الانتخابات الأمريكية 2024: اليهود الأمريكيون والولاية الحاسمة
تعتبر ولاية بنسلفانيا الولاية الأكثر أهمية في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يتنافس فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري مع نائبة الرئيس كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي. وفي بنسلفانيا أمريكيون من أعراق ومجموعات مختلفة ومتنوعة ومن أبرزها تجمع كبير للأمريكيين اليهود.
وفي انتخابات تتقارب فيها نتائج استطلاعات الرأي بدرجة نادرة فإن أصوات الأمريكيين اليهود قد تحسم بنسلفانيا لصالح ترامب أو هاريس وقد يؤدي ذلك إلى حسم النتيجة في كل أمريكا. فمن الصعب تصور فوز أحدهما في الانتخابات في عموم أمريكا من غير الفوز في بنسلفانيا.
كان لابد لي في نطاق متابعتي وتغطيتي للانتخابات الأمريكية أن أذهب، ومعي فريقي من الزملاء في بي بي سي نيوز عربي، إلى بنسلفانيا.
ذهبت إلى هناك لأكثر مرة في الأشهر الماضية لكن زيارتي الأخير لبنسلفانيا، قبل أيام من الانتخابات، كانت تحديدا لاستطلاع رأي الأمريكيين اليهود بعد أن زرت ولاية ميشيغان وتحدثت مع الناخبين الأمريكيين العرب.
وإذا كانت قضية حرب غزة والوضع في الشرق الأوسط تمثل الأولوية الأكبر عند الناخبين العرب والمسلمين فهي تعد أيضا قضية أساسية عند اليهود الأمريكيين من زاوية اهتمام كثير منهم بأمن إسرائيل والدعم الأميركي لها.
بنسلفانيا هي الأكبر من بين سبع ولايات ستعتمد عليها نتيجة الانتخابات الأمريكية. وهذه الولايات هي نيفادا وأريزونا وجورجيا وكارولينا الشمالية ووسكونسن وميشيغان بالإضافة إلى بنسلفانيا طبعا.
تسمى هذه الولايات بالولايات المتأرجحة لأن نسب تأييد حزب ترامب الجمهوري وحزب هاريس الديمقراطي تتقارب فيها بصورة كبيرة. يؤدي ذلك إلى أن تأتي النتائج في العادة بفارق ضئيل جدا للفائز الذي قد يأتي مرة من الجمهوريين ومرة من الديمقراطيين.
وقد فاز ترامب في بنسلفانيا عام 2016 بفارق يقل عن الواحد في المائة عندما أصبح رئيسا لأمريكا لكنه عاد ليخسرها بعد أربع سنوات ويخسر الانتخابات الرئاسية كلها. وكان الفارق في بنسلفانيا لصالح بايدن قريبا من الواحد في المائة من مجموع أصوات الناخبين بالولاية.
رحب بي جيف بارتوس، وهو أميركي يهودي وناشط سياسي في الحزب الجمهوري، في منزله في حي هادئ من ضواحي فيلادلفيا، المدينة الأكبر في بنسلفانيا. وتحدث لي عن انهماكه في الحملات الانتخابية لترامب وللمرشحين الجمهوريين الآخرين في الكونغرس والمناصب الأخرى.
ومن المعلوم أن الانتخابات الرئاسية ترافقها انتخابات لمجلس النواب وجزء من مجلس الشيوخ. ويشتد التنافس في كل الانتخابات هذه المرة.
يعرف بارتوس معنى الخسارة في الانتخابات في بنسلفانيا فقد ذاقه قبل سنوات عندما ترشح لمنصب نائب الحاكم. ويقول إن هاريس ستخسر في بنسلفانيا وأنها عندما تجلس لتراجع نفسها وأسباب خسارتها ستكتشف تلك الأسباب.
يتهم بارتوس هاريس بأنها تأرجحت في خطابها فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل لمحاولة إرضاء الأمريكيين المنتقدين لإسرائيل والمؤيدين لعلاقة قوية معها في وقت واحد، بينما كان ترامب حاسما وتوجهاته واضحة.
يرى بارتوس أن ترامب هو الأقوى في دعم إسرائيل والضغط على إيران التي يراها سبب الحروب وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وعلى هذا الأساس يتوقع بارتوس أن مرشح حزبه ترامب سيفوز في بنسلفانيا بالإضافة طبعا إلى سجله في القضايا الداخلية الأمريكية وأبرزها الاقتصاد والهجرة.
لكن الحزب الديمقراطي، حزب نائبة الرئيس كامالا هاريس يبقى الحزب الذي يحظى بتأييد النسبة الأكبر من اليهود الأمريكيين ومنهم بيث جانس التي حدثتني بطريقة لم تخل من التأثر عن إدانتها لترامب وأساليبه وسياساته.
تقول جانس، وهي حاخام وتنتمي إلى التيار الإصلاحي في العقيدة اليهودية، أن الوصية التي تكررت لستة وثلاثين مرة في التوراة لليهود هي أحبوا الغرباء الذين يعيشون معكم لأنكم عشتم غرباء في أرض غريبة في الماضي. وتنتقد بشدة سياسات ترامب في مجال الهجرة وتذكر بفرضه حظرا على دخول المهاجرين والمسافرين من بلدان ذات غالبية مسلمة عندما كان رئيسا.
وتقول إن ترامب نجح في تفريق الأمريكيين ومن بينهم اليهود وزرع الشقاق بينهم من خلال تشجيع الاستقطاب والاختلاف في الآراء والدفع لتأييد سياسات متشددة من خلال أسلوبه و تأجيجه وإثارته لقضايا حساسة مثل الهجرة وتشجيع اتباع سياسات تعتبرها غير إنسانية في معالجتها.
فهي ترى أن التصويت لترامب أمر خاطئ سواء جاء من يهودي أو غير يهودي فهي ترى أن ترامب وسلوكياته وسياساته تتناقض مع القيم اليهودية والقيم الإنسانية.
وتعلق جانس الآمال مع ذلك على فوز هاريس وتأمل أن يكون اليهود الأمريكيون في بنسلفانيا جزءا من ذلك الفوز بأصواتهم. فهي لا ترى أن كثيرا من اليهود قد تحولوا نحو تأييد ترامب بل تعتقد أن غالبيتهم سيصوتون للحزب الديمقراطي ولهاريس خصوصا أن هناك قضايا ترجح كفة المرشحة الديمقراطية مثل حق الإجهاض الذي تؤيد هاريس توسيعه وتحتج بشدة على تقييده.
وهذه القضية تحديدا تمثل نقطة قوة كبيرة لصالح هاريس على حساب ترامب خصوصا في أوساط نسبة كبيرة من النساء من مختلف الأعراق والتوجهات.
وترى جانس أن هاريس ستكون قائدة أفضل على المسرح العالمي. أما ترامب فتصفه بالأناني الذي لا يخدم سوى مصالحه الشخصية حتى عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فهو يدعمها عندما يخدمه ذلك وليس انطلاقا من مبدأ والتزام ثابت.
لكن جانس أيضا تعتقد رغم كل ذلك بأن التوقع صعب جدا وبأن نسب التأييد متقاربة.
يبرز أيضا بين اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس في بنسلفانيا، بيرت سيغل، وهو إعلامي ولديه برنامج إذاعي في بنسلفانيا يركز على رؤية اليهود الأمريكيين للسياسة والقضايا المعاصرة.
ويعتقد سيغل بأن ترامب كاذب وبأن سياساته وخطابه المعادي للهجرة والمهاجرين جعل من هذه القضية مشكلة كبيرة. ويصف سيغل نفسه بأنه صهيوني بمعنى تأييده لقيام ودوام وجود دولة يهودية هي إسرائيل.
ويقول إنه يشعر بالإهانة عندما يعتقد أي أحد أن في ذلك عنصرية. فهو يرى مشتركات كثيرة بين الأديان الإبراهيمية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. ويدعو ويأمل في أن تكون العلاقات بين معتنقي هذه الأديان وغيرها علاقات قائمة على أساس انساني.
ويبدي اطمئنانه بأن هاريس سوف تؤيد إسرائيل وبأنه ليس هناك أي مؤشر على العكس. ومن اللافت للنظر أنه يعتقد أن إسرائيل ليست بالضرورة الأولوية الأولى عند الناخبين الأمريكيين اليهود رغم أهميتها عند كثير منهم. فهناك قضايا أخرى داخلية تحدد آرائهم بالإضافة إلى شخصية المرشحين.
رغم كل ذلك فان حزب ترامب الجمهوري وحملته الانتخابية ترى أن هناك فرصة كبيرة لإقناع جزء من الناخبين الأمريكيين اليهود في بنسلفانيا في تغيير موقفهم السابق المؤيد للديمقراطيين نحو تأييد ترامب.
ويشكل النائب السابق بيتر دويتش، وهو أميركي يهودي، جزءا مهما في ذلك الجزء من حملة ترامب الانتخابية وجهودها. فدويتش كان عضوا في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي في ولاية فلوريدا البعيدة عن بنسلفانيا. لكنه أصبح الآن مؤيدا لترامب إذ يراه الأفضل لأميركا ولليهود الأمريكيين. وقد أتى دويتش إلى بنسلفانيا وهو يقيم فيها منذ أسابيع ليعمل على إقناع اليهود الأمريكيين للتصويت لترامب.
كتب دويتش مقالا في صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيلية في الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
يشرح المقال أطروحة دويتش وحملة ترامب التي تسعى لإقناع اليهود الأمريكيين بأن الخيار الأفضل لهم هو ترامب لالتزامه بإسرائيل وأمنها وضغطه على ايران وأيضا سياساته الداخلية في أمريكا.
أما قضية معاداة السامية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة داخل أمريكا فهي أمر يقر معظم من تحدثنا معهم بوجوده. لكن يميل الديمقراطيون لتحميله لترامب وخطابه. بينما يحمله أنصار ترامب للديمقراطيين، إذ يقول دويتش مثلا بأن معاداة السامية تصاعدت بصورة ملحوظة بعد السابع من أكتوبر.
ويعرب دويتش عن ثقته بأن ترامب سيفوز بأكبر نسبة من أصوات الناخبين الأمريكيين اليهود مقارنة بأي رئيس أمريكي سابق. وإذا تحقق ذلك التوقع فقد يعني أن ترامب سيفوز في بنسلفانيا وسيفوز بالتالي على الأغلب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن اللافت للنظر أن استراتيجية حملة ترامب تقوم على التركيز على اليهود الأمريكيين في بنسلفانيا وعلى العرب والمسلمين في ميشيغان وهما مجموعتان تبدوان متناقضتان ومختلفتان خصوصا عندما يأتي الأمر لحرب غزة وعلاقات أمريكا مع إسرائيل.
لكن المؤشرات المرصودة قبيل الانتخابات تظهر أن ترامب يحقق تقدما مع كلا المجموعتين لأن غضب جزء منهما من سياسات إدارة الرئيس بايدن ونائبته هاريس كبير وواضح. كل ذلك يبقى في إطار المؤشرات والتوقعات و لن تحسم الأمور وتتضح إلا بعد ظهور النتائج الكاملة للانتخابات.
- دليل مبسط لفهم مختلف مراحل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024
- حرب غزة حاضرة في السباق الرئاسي الأمريكي بعد نحو عام على اندلاعها
- كيف يمكن أن تؤثر الانتخابات الأميركية على منطقة الشرق الأوسط؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.