حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات الإسلامية مع السلطة
بعد الهجوم المباغت الذي نفذته فصائل معارضة سورية على حلب وريفها، وامتداد المعارك جنوباً إلى المناطق الشمالية لمحافظة حماة، تتصدر مدينة حماة عناوين الأخبار كنقطة محورية في مسار التطورات.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد أعلن أن قوات المعارضة أصبحت على أبواب المدينة، لكن الجيش السوري نفّذ هجوماً معاكساً، واستطاع استعادة السيطرة على بعض المناطق المحيطة بالمدينة، رغم تضارب الأنباء بشأن المناطق التي استعادها، ومدى قرب فصائل المعارضة من المدينة.
نحاول في هذا التقرير، تسليط الضوء على مدينة حماة، وتاريخها القديم والحديث.
تقع مدينة حماة في الجزء الأوسط من سوريا، على بعد نحو 185 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق.
يمر قرب المدينة الطريق السريع “M5” الرابط بين حلب وحمص ودمشق والمعروف أيضاً بطريق حلب – دمشق الدولي، وهي بذلك تحتل موقعاً استراتيجياً يربط بين مدن الشمال والمركز في سوريا.
يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة، بحسب تقديرات المكتب المركزي السوري للإحصاء، وهي بذلك رابع أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان.
يقسم نهر العاصي المدينة إلى قسمين، وتنتشر على ضفافه البساتين والنواعير.
تُعد نواعير حماة رمزاً للمدينة، وإرثاً ثقافياً لها، وهي عبارة عن دواليب كبيرة تُستخدم لجر مياه النهر ورفعها لسقاية البساتين المنتشرة على ضفافه، ومن هنا اكتسبت المدينة لقبها “أم النواعير”، ولا تزال بعض النواعير تعمل حتى يومنا هذا.
تُعد المدينة مركز محافظة حماة، وتتبع إدارياً لهذه المحافظة عدة مناطق وبلدات ريفية، منها سلمية ومصياف وسلحب وصوران وكفرزيتا ومورك ومحردة وحلفايا.
- سوريا: ما أسباب وأهداف الهجوم الذي تشنه المعارضة؟
- بي بي سي تتحقق من 5 مطارات سورية تقول المعارضة إنها استطاعت السيطرة عليها
تاريخ المدينة
مدينة حماة من المدن العريقة، إذ يعود تاريخ الاستقرار البشري فيها إلى العصور الحجرية.
حكمها الآراميون في القرن الـ 11 قبل الميلاد، وكانت تُسمى وقتئذ “حماث”. سيطر عليها الآشوريون في القرن التاسع قبل الميلاد، ثم تتابع على حكمها، الفرس والمقدونيون والسلوقيون – وهم سلالة من الملوك اليونانيين – حيث أطلق السلوقيون على المدينة اسم “إبيفانيا” في القرن الثاني قبل الميلاد. خلال الحكم البيزنطي، عادت لتُسمى “إيماث”، وهي لفظة قريبة من اسمها الأصلي، وفق الموسوعة البريطانية.
سيطر المسلمون على المدينة في القرن السابع الميلادي. ثم استولى الصليبيون عليها في عام 1108، واستعادها المسلمون في عام 1115. تعرضت المدينة للدمار إثر زلزال وقع في عام 1175. سيطر عليها صلاح الدين الأيوبي في عام 1188، ثم انتقلت إلى المماليك في عام 1300، وإلى العثمانيين في أوائل القرن الـ 12.
أصبحت جزءاً من سوريا بشكلها الحالي بعد استقلالها وخروج القوات الفرنسية منها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
“مجزرة حماة”
وصل حزب البعث إلى السلطة في سوريا على إثر انقلاب عسكري في عام 1963 أو ما تسميه الحكومة السورية بـ “ثورة الثامن من آذار”، برزت حماة كمركز محوري معارض لسياسات حزب البعث منذ الأيام الأولى لوصوله إلى السلطة، وكان لطبيعة المدينة المحافظة، ولنشاط جماعة الإخوان المسلمين فيها دور بارز في ذلك.
تعود أولى مظاهر التمرد في المدينة إلى العام 1964، حين أُرسلت وحدات عسكرية إليها لمواجهة حركة احتجاجية قادها الإخوان المسلمون في شوارعها، وانتهت بمقتل نحو 100 شخص بحسب تقرير لهيومان رايتس ووتش.
عادت حركات الاحتجاج والتمرد إلى شوارع حماة بعد ذلك ضمن اضطرابات أوسع شهدتها عدة مدن وبلدات في سوريا في سبعينيات الـ 20، تزامنت مع صعود حافظ الأسد إلى السلطة. واحتدمت الاضطرابات بشكل أكبر في النصف الثاني من السبعينيات في أعقاب التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1976. وتخللت الاضطرابات مواجهات مسلحة وتفجيرات وأعمال عنف واغتيالات ونشر لقوات الجيش في المدينة.
بحسب تقرير “هيومان رايتس ووتش”، كانت حماة أحد أهم مراكز المعارضة في ذلك الوقت، وهي معارضة اتخذت طابعاً مسلحاً عنيفاً في بعض الأحيان. في أبريل / نيسان 1981، هاجم “مسلحون إسلاميون” حاجزاً عسكرياً قرب قرية على تخوم حماة، فأُرسلت وحدات خاصة إلى المدينة، فرضت فيها حظراً للتجول وفتشت المنازل، ونفذت إعدامات ميدانية في الشوارع، وخلال 3 أيام، قُتل أكثر من 350 شخصاً بحسب تقرير المنظمة.
في فبراير/شباط عام 1982، وقع الحدث الأبرز والأكثر دموية في المدينة، وهو ما أصبح يعرف بـ “مجزرة حماة”.
اتخذت الحكومة السورية القرار بوضع حد للمعارضة المسلحة في مدينة حماة بداية 1982 بحسب “هيومان رايتس ووتش”.
وألمح إلى ذلك تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكد أن الوحدات العسكرية والأمنية السورية فرضت شكلاً من أشكال الحصار حول المدينة في يناير/كانون الثاني 1982.
دخلت قوات أمنية وعسكرية إلى المدينة لإجراء عمليات ملاحقة وتفتيش ومصادرة للأسلحة في الثاني من فبراير/شباط عام 1982، وتعرضت إحدى الوحدات إلى كمين نصبه مسلحون داخل زقاق في الأحياء القديمة وسط المدينة. استنفر المسلحون بعد ذلك وتحصنوا داخل المدينة القديمة، وأطلقت مآذن المساجد نداءات تدعو للنفير وطرد قوات الجيش والشرطة من المدينة.
حشدت الحكومة السورية وحدات مختلفة من الجيش، من بينها “سرايا الدفاع” التي كانت تحت إمرة رفعت الأسد، الأخ الأصغر لحافظ الأسد، وشنت هجوماً استمر 27 يوماً على المدينة.
بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، تم قصف الأحياء القديمة من المدينة من الجو وبالمدفعية للسماح بدخول القوات والدبابات عبر الشوارع الضيقة. ودُمرت أجزاء أخرى بالكامل في الأيام الأولى من القتال. بعد عدة أيام من القصف والاشتباكات، أعلن وزير الدفاع السوري أن التمرد في حماة قد تم إنهاؤه.
إلا أنه، وبحسب منظمة العفو الدولية، ظلت المدينة “محاصرة”. وتلا ذلك أسبوعان من عمليات تفتيش المنازل والاعتقالات الجماعية، مع تقارير نقلتها المنظمة ووصفتها بالمتضاربة عن “فظائع وعمليات قتل جماعي للمدنيين”.
أشار تقرير “هيومان رايتس ووتش”، إلى أن المدينة تعرضت إلى “عقاب جماعي قاس”، وأن قوات الأمن نفذت عمليات إعدام جماعية في عدة مواقع. ورغم توقف “المقاومة المسلحة” في المدينة بعد 10 أيام من بدء الحملة العسكرية، إلا أن عمليات تفجير المباني، وتسوية الأحياء السكنية استمرت.
تسببت العملية العسكرية بالمجمل في تدمير أكثر من ثلث المنازل في المدينة وفق المنظمة.
فرّ عشرات الآلاف من حماة، واُعتقل آلاف آخرون، وتراوحت التقديرات لأعداد الضحايا.
قدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” أعداد الضحايا بخمسة آلاف إلى 10 آلاف قتيل. أما منظمة العفو الدولية، فقدرت حصيلة القتلى بـ 25 ألفاً من الطرفين. لكن تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان كانت أعلى من ذلك بكثير، فقدرت حصيلة الضحايا عند 40 ألف قتيل، دون احتساب القتلى من المسلحين وقوات الحكومة.
حماة والحرب في سوريا
في الأيام الأولى من الحرب الأهلية السورية سنة 2011، خرجت عدة مظاهرات مناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في مدينة حماة، وشهدت المدينة عدة أحداث تمثلت في خروج المظاهرات وقمعها وفرض طوق أمني حول النقاط الحيوية والساحات العامة فيها.
ولعل أبرز الأحداث في المدينة ما وقع في الثالث من يونيو / حزيران 2011، حين قتلت قوات الأمن السورية أكثر من سبعين شخصاً بالرصاص خلال قمع احتجاجات مناهضة للنظام في المدينة وفق جماعات حقوقية معارضة وشهود عيان.
على الرغم من أن حماة كانت جزءاً من موجة الاحتجاجات التي اجتاحت مدناً سورية في السنة الأولى من الحرب، إلا أن المدينة لم تشهد بعد ذلك معارك عسكرية، على غرار ما حصل في حلب، في السنوات الي شهدت تحول الأحداث إلى صراعات مسلحة بين قوات الحكومة السورية والفصائل المعارضة.
واقتصرت المعارك والاشتباكات على المناطق الريفية التابعة لمحافظة حماة، خاصة الشمالية والغربية منها، إضافة إلى بعض المناطق الشرقية من المحافظة التي خضعت لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في 2016.
- ترجيحات بعقد محادثات أستانا في الدوحة لبحث الوضع السوري، وأردوغان يعرب عن أمله في انتهاء عدم الاستقرار في سوريا
- ماذا نعرف عن هيئة تحرير الشام التي تشن هجمات على مواقع تابعة للجيش السوري؟
- ما مواقف كل من إيران وإسرائيل ومصر والإمارات من الهجوم على حلب؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.