المدينة الليبية التي تحولت إلى أرض قاحلة تفوح منها رائحة الموت
تستغرق الرحلة إلى مدينة درنة الليبية ضعف المدة الآن.
أثناء القيادة على طول الطريق من بنغازي، تتحول الحقول إلى بحيرات حمراء، ومع اقترابك منها، تبدأ حركة المرور في التباطؤ، وأعمدة التلغراف التي سحبتها مياه الفيضانات من الأرض أصبحت الآن عشوائية.
وعلى مسافة ليست ببعيدة، يوزع الجنود الكمامات على الركاب، وسرعان ما ستدرك السبب.
فرائحة الموت التي تفوح في كل أرجاء المدينة يكاد يكون من المستحيل وصفها، فهي تملأ أنفك: جزء منها رائحة مياه الصرف الصحي، وجزء آخر يصعب التعرف عليه.
في بعض الأحيان تكون الرائحة قوية جداً لدرجة الغثيان، خاصة عندما تقف مطلاً على الميناء حيث تخبرني فرق الإنعاش أن الجثث لا تزال تحت الماء.
ومع استمرار المد، يقع المسعفون في فخ أكوام الحطام التي تتعفن ببطء في مياه البحر. خشب مكسور، وسيارات كاملة تُرفع وتُسقط، والإطارات والثلاجات، كل شيء يختلط ويدور معاً في المياه الراكدة.
الصور ومقاطع الفيديو التي خرجت من درنة كانت قاسية وصادمة.
- الفيضانات في ليبيا “مشهد لا يمكن تخيله”
- سخونة المحيطات وراء كارثة فيضانات ليبيا
يتسع خط النهر الآن مثل جرح مفتوح، وربما يصل عرضه إلى 100 متر في بعض الأماكن. على هذه التلال من الطين، لم يبق شيء على الإطلاق، فهي الآن أرض قاحلة.
تستلقي السيارات مثل الألعاب المقلوبة على جوانبها بشكل عرضي أو مقلوبة رأساً على عقب، جرف الإعصار إحداها إلى داخل الشرفة المحيطة بمسجد الصحابة المميز.
انهارت الجدران المصنوعة من الكتل الخرسانية السميكة، واقتُلعت الأشجار من الأرض. ولم يقتصر الأمر على جرف الآلاف من الأشخاص فحسب، بل جرف الإعصار أيضاً منازلهم وممتلكاتهم وحياتهم.
بالنسبة للناجين، تغيرت الحياة هنا إلى الأبد، فهناك حزن كبير وغضب واضح.
فقد فارس غسار خمسة من أفراد عائلته في الإعصار. قال لنا باكياً: “لقد طُلب منا أن نبقى داخل منازلنا، لماذا؟ كان عليهم أن يخبرونا أن هناك عاصفة، وأن السد قديم ومتهالك”.
ويضيف: “بعض هذه المباني المدمرة يبلغ عمرها مئة عام، الأمر كله يتعلق بالسياسة. هناك حكومة في الغرب، وحكومة في الشرق، هذه هي مشكلتنا الكبيرة”.
وكان من بين القتلى ابنة فارس البالغة من العمر عشرة أشهر. أراني فارس صورهم على هاتفه: في البداية أحياء، ثم أجسادهم ملفوفة بعناية في البطانيات.
وفي نفس الوقت الذي نتحدث فيه، يقوم موكب من وزراء حكومة الشرق بجولة في منطقة الكارثة، إحدى السلطتين المتعارضتين في ليبيا، وقد أدى قتالهما إلى تدمير البنية التحتية للبلاد.
سألت رئيس وزراء حكومة الشرق أسامة حمد كيف يمكن أن يحدث هذا عندما يكون من المفترض أن تحافظ السدود على سلامة الناس؟
قال لي: “لقد كان إعصاراً قوياً جداً أقوى من السدود، هذه هي الطبيعة وهذا أمر الله”.
وتسري شائعات في الشوارع عن إخلاء كامل لمدينة درنة.
ويكافح أولئك الذين تُركوا في المدينة ضد عوامل الطقس، مع نقص المياه النظيفة والرعاية الطبية، فبعد مرور ما يقرب من أسبوع على العاصفة القاتلة، تتزايد التحديات التي تواجه الناجين منها.
Comments are closed.