطاً استراتيجية بالغة الأهمية. أولاً، تشرف هذه التلال على البلدات الإسرائيلية الشمالية، مما يمنح القوة العسكرية التي تتحكم بها قدرة على مراقبة تحركات العدو وفهم أي مناورات محتملة. ثانياً، تُعدّ هذه التلال مرتفعات حاكمة تتفوق في ارتفاعها على البلدات الإسرائيلية في الشمال، مما يمنحها تفوقاً نارياً واستخباراتياً.
ووفقاً للمعلومات، تسعى إسرائيل للبقاء في هذه التلال الخمس نظراً لأهميتها الميدانية. كما أن ارتفاعها يجعلها قادرة على تأمين غطاء للبلدات الإسرائيلية من جهة الشرق، بينما تشرف في الوقت نفسه على المناطق اللبنانية المحيطة.
من جانبه، حمّل الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، الدولة اللبنانية مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية بحلول 18 فبراير/شباط.
وأكد قاسم في كلمة ألقاها الأحد أن “ما من ذريعة تتيح بقاء إسرائيل في لبنان، في أي نقطة كانت بعد 18 فبراير/شباط”. وأضاف: “إذا بقيت إسرائيل داخل لبنان بعد الاتفاق، فهي محتلة، والكل يعلم كيف يتم التعامل معها”.
ويأتي هذا في وقت يستعد فيه حزب الله لتشييع قادته الراحلين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين في 23 فبراير/شباط 2025، وفق ما أعلن قاسم سابقاً.
أدت المواجهات الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل إلى تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية في جنوب لبنان وشرقه، بالإضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية. وتقدر السلطات اللبنانية كلفة إعادة الإعمار الأولية بما بين 10 و11 مليار دولار. ولا يزال أكثر من مئة ألف لبناني في عداد النازحين، من إجمالي أكثر من مليون شخص فروا من منازلهم خلال الحرب.
وحذّرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان لها يوم الإثنين من أن تدمير البنية التحتية يحول دون عودة عشرات الآلاف إلى منازلهم.
تبقى الأوضاع في جنوب لبنان متوترة، مع استمرار الجدل حول مصير سلاح حزب الله ومدى التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل. وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة ودعماً دولياً لضمان تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بشكل كامل.
- من قائد للجيش إلى رئيس للبنان، ماذا نعرف عن جوزاف عون؟
- ما قصة القرية اللبنانية التي “تحتضن مقام بنيامين ابن النبي يعقوب”؟
- منهك لكنه صامد: ماذا سيحدث لسلاح حزب الله؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.