لماذا يستعين بوتين بجنود من كوريا الشمالية وكيف يستفيد منهم في حرب أوكرانيا؟
تزداد الأدلة على مشاركة جنود من جيش كوريا الشمالية في صفوف الجيش الروسي في حربه الدائرة ضد أوكرانيا.
وتقول المخابرات الكورية الجنوبية إن جارتها الشمالية نشرت ما يزيد على 10 آلاف جندي في ساحات المعارك الروسية، بما في ذلك منطقة كورسك، وأفاد متحدثون باسم البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية ببيانات مماثلة.
كما تحدثت المخابرات العسكرية الأوكرانية، في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عن حدوث أول اشتباك قتالي بين الجيش الأوكراني وقوات من كوريا الشمالية في منطقة كورسك، في ذات الوقت لا تنفي موسكو وجود جنود من كوريا الشمالية على أراضيها، بيد أنها لم تكشف عن خطط استخدامها لهم.
ما هي نقاط القوة في جيش كوريا الشمالية؟
يتمتع جيش كوريا الشمالية بالعدد الهائل لقواته، إذ تستطيع بيونغ يانغ حشد ما يزيد على 6 ملايين شخص، أي ما يقرب من ربع تعدادها، في ظل بقاء القوات المسلحة في كوريا الشمالية في حالة تأهب قتالي مستمر، فضلا عن توجيه الصناعة في البلاد نحو توفير الاحتياجات العسكرية، لذا تنتج البلاد كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة.
كما اعتاد جنود كوريا الشمالية المشقة، نظرا لأن الدولة شمولية فقيرة، وتفرض نظاما صارما، وفترات خدمة طويلة، تتراوح بين ثلاث إلى عشر سنوات، حسب نوع الخدمة، ويسود مناخ من الخضوع المجتمعي، وأي تمرد يواجه بالعقاب سريعا.
وتعد كوريا الشمالية، مثل جارتها كوريا الجنوبية، دولة جبلية، وتعتبر بيونغ يانغ جارتها الجنوبية عدوها اللدود، لذا فالجنود مدربون على القتال في المناطق الجبلية ويتمتعون بقدرة بدنية عالية على التحمل والمرونة، كما يؤدون نفس الأداء الجيد في المناطق الممهدة.
ما هي نقاط الضعف في جيش كوريا الشمالية؟
يفتقر جيش الشعب الكوري حاليا إلى الخبرة القتالية الحقيقية، فقد مر ما يزيد على سبعين عاما على حرب شبه الجزيرة الكورية، ورغم أن كوريا الشمالية دخلت في صراعات خارج حدودها، مثل فيتنام والشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن هذه الصراعات حدثت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ويتبنى جيش كوريا الشمالية إلى حد كبير عقيدة الجيش السوفييتي، مع تركيز الخطط القتالية على نشر المدفعية والدبابات الضخمة بدعم من قوات المشاة الكبيرة.
كما تركز التدريبات على التنسيق بين الأسلحة المختلفة في الجيش كجزء من تشكيل الوحدات الكبيرة، والاستعداد لحرب كبرى بدلا من الانخراط في صراع محلي.
وسعى الجيش الروسي، في بداية الحرب مع أوكرانيا، إلى التحرك في تشكيلات كبيرة، وعلى الرغم من ذلك، ظهرت عيوب، فكلما استطاع الأوكرانيون تحييد مكون واحد من الجيش الروسي، مثل إيقاف الدعم الجوي، أو تدمير الدبابات، أو تعطيل إمدادات الذخيرة، تراجعت فعالية الوحدات الروسية بشكل كبير.
وفي عام 2017، شكلت كوريا الشمالية فرعا جديدا داخل جيشها، أطلقت عليه قوات العمليات الخاصة، وتقدر هذه القوة بنحو 100 ألف إلى 200 ألف جندي مهمتهم شن هجمات بعد عمليات إنزال جوية والاستطلاع وتعطيل العدو خلف الخطوط، وهي وحدات من المشاة خفيفة التسليح ومتحركة بمستويات عالية من التدريب، وقادرة على تنفيذ العمليات المستقلة.
وتمتلك روسيا أيضا العديد من هذه الوحدات، بيد أن جنود كوريا الشمالية يفتقرون إلى الإلمام بأساليب محددة للحرب بين روسيا وأوكرانيا، مثل الاستخدام الواسع النطاق للطائرات المسيّرة، الهجومية والاستطلاعية، والحرب المضادة للمدفعية، والهجمات التي تشنها مجموعات صغيرة من المشاة مع الحد الأدنى من الدعم من المركبات المدرعة.
ولا تزال توجد أسئلة عديدة يطرحها الخبراء من بينها هل يتقن جنود كوريا الشمالية استخدام المعدات العسكرية الروسية بسرعة، أم أنهم يستخدمون أنظمتهم السوفيتية والصينية القديمة إلى حد كبير؟ وما هي حالتهم المعنوية؟ وكيف يتغلبون على حاجز اللغة، نظرا لأن التواصل في ساحة المعركة أمر حيوي للبقاء؟
ما هو الدور الذي تراه القيادة الروسية لجنود كوريا الشمالية؟
توجد ثلاث فئات رئيسية من قوات كوريا الشمالية تعتبر ذات قيمة محتملة في ساحة المعركة الأوكرانية، وهي أسلحة الهندسة والمدفعية والمشاة.
واعتقد العديد من الخبراء العسكريين، في البداية، أن كوريا الشمالية سترسل وحدات الهندسة والبناء لمساعدة الجيش الروسي، ولن يعترضهم حاجز اللغة أو أي خطر كبير على حياتهم، بل يمكنهم العمل على بناء البنية التحتية العسكرية في الخطوط الخلفية، مثل بناء مستودعات تحت الأرض وتحصينات وطرق وجسور.
كما يبدو إرسال وحدات مدفعية من كوريا الشمالية أمرا منطقيا، نظرا لأن المدفعية واحدة من أقوى المكونات الحديثة نسبيا في جيش كوريا الشمالية، إذ تمتلك بيونغ يانغ ما يزيد على 20 ألف نظام مدفعية وقذائف هاون، وتواصل تطوير أنظمة جديدة وتنتج الكثير من الذخيرة.
وعلى الرغم من ذلك يمثل إرسال وحدات المدفعية أمرا غير منطقي إلا إذا أحضرت كوريا الشمالية معداتها وذخيرتها الخاصة، نظرا لأن الجيش الروسي يعاني من نقص الذخيرة مع دخول الحرب عامها الثالث، كما لا يمكن أن تمر معدات عسكرية من كوريا الشمالية عبر روسيا دون ملاحظة، بيد أن أحدا لم يلحظ ذلك.
وأشارت معلومات، خلال الفترة الماضية، إلى أن بيونغ يانغ ترسل قوات خاصة من النخبة إلى روسيا، إذ أفادت أوكرانيا بوصول ثلاثة جنرالات من كوريا الشمالية إلى روسيا، أحدهم، كيم يونغ بوك، قائد القوات الخاصة الكورية الشمالية ويشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة، كما يتولى الاثنان الآخران قيادة الاستخبارات والعمليات في الجيش.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي (6 نوفمبر/تشرين الثاني)، أن قوات كوريا الشمالية تكبدت أولى خسائرها في المعارك مع قوات مشاة البحرية الروسية، وأضافت أن قوات من كوريا الشمالية تقاتل في صفوف اللواء البحري المنفصل رقم 810 الروسي، والذي يعمل حاليا في منطقة كورسك.
كما أعلن سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة، سيرغي كيسليتسيا، أن جنودا من كوريا الشمالية يحصلون على وثائق روسية وزي عسكري، وأفاد أن كوريا الشمالية تخطط لإرسال نحو خمس وحدات قتالية تضم كل منها 2000 إلى 3000 جندي لمساعدة روسيا.
ويزعم أندريه كوفالينكو، رئيس المركز الأوكراني لمكافحة التضليل، أن القوات الروسية في منطقة كورسك بدأت تدريب قوات من كوريا الشمالية على استخدام طائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية مختلفة.
هل يمكن لقوات كوريا الشمالية أن تغير ديناميكية الحرب؟
لا يشكل 10 آلاف إلى 15 ألف جندي قوة كبيرة في سياق حرب أوكرانيا.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أفادت في يوليو/تموز، أن نحو 190 ألف شخص وقعّوا عقودا منذ بداية العام، أي ما يقرب من ألف مجند جديد يوميا، وبالتالي، يجند الجيش الروسي ضعف أو ثلاثة أضعاف عدد الجنود الذين أرسلتهم كوريا الشمالية شهريا.
وعلى الرغم من ذلك، يظل إمداد القوات بتعزيزات جديدة أولوية لدى القيادة الروسية، وخاصة بين وحدات الهجوم التي تعاني من الخسائر الفادحة.
وبغض النظر عن حاجز اللغة، يمكن إرسال جنود مشاة من كوريا الشمالية إلى القتال مع توفير الحد الأدنى من التدريب، لأنهم على دراية بالفعل بالأساسيات العسكرية.
فضلا عن ذلك، من غير المعروف عدد القوات التي ترغب كوريا الشمالية في إرسالها، إذ قد تمثل هذه مجرد دفعة أولى، نظرا لأن إمكانات التعبئة لدى كوريا الشمالية هائلة.
ما الذي تكسبه بيونغ يانغ؟
استفادت كوريا الشمالية بالفعل من مبيعات الأسلحة إلى روسيا، إذ تراوحت التقديرات بين 2 مليار دولار و5 مليارات دولار. كما يعد إرسال قوى عاملة إلى منطقة الصراع مربحا أيضا، فإذا نظرنا إلى الحد الأدنى لراتب الجندي الروسي في الحرب، فإن بيونغ يانغ قد تكسب نحو 250 مليون دولار سنويا مقابل 10 آلاف جندي.
فضلا عن ذلك تأمل كوريا الشمالية أن يستفيد من التكنولوجيا العسكرية الروسية، لا سيما في مجالات الصواريخ والفضاء والبحرية والنووية، وكلما زاد دعم كوريا الشمالية، زادت قدرة بيونغ يانغ على طلب معرفة الأسرار العسكرية الروسية.
كما تكتسب قوات كوريا الشمالية خبرة في القتال الحديث، الأمر الذي يعزز قدرتها العسكرية، لا سيما وأن كوريا الشمالية لا تزال في حالة حرب من الناحية الفنية مع كوريا الجنوبية.
ما رد فعل حلفاء كييف؟
أعرب حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة ودول أخرى تدعم أوكرانيا عن قلقهم إزاء تفاقم الصراع، وتجدر الإشارة إلى أن قوات كوريا الشمالية موجودة على الأراضي الروسية وليس الأوكرانية، وبالتالي فإن وضعها غامض.
وليس واضحا عموما كيف قد يغير الحلفاء من دول الغرب موقفهم، فقد يعززون الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا، مع نهوض كوريا الجنوبية، إحدى أكبر منتجي الأسلحة في العالم، بدور كبير إذا قررت تقديم مساعدات عسكرية لكييف.
كما تشكل العقوبات الجديدة ضد روسيا خيارا مطروحا، وقد يستغل الغرب أيضا استياء الصين، حيث قد تنظر بكين إلى العلاقات الوثيقة بين روسيا وكوريا الشمالية باعتبارها تهديدا لنفوذها على بيونغ يانغ.
وعلى الرغم من ذلك فمن غير المرجح أن تؤدي هذه التدابير إلى تعطيل مساعي روسيا وكوريا الشمالية من أجل تعزيز التعاون العسكري بينهما.
- لأول مرة، الناتو يؤكد وجود قوات كورية شمالية في كورسك الروسية
- قائد القوات البريطانية: روسيا تكبدت خسائر بشرية فادحة في شهر واحد
- الحرب الروسية الأوكرانية: دروس مستفادة للقيادات العسكرية
Powered by WPeMatico
Comments are closed.