تمرين بسيط يحسن حالتك المزاجية بشكل كبير
إن تعداد النعم نصيحة قديمة، باتت تعضدها أبحاث علمية أوضحت أن كتابة قوائم بالأشياء الجيدة التي تحدث لنا تساعد بالفعل في تحسين حالتنا المزاجية.
ومن بين جميع ما توصلت إليه الأبحاث النفسية، أعتقد أن هذا التمرين هو المفضل لدي على ما أظن، فهو بسيط ومدعوم بأدلة واضحة. وعلى هذا النحو، بات معروفاً للجميع.
ولقد تضمن العمل بهذه النصيحة أو هذا التمرين مصطلحات مختلفة تركز على ذكر “ثلاثة أشياء جيدة”، أو “ثلاث نعم”، أو “قائمة الامتنان”.
وهناك أيضاً اختلاف في التعليمات الدقيقة المقدمة للعمل بهذه التمرين، لكن جوهره هو قضاء بضع لحظات في المساء للتفكير في يومك، ثم كتابة ثلاثة أشياء سارت على ما يرام أو استمتعت بها. والعنصر الأخير هو التفكير في سبب شعورك بالإيجابية تجاه هذه الأشياء.
- ثماني طرق تساعدك على التخلص من “المماطلة”
- الاكتئاب: كيف يمكن أن نعرف ما إذا كنا مصابين به؟ وما هي طرق علاجه؟
يمكنك اختيار أي حدث مر بك، مهما كان صغيراً ومهما تضاءلت أهميته. لربما صادفت صديقاً لم تره منذ فترة، أو ربما ضحكتَ أنت وزميلك على شيء ما معاً. ربما استمتعت بالمشي إلى المنزل من المحطة في ضوء المساء الجميل.
ومع ذلك، يمكنك تضمين أمور أكثر أهمية، وربما كانت سبباً في تغيير حياتك؛ كاجتياز امتحان مهم، أو الحصول على ترقية، أو معرفة أن أحد أقاربك المقربين على وشك أن يُرزق بمولود.
إن عدَّ نعمك بالطبع في غاية القدم، وقد استُخدِمت تمارين من هذا النوع سريرياً لبعض الوقت.
وفي عام 2005، نشر كل من مارتن سيليغمان وكريس بيترسون، وهما شخصيتان بارزتان في مجال علم النفس الإيجابي، البحث الأولي الذي يحقق في مدى استخدام هذه الطريقة في الحياة اليومية لتحسين رفاهيتنا. وخضع لهذه الدراسة 577 شخصاً قُسّموا عشوائياً لمجموعات مختلفة.
كعلاج وهمي، كان على إحدى المجموعات أن تكتب كل مساء عن ذكرياتها المبكرة من الطفولة. ومنحت المجموعات الأخرى مهمات مختلفة لتجربتها.
في إطار التجربة التي تهمنا، طُلب من الخاضعين للتجربة سرد ثلاثة أشياء سارت على ما يرام في ذلك اليوم، وتوضيح السبب الذي جعلها تبدو جيدة. وعلى مدى الأشهر القليلة التالية، جرى تحديد مقاييس يستخدمها المتطوعون في جميع المجموعات لقياس مدى سعادتهم.
كانت النتائج مبهرة. والجدير بالذكر أنه في غضون شهر، بدأ التحسن جلياً في مستويات السعادة لدى من تم تكليفهم بتدوين الأشياء الثلاثة الجيدة، إلى جانب انخفاض أعراض الاكتئاب، مع استمرار التأثير الإيجابي لمدة ستة أشهر من الدراسة.
في الوقت نفسه، شهد أولئك المشاركين في مجموعة العلاج الوهمي ارتفاعاً مفاجئاً قصير الأمد في مستويات السعادة في الأسبوع الأول، لكن مزاجهم سرعان ما عاد إلى خط الأساس، ولم يكن هناك تغيير يُذكر مع متابعتهم خلال ستة أشهر.
منذ عام 2005، اختُبِرت هذه التقنية مع جميع أنواع الأفراد المختلفين، من المراهقين في الأحياء الفقيرة في نيروبي بكينيا، إلى النساء الأكبر سناً المقيمات في سويسرا.
أحد أسباب نجاح استراتيجية تعداد ثلاثة أمور جيدة، هو أنها تبدأ في مواجهة الميول البشرية الثابتة لتسجيل وتذكر الأمور السلبية بدلاً من الإيجابية.
وهناك سبب تطوري قوي يجعلنا نفكر بهذه الطريقة: إنه أمر حيوي لبقائنا. لذا، بالكاد نلاحظ تتبّع قطة صغيرة لنا في الشارع، لكننا حتماً سنلاحظ إن كان هذا الحيوان أسداً.
إن أدمغتنا مهيأة للخطر في سبيل الحفاظ على سلامتنا. وهذا أمر جيد، إلا أنه في عالم من الحرب والمعاناة والكراهية والانقسام، وكلها أمور يسهل الوصول إليها على الفور على هواتفنا، يمكن أن يطغى علينا هذا التحيز السلبي.
أحد العناصر المهمة في تمرين ذكر ثلاثة أحداث جيدة هو أنه يساعدنا على التركيز على الأمور الإيجابية بطريقة ملموسة. وعلى الرغم من أنني كنت أقترح أن يكون هذا التمرين في نهاية اليوم، إلا أن قوته الحقيقية تكمن في أن تأثيره يبدأ سريعاً في التسلل إلى أحساسيسنا طوال اليوم.
فمنذ اللحظة التي تستيقظ فيها، ستجد نفسك تفتش عن أمور جيدة لإضافتها إلى قائمتك. على سبيل المثال، كلما حصلت على مقعدي المفضل في مقدمة الطابق العلوي من الحافلة، أقول لنفسي: هذه إحدى الأمور التي سأضيفها إلى قائمتي. يا له من حظ جيد!
وقبل أن تدرك ذلك، تكون قد دربت نفسك ليس فقط على رصد التهديدات، بل رصد الأمور الجيدة كذلك.
اليوم تناولت طعام الغداء بشكل مفاجئ مع زوجي، عندما اقترح عليّ الذهاب إلى المقهى الذي أمرّ به باستمرار وأتساءل عنه لكن لم أزره أبدا.
سعدت بمشاهدة زهور الأضاليا الصفراء والحمراء وقد أزهرت على الرغم من فصل الشتاء. وبعد ذلك بقليل، رد عليّ أحد الأكاديميين الذين أرسلت إليهم بريدا إلكترونيا في الولايات المتحدة، للسؤال عن بعض الأبحاث النفسية في غضون ساعة، وأرسل لي بلطف مقالتين مفيدتين للغاية من مقالات الدوريات العلمية.
كنت أكتب هذا المقال في الظهيرة، وأنا أعلم بالفعل ما هي الأمور الثلاثة الجيدة التي حدثت معي في هذا اليوم. فبمجرد أن تبدأ، تعتاد التفتيش عن تلك اللحظات.
ومما لا شك فيه أن مرورك بأوقات عصيبة للغاية، قد يزيد من صعوبة العثور على تلك اللحظات الإيجابية التي لن تغير حياتك، لكن تحليلاً تجميعياً للدراسات أجري عام 2021 توصل إلى أن هذا الأمر قد يكون فعالاً، حتى عندما يعاني الناس من الاكتئاب.
هذا لا يعني بالطبع أنه سينجح مع كل فرد؛ فعندما جربه المراهقون في الهند، على سبيل المثال، لم يشعروا بفائدة تعود عليهم من ذلك. واعتقد الباحثون أن ذلك يعود إلى التركيز الشديد في مدارس البلاد على العمل الكتابي، ما يجعل التمرين أشبه بقطعة أخرى من الواجبات المنزلية التي ينبغي إنجازها.
ومع ذلك، قد يكون من المفيد أن تجرب هذا النوع من التمارين التي لا تكلفك شيئاً وتستغرق وقتاً قصيراً للغاية، كي تعرف مدى نجاحها، أو يمكنك الاحتفاظ بها في ذاكرتك كاستراتيجية لتجربتها في المستقبل، حين تشعر بأنك غير مسرور في الحياة.
أنا شخصياً وجدت هذا الأسلوب مفيداً بشكل ملحوظ لتجاوز أطول فترة إغلاق بسبب جائحة كوفيد 19. ورغم أن قائمة نهاية اليوم الخاصة بي كانت تفتقد أنشطة متنوعة كالمشي في المتنزه القريب أو تناول وجبات لذيذة في المنزل بشكل منتظم، ومع ذلك، فإن التفتيش عن الإيجابيات قد أزال شيئاً من الكآبة.
- “أصبح الاكتئاب صديقي الوحيد”
- ماذا نعرف عن “كآبة ما بعد الأولمبياد”؟
- الخرف: “أمي تحولت إلى شخص آخر بعد إصابتها بالمرض”
Powered by WPeMatico
Comments are closed.