طالبان في ضيافة الإمارات: ماذا يريد بن زايد من سراج الدين حقاني؟
إلى العلن وفي زيارة عُدَّت الأولى له خارجيا منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان عام 2021، حطّ وزير الداخلية في حكومة طالبان سراج الدين حقاني في الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي، قبل أن تنتشر مقاطع فيديو له وهو في الحج في المملكة العربية السعودية.
في قصر الشاطئ في أبو ظبي، كان لحقاني لقاءٌ على أرفع المستويات .. اجتماعٌ مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وقد ضمّ الوفد الأفغاني، رئيس الاستخبارات العامة عبد الحق وثيق.
بحسب وكالة الأنباء الإماراتية “وام”، فقد بحث الرئيس الإماراتي مع الوفد الأفغاني برئاسة سراج الدين حقاني وزير الداخلية، “تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين” وسبل تنميتها بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة خصوصا في المجالات الاقتصادية والتنموية ودعم الإعمار والتنمية في أفغانستان.
وقال المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد في منشور على X إن الجانبين تحدثا عن تعزيز العلاقات الثنائية، ومساعي طالبان للحصول على تعاون الإمارات في قطاع الصحة والبنى التحتية للمؤسسات الأمنية التابعة لطالبان، إضافة إلى إطلاق سراح السجناء الأفغان من سجون الإمارات، وتسهيل إصدار التأشيرات للأفغان ومشاركة الإمارات في إعادة إعمار أفغانستان وفي القطاعات الاستثمارية.
من هو سراج الدين حقاني؟
يقود سراج الدين حقاني جماعة أفغانية معروفة بـ”شبكة حقاني”، وهي مصنّفة في قائمة “المنظمات إرهابية” في الولايات المتحدة الأمريكية، لاتهامها بالتخطيط والتنفيذ لعدّة هجمات وعمليات اختطاف ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان والحكومة الأفغانية وأهداف مدنية.
كما أن حقاني مصنّف بشكل خاص من قبل وزارة الخارجية الأمريكية كـ “إرهابي عالمي”، وهو مطلوبٌ من قبلها وقد رُصدت مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل الإدلاء بأي معلومات عنه.
عام 2015 عُيّن سراج الدين حقاني نائبا لزعيم حركة طالبان، قبل أن يُعيّن وزيرا للداخلية بالوكالة بعد وصول طالبان إلى السلطة عام 2021.
ما هو الموقف الأمريكي من اللقاء؟
في تصريح لـ بي بي سي نيوز عربي، أعلن المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية سام وربيرغ أن واشنطن تعي تماماً العلاقات المعقدة التي تربط الدول بحركة طالبان، خصوصا تلك الموجودة في المنطقة.
وأضاف أن الإمارات العربية المتحدة شريكٌ مهم في دعم الشعب الأفغاني، بما في ذلك دعم حقوق النساء والفتيات الأفغانيات، والأفغان الذين فرّوا من بلادهم بحثاً عن إعادة التوطين، مؤكدا أن الإدارة الأمريكية مستمرة في التواصل مع جميع شركائها حول كيفية التعامل مع طالبان.
إلا أن وربيرغ حرص على التأكيد أن سراج الدين حقاني لا يزال مصنفًا تحت العقوبات الأمريكية لمكافحة الإرهاب، وقال إن الإدارة الأمريكية ستستمرّ في مراقبة الوضع عن كثب والعمل مع شركائها لضمان التزام الجميع بالمعايير الدولية.
وقال المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية إنه خلال زيارة الممثل الخاص لأفغانستان توماس ويست الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة في مايو/أيار الماضي، فقد دعا جميع الأطراف إلى تقدم الخريطة السياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2721 .
العلاقة بين الإمارات وأفغانستان
سبق للإمارات العربية المتحدة أن استضافت عام 2018 سلسلة لقاءات لتشجيع الحوار بين الأفغان بهدف إنهاء النزاع، وقد جمعت تلك الاجتماعات ممثلين عن حركة طالبان مع مسؤولين أمريكيين.
منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان عام 2021، تعاملت دول الخليج مع التطورات في أفغانستان بحذر، لكنها أبقت قنوات الاتصال مفتوحة مع نظام طالبان.
وقد لعبت الإمارات دورا كبيرا في عمليات إجلاء الأفغان في تلك الفترة، وتعهدت بمساعدة الشعب الأفغاني وإمداده بالمساعدات الإنسانية دعما للجهود الدولية الهادفة إلى تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في أفغانستان.
وبحسب المتابعين، يعيش في الإمارات اليوم أكثر من 300 ألف أفغاني من كل فئات المجتمع.
وفي عام 2022 وقّعت هيئة الطيران الإماراتية اتفاقاً مع حركة طالبان لإدارة مطارات رئيسية في أفغانستان، الأمر الذي اعتبره المجتمع الدولي أمرا حيويا لضمان وجود جسر دولي للمعونات الإنسانية.
بحسب المحلل الاستراتيجي الإماراتي، أمجد طه، فإنّ تعامُل دولة الإمارات مع طالبان يأتي من باب الواقعية السياسية والتعامل الصحيح في إيجاد حوار يوصل الجميع لهدف إيجاد الأمن والاستقرار والتنمية واحترام الإنسانية والحقوق.
ويضيف لـ بي بي سي نيوز عربي، أن دولة الإمارات تتعامل بواقعية مع حكومة طالبان كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وحكومات أخرى في طهران أو سوريا أو الضفة الغربية لأجل مستقبل أفضل للشعوب، لافتا إلى أن أفغانستان تمتلك موقعا جيوسياسيا مهما، فهي جسرٌ يربط الشرق بغرب وجنوب ووسط آسيا، وبالتالي تشكّل مجالا للاستثمارات الاقتصادية بما يصبّ في صالح ازدهار الشعب الأفغاني.
طه يرى أن أحد عناصر النجاح هي المصالحة الوطنية بين الأفغان وكل الأطراف المتصارعة في المجتمع الأفغاني، لافتا إلى أن الإمارات نجحت في ملفات دولية مماثلة في ما يخص السلام مثل إريتريا وأثيوبيا وصفقات فكّ الأسر بين أوكرانيا وروسيا.
أما رئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، عبد الجبار بهير، فيرى أنه وعلى الرغم من عدم الاعتراف الدولي بشرعية الحُكم في أفغانستان وعلى الرغم من أن قيادات طالبان ما زالت على القوائم السوداء ولا يُسمح لها بالسفر، إلا أن هناك مراجعة لهذه القوائم في المجتمع الدولي، كروسيا وكازاخستان.
ويضيف لـ بي بي سي نيوز عربي أن لزيارة حقاني للإمارات دلالات واضحة، لعلّ أبرزها أن حكومة أفغانستان تريد التواصل والحوار مع دول المنطقة، مشيرا إلى أنه بعد الضغط الأمريكي والأممي لعدم الاعتراف بشرعية حُكم طالبان، هناك اليوم إرادة في المنطقة لإخراج الحكومة الأفغانية من “انزوائها”، وكل ما يحصل عبارة عن محاولات من جانب الحكومة الأفغانية ومن جانب دول المنطقة لتعزيز العلاقات بين الطرفين، أي بين “الإمارة الإسلامية وحكم طالبان” وبين هذه الدول، بحسب بهير.
ويرى أستاذ العلوم السياسية والإعلام والباحث في الشؤون الدولية في قطر د. علي الهيل أن الإمارات هي أحد أكبر الدول في العالم العربي التي تهتمّ بالأمن الإقليمي، وربما تريد من خلال دعوة حقاني، أن تُشرك حكومة طالبان في مساعدتها على استتباب الأمن الإقليمي.
ويشير على سبيل المثال إلى وجود خصومة مع إيران، وبالتالي ترى الإمارات في أفغانستان حليفا إقليميا مهما لإحداث التوازن الإقليمي السياسي مع إيران، يقول الهيل لـ بي بي سي.
من الإمارات إلى السعودية
“ظهور” سراج الدين حقاني لم يقتصر على اللقاء الرسمي في الإمارات العربية المتحدة، بل انتشرت صورٌومقاطع فيديو تُظهر حقاني وهو في الحرم المكي الشريف لأداء مناسك الحج.
ويؤكد رئيس مركز الخليج للأبحاث د. عبد العزيز صقر لـ بي بي سي أن زيارة حقاني وغيره من قادة طالبان للمملكة العربية السعودية أتت لغرض أداء مناسك الحج، لافتا إلى أن المملكة لا تسيّس الشعائر الدينية مطلقا، وأنه قد تم صدر إعفاء من حظر السفر لأولئك الذين على قوائم العقوبات الأممية، على حدّ قوله.
موقف صقر لا يختلف كثيرا عن موقف أستاذ العلوم السياسية والإعلام والباحث في الشؤون الدولية في قطر د. علي الهيل، الذي يرى أن الذهاب للحج شيء طبيعي، وأن الموضوع لا علاقة له بالسياسة.
ويؤكد رئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، عبد الجبار بهير، وجود حقاني إلى جانب قيادات أخرى في السعودية، ويقول إن زيارة المملكة بعد الإمارات ليس بأمر غريب، فالبلدان الخليجيان كانا من البلدان التي اعترفت بشرعية طالبان في التسعينات إلى جانب باكستان.
أكثر من ذلك، يعتبر بهير أنه يمكن للسعودية والإمارات أن يكون لديهما تأثير واضح في قراءة منظمة التعاون الإسلامي لكيفية التعامل مع حكومة طالبان، خصوصا بعدما حضرت في السابق وفود من المنظمة إلى أفغانستان لدرس طريقة التعامل معها، من دون تحديد إطار واضح.
ولم يستبعد بهير أن تعلن كلٌّ من السعودية والإمارات في المستقبل القريب فتح القنوات التجارية مع حكومة أفغانستان، ولكنه يضيف أن الاعتراف بشرعية حكومة طالبان ما زال بحاجة إلى مزيد من قراءات دول المنطقة، إذ ما يزال بعض الدول يراعي الحساسيات الدولية في هذا الموضوع.
أين تقف قطر من المعادلة؟
لطالما احتضنت قطر كبار قادة حركة طالبان منذ أوائل عام 2010، وكان الغرض الأساسي من الحضور هناك، فتح مكتب لتسهيل المصالحة السياسية بين الحركة وحكومة أفغانستان والولايات المتحدة ودول أخرى.
كذلك برز دور قطر كوسيط أساسي في محادثات بين ممثلين عن طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن دورها في عمليات إجلاء الأجانب من أفغانستان.
في 30 يونيو/حزيران الجاري وعلى مدى يومين، تستضيف العاصمة القطرية “اجتماع الدوحة الثالث”، وهو اجتماع يحضره ممثلون خاصون لأفغانستان من دول مختلفة، أعلنت عنه الأمم المتحدة، واصفة إياه بأنه وسيلة لتعزيز الحوار الدولي.
وعن هذا المؤتمر، يقول رئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، عبد الجبار بهير، إنه يُعتبر بمثابة تقديم رؤية أممية تجاه أفغانستان، لكنه يأتي في ظلّ “قراءة” أمريكية، ولم “نصل في السابق إلى نتائج واضحة”.
وبحسب قراءته، وبعد زيارة حقاني لكلّ من الإمارات والسعودية، ترغب حكومة أفغانستان بفتح قنوات أخرى للتفاوض حول مستقبل أفغانستان والتعامل مع المجتمع الدولي، وهي بالتالي لا ترغب بربط نفسها فقط بقطر، على الرغم من أن الأخيرة لعبت دورا أساسيا في المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية والأفغانية -الأفغانية فضلا عن استضافتها لاجتماعات أممية حول أفغانستان، يقول بهير.
ويتحدث أستاذ العلوم السياسية والإعلام والباحث في الشؤون الدولية في قطر، د. علي الهيل، عن “غيرة” في السياسة الخليجية، ولكنه اعتبر أن قطر نجحت في احتضانها للملف الأفغاني بالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولطالما كرّست دورها في الحوارات الإقليمية والوساطات الحيادية الموضوعية.
كل تلك التطورات إن دلّت على شيء، فعلى خلط أوراق في المنطقة ستظهر نتيجتها في المستقبل القريب، علما أنه سبق للقائم بأعمال وزير الدفاع لدى طالبان الملا يعقوب، نجل المرشد الأعلى السابق لطالبان الملا عمر أن زار أبو ظبي في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وكانت وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو قد زارت أفغانستان في مايو/أيار الماضي، واجتمعت مع “سلطات الأمر الواقع” كما سمّتها الأمم المتحدة في بيانها حول الزيارة، إضافة إلى لقائها المجتمع الدبلوماسي في كابول وممثلي المجتمع المدني.
وقد ناقشت ديكارلو مختلف التحديات التي تواجهها أفغانستان من بينها حقوق الإنسان، خصوصا القيود المفروضة على تعليم المرأة.
Comments are closed.