بعيداً عن المدرسة ووسط الحرب، كيف يكافح أطفال غزة للبقاء؟

يعيش زكريا في مستشفى الأقصى يساعد المسعفين في نقل الجرحى

BBC
يعيش زكريا في مستشفى الأقصى حيث يساعد المسعفين

يبلغ زكريا من العمر 11 عاماً، ويعيش في غزة. ويُعتقد أنه رأى آلاف الجثث، منذ أن بدأت الحرب.

وبينما يذهب الأطفال في سنه غالبا إلى المدرسة، يعمل زكريا متطوعا في مستشفى الأقصى، أحد المستشفيات القليلة، التي لا تزال تعمل في غزة.

عندما تتوقف سيارات الإسعاف التي تحمل ضحايا الحرب بين إسرائيل وحماس أمام المستشفى، يشق زكريا طريقه بين جموع الناس، لاستقبال الجرحى ونقلهم إلى الداخل من أجل العلاج.

وبعد لحظات تجده يركض في الممرات وهو يدفع نقالة. ثم تراه يحمل طفلا صغيرا إلى قاعة الطوارئ.

العديد من زملائه في المدرسة قتلوا منذ أن بدأ النزاع، ووجوده في المستشفى يجعله شاهداً على مناظر مروعة. ويقول إنه رأى أمامه ذات مرة بعد غارة إسرائيلية، طفلا يحترق حتى الموت.

قال للمصور: “ربما رأيت 5 آلاف جثة على الأقل. شاهدتهم بأم عيني”.

زكريا أحد الأطفال والشباب الذين قضينا 9 أشهر في متابعتهم لتصوير شريط وثائقي لبي بي سي بعنوان: غزة، كيف تبقى على قيد الحياة في الحرب.

أخرجت الفيلم مع زميلي يوسف حماش من لندن، لأن إسرائيل منعت الصحفيين الدوليين من دخول قطاع غزة وتغطية الأحداث بشكل مستقل، منذ أن بدأت الحرب قبل 16 شهراً.

عبد الله كان يذهب إلى المدرسة البريطانية في غزة، قبل الحرب، ويعمل ما بوسعه لمواصلة التعلم

BBC
عبد الله كان يذهب إلى المدرسة البريطانية في غزة، قبل الحرب، ويعمل ما بوسعه لمواصلة التعلم

ومن أجل جمع المشاهد والحوارات، وظفنا مصورين اثنين يعيشان في غزة، هما أمجد الفيومي، وإبراهيم أبو عشيبة. وكنا نتواصل معهم بانتظام عبر الرسائل النصية، والمكالمات عبر الانترنت، وشبكات الهاتف النقال.

وأردنا من خلال هذا الشريط الوثائقي أن نصور للناس الحياة اليومية، التي يعيشها أهل غزة، وهم يحاولون النجاة بأنفسهم من أهوال هذا النزاع، وانتهينا من التصوير منذ أسابيع قليلة، في اليوم الذي بدأ فيه وقف إطلاق النار الحالي.

ركزنا التصوير على ثلاثة أطفال وامرأة شابة لديها مولود جديد، وهم ضحايا هذه الحرب، التي توقفت يوم 19 يناير/كانون الثاني، عندما دخل اتفاق الإفراج عن الرهائن بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ.

وقتل أكثر من 48200 شخص في غزة خلال الهجمات الإسرائيلية – وفق وزارة الصحة في غزة – التي بدأت بعد هجمات عناصر من حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقتل فيها 1200 شخص واحتجز 251 كرهائن، وفق السلطات الإسرائيلية.

وجرى التصوير عموما في جنوب ووسط غزة، وهي منطقة خصصتها إسرائيل على أنها “منطقة إنسانية”، وطلبت من الفلسطينيين الذهاب إليها من أجل سلامتهم. وعلى الرغم من ذلك تعرضت المنطقة للقصف 100 مرة تقريباً، منذ مايو/أيار 2024 ويناير/كانون الثاني هذا العام، بحسب تحليل لقسم تقصي الحقائق في بي بي سي، فيما تقول إسرائيل إنها كانت تستهدف مقاتلي حماس هناك.

أنجبت رنا طفلا قبل موعد ولادته، وتعيش في خيمة، بعدما نزحت ثلاث مرات

BBC
أنجبت رنا طفلا قبل موعد ولادته، وتعيش في خيمة، بعدما نزحت ثلاث مرات

أردنا أن نعرف أين يجد الأطفال الطعام، وأين ينامون، وماذا يفعلون لشغل أنفسهم، وهو يحاولون البقاء على قيد الحياة.

ويروي الفيلم قصة عبد الله، البالغ من العمر 13 عاما، الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة لأنه درس في مدرسة بريطانية في غزة قبل الحرب، وهو الآن يبذل قصارى جهده لمواصلة تعليمه.

وأما رناد، وعمرها 10 سنوات، فتنشر فيديوهات للطبخ على تيك توك، بمساعدة أختها الكبرى. وتحضران أنواعاً عديدة من الأكلات، على الرغم من أنهما لا تستطيعان الحصول على ما تحتاجانه من المكونات بسبب الحرب. ويتابعهما أكثر من مليون شخص.

وتابعنا أيضا قصة رانا البالغة من العمر 24 عاما، التي أنجبت طفلة قبل أوانها، وتعرضت للنزوح ثلاث مرات، وتعيش قرب المستشفى مع طفليها ووالديها.

كما يتطرق الفيلم الوثائقي، إلى قصص بعض الأطباء الذين يكافحون لإنقاذ الناس في مستشفى الأقصى، الذي وصفه أطباء بريطانيون أنه المستشفى الوحيد، الذي يعمل وسط غزة في يناير/كانون الثاني 2024.

في ذلك المستشفى وجدنا زكريا.

كل من يعمل في المستشفى يعرف الطفل، وبطبيعة الحال لا يزال طفلا صغيرا، وليس مؤهلا للعمل في الإسعاف، ولكنه موجود باستمرار في انتظار فرصة لمساعدة الناس على أمل أن يحصل في المقابل على بعض الطعام أو بعض النقود.

في بعض الأحيان يساعد الصحفيين المحليين على حمل معداتهم، وأحيانا أخرى يساعد في نقل النقالات التي تحمل الجرحى أو الموتى.

وعندما تهدأ الأمور قليلا، يساعد في تنظيف سيارات الإسعاف من الدم والأوساخ.

لا يوجد مدرسة يذهب إليها، وهو الوحيد في عائلته الذي يكسب المال. ويقول إنه لم يبقى مع عائلته بسبب نقص الطعام، لذلك، أصبح يعيش لوحده في المستشفى، وينام في أي مكان. ليلة في قاعة الأشعة، وليلة أخرى في خيمة الصحفيين، أو في سيارة الإسعاف.

وفي كثير من الليالي كان ينام جائعا.

وحاول العاملون بالمستشفى كثيراً إبعاده، لكنهم لم يستطيعوا.

يحب زكريا العاملين في الإسعاف، ويريد أن يعتبروه جزءاً من فريقهم. يقول سعيد وأحد المسعفين، بينما يضم زكريا، إن الطفل ينزعج حين معاملته كصبي.

ويلاحظ أعضاء آخرون في الفريق اهتمام زكريا بعملهم وبالمرضى، ويحاولون تعليمه كيفية تركيب محلول وريدي لشخص مصاب.

وتقديرا منهم لجهوده، صنعوا له معاطف زرقاء على مقاسه، التي أصبح يفتخر بها كثيراً.

ولكن سعيد يريد أن يعيش زكريا بعضا من طفولته، ويظهر في الفيلم وهو يصحبه في جولة على الشاطئ.

العاملون في المستشفى صنعوا بدلة ممرضين صغيرة، يرتديها زكرياء عندما يساعدهم في الإسعافات

BBC
تقديرا منهم لجهوده، صنع العاملون في المجال الطبي معاطف زرقاء على مقاس زكريا

يجلس زكريا تحت ظل شجرة، ويتناول الطعام الذي اشتراه له سعيد، ويقول الطفل: “الشاورما لذيذة”، بينما يمزح سعيد: “هذه المرة الوحيدة التي يسكت فيها الطفل”.

ويخشى سعيد يرى من أن زكريا قد شاهد الكثير من مشاهد الموت والدمار، لدرجة أنه قد لا يتمكن من التكييف مع الأطفال في سنه مرة أخرى.

و زكريا أيضا، يفكر في مرحلة ما بعد الطفولة.

ويقول: “أريد أن أصبح مسعفاً، ولكن يجب أن أخرج من هنا أولا”.

Powered by WPeMatico

Comments are closed.