ما وراء البوابات: كيف تغيّر إسرائيل ملامح الضفة الغربية؟
لم تكن حياة هيثم التميمي تحت الاحتلال الإسرائيلي سهلة، لكنها أصبحت أشد صعوبة بعد أن طوقت السلطات الإسرائيلية قريته ووضعت بوابات على مخارجها لتتحكم في أوقات دخول السكان وخروجهم.
قرية النبي صالح، التي يسكنها هيثم وعائلته، تقع بين مدينتي رام الله ونابلس وقد أصبحت مغلقة كغيرها من التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، إذ يضطر هيثم لسلك طريق ترابي عبر الأحراش للوصول إلى عمله في رام الله بعد إغلاق البوابة عند مدخل القرية.
تبعد قرية هيثم بخمس وعشرين دقيقة عن رام الله لكن هذه المسافة تستغرق منه الآن ساعتين.
الوضع الذي يعيشه هيثم يشبِّهه الأكاديمي الفلسطيني، جوني منصور، بما حدث مع الفلسطينيين العرب الذين بقوا في أراضيهم عام 1948 عندما أقيمت دولة إسرائيل فحُبس المتبقون منهم في نظام حكم عسكري في مدنهم وقراهم، ولم يُسمح لهم بالتنقل إلا بتصاريح حتى عام 1967، عندما اكتملت البنية التحتية.
واليوم يعيش الفلسطينيون محاصرين في قراهم وبلداتهم خلف جدران الفصل ونقاط التفتيش وأبراج المراقبة والبوابات، بينما تسارع السلطات الإسرائيلية إلى بناء البنية التحتية استعدادًا لعام 2025 الذي يطلق عليه رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، بتسلئيل سموتريتش، “عام السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية”.
“المنسق” الذي لا ينسق معه كثيرون
رغم أن الإدارة المدنية أطلقت منذ أعوام تطبيقا يسمى “المنسق” لإصدار تصاريح السفر والعمل وتوجيه تعليمات للفلسطينيين في الضفة، إلا أن هيثم مثل كثير من الفلسطينيين فضل عدم استخدام هذا التطبيق.
ويستطيع المتصفح للتطبيق الوصول إلى جميع الوزارات الإسرائيلية بعد أن كان يضم معلومات عن المناطق التي رفع عنها المنع الأمني في الضفة والتي يمكن لسكانها التقدم للعمل في إسرائيل. ومنذ السابع من أكتوبر تشير صفحات المنسق بعدم منح تصاريح لكثير من المناطق وعن إغلاقات لكثير من المعابر. وتعتبر السلطات الإسرائيلية التطبيق طريقة التواصل الأنجع مع الفلسطينيين في الضفة.
وتحت بند “سياسة وإجراءات” يكتظ هذا التطبيق بإخطارات عن أراض للغائبين في الضفة الغربية يجري تحويلها لأراضي دولة ويعطي المرسوم أصحابها الغائبين 45 يوما للاعتراض.
إذ ينص قانون “أملاك الغائبين”، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 1950، بمصادرة أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذي هجروا من أرضهم وممتلكاتهم بعد حرب 1948، ويسري على أملاك كل من يعيش في “أرض إسرائيل”.
وكشفت منظمة “السلام الآن” النقاب عن أن “القيم على أملاك الغائبين خصص على مر السنين، حوالي نصف مليون دونم من الأراضي لشعبة الاستيطان، وخصص 60 % منها على الأقل من جميع أراضي الدولة في الضفة الغربية لدائرة الاستيطان”. أي أن القانون يسري على الضفة أيضا، ويعيش العديد من أصحاب الأرض في الضفة خارجها ما يعني أن أراضيهم مهددة.
ومنذ السابع من أكتوبر لا يمنح المنسق تصاريح للقرويين للعمل في مزارعهم، إذ يحتاج القروي، إذا أراد زراعة حقله على سبيل المثال، إلى تصريح من السلطات الإسرائيلية للوصول إلى أرضه كما شرح لي سمحان شريتح من قرية المزرعة القبلية الذي لم يتمكن من الوصول إلى أرضه ولم يتمكن من جني الزيتون، مؤكدا أن السلطات الإسرائيلية شيدت بوابات ومنعتهم من الوصول إلى أراضيهم ومن منطقة النبع التي يعتمدون عليها ويملكونها.
في انتظار ترامب
غير بعيد عن قرية هيثم وبالتحديد في مستوطنة كدوميم، يعيش وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي يحضر خطة ضم الضفة بغرض تقديمها، حسب قوله، للرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، عند تسلمه مقاليد الحكم يناير المقبل.
وربما يكون إعلانه نية إسرائيل إلغاء الإدارة المدنية التي يترأسها، وهي المسؤولة عن إدارة شؤون الضفة، من أهم الخطوات القانونية الدالة على أمله في قرب تنفيذ خطته الضم، لأن إغلاق الإدارة المدنية يعني عمليا ضما رسميا ولا سيما أن الوزارات ستقدم الخدمات لسكان الضفة خاصة في المنطقة جيم.
ويقول سموتريتش إنه ناقش هذا المخطط مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لتنفيذه خلال ولاية ترامب، مؤكدا أن هناك إجماعا في صفوف المعارضة والائتلاف واليمين واليسار الإسرائيلي على رفض إقامة دولة فلسطينية في إشارة إلى النص الذي أقره الكنيست والذي يرى أن “إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل ستشكل خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها، وستؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة”.
وقد منحت الحكومة الإسرائيلية سموتريتش كافة الصلاحيات لتمكنه من الإسراع في تنفيذ خطته في الضفة، إذ استحوذ على جميع صلاحيات إدارة الأراضي.
ومنذ أحداث السابع من أكتوبر، لم يحصل الفلسطينيون على أي تصاريح تتعلق الخدمات المدنية مثل المياه والبناء والآثار وخصوصا في المنطقة ج ، في الوقت الذي تكررت فيه عمليات هدم منازلهم، وأنشئت عشرات البؤر الاستيطانية دون تصاريح، وتشير الأرقام إلى أكثر من 100 مزرعة وبؤرة استيطانية في مناطق الرعي الفلسطينية حاليا.
تشكل المنطقة ج أكثر من 60 في المائة من مساحة الضفة، ويقول لنا هيثم الذي تقع أرضه في هذه المنطقة إنه منع من بناء جدار حول منزله، كما قال لي العديد من السكان الفلسطينيين هناك أن الإدارة المدنية نادرا ما كانت تمنحهم تراخيص للبناء حتى قبل السابع من اكتوبر.
ولا يعلم هيثم وغيره من الفلسطينيين خاصة في المنطقة جيم التي تديرها إسرائيل من سيدير شؤونهم وكيف ستدار بعد ذلك؟
“مساحة أكبر وعدد أقل من السكان”
تحدثت بعض الصحف الإسرائيلية عن نية سموتريتش إنشاء سلطات بلدية عربية لتحل محل السلطة الفلسطينية.
وفي الحقيقة، “ما يصرح به المستوطنون عموما هو أنهم يريدون أرضا في الضفة فيها أقل عدد من الفلسطينيين، وهو ما تعكسه المنطقة جيم، إذ نجحت إسرائيل في تقليل عدد الفلسطينيين فيها إلى أقل من 300 000 وبات عدد المستوطنين يتجاوز 700 000 ” حسب ما يؤكد لنا مؤيد شعبان رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. إلا أن هناك استثناء في الحالة وهو وجود السلطة الفلسطينية التي تدير الشؤون المدنية للسكان في أراضي الضفة.
وتحدثت بي بي سي عربي إلى عدد من المسؤولين في السلطة ممن لا يريدون الإفصاح عن هوياتهم وأجمعوا على أنه لا توجد خطة لدى السلطة لمواجهة اليوم الذي يتحدث عنه سموتريتش سوى التنسيق مع مؤسسات دولية.
وفي الوقت الذي يستمر فيه التحضير لخطة ضم الضفة لتقديمها إلى ترامب لم يفصح هذا الأخير في مقابلته مع مجلة تايم الأمريكية عن تصور نهائي لمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واكتفى بالقول إنه يدعم “خطة السلام” بأي شكل من الأشكال.
وحين سئل عن حل الدولتين قال ترامب “أنا أؤيد أي حل يحقق السلام. هناك أيضًا أفكار أخرى إلى جانب الدولتين. سأدعم أي شيء من شأنه أن يؤدي إلى سلام دائم لأنه من المستحيل أن نشهد مأساة كهذه كل خمس سنوات. هناك بدائل أخرى. أريد صفقة”.
ولم يوضح ترامب ما إذا كان هذا يمهد الطريق نحو ضم الضفة الغربية، وهو ما يدعمه سفيره المعين لدى إسرائيل مايك هاكابي.
- منظمة العفو الدولية تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وإسرائيل تقول إنه “ملفق ومبني على أكاذيب”
- إسرائيل تقرر إغلاق سفارتها في أيرلندا
- ضربات إسرائيلية على الساحل السوري، وإيران تأمل استئناف عمل سفارتها في دمشق
Powered by WPeMatico
Comments are closed.