الفيضانات في ليبيا “مشهد لا يمكن تخيله”
كانت العلامة الأولى على وجود شيء خاطيء هي أصوات نباح الكلاب. فقد كانت الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، عندما استيقظ حسام عبد القوى، المحاسب البالغ من العمر 31 عاما، والذي يسكن في مدينة درنه شرقي ليبيا.
عندما نزل متثائبا إلى الأسفل ليتفقد سبب نباح الكلاب، فوجيء بالمياه تغمر قدميه.
وعندما فتح باب المنزل فوجيء مع شقيقه الأصغرإبراهيم بالمزيد من المياه تندفع إلى داخل المنزل.
وفي مكالمة هاتفية من مدينة القبة، قال حسام إنه وشقيقه أسرعا ناحية الفناء الخلفي للمنزل، لتصدمهما المفاجأة، فـ “المشهد كان مروعا ولا يمكن تخيله. شيء أسوأ من الموت نفسه”.
وأضاف “لقد مرت جثتا امرأة وطفل طافيتان فوق المياه إلى جوارنا، وكان المنزل بأكملة محاصرا بتيار قوي من المياه، وبعض الجثث دفعتها المياه إلى داخل منزلنا”.
لقد أغرقت المياه منزل حسام وإبراهيم، ووصلت إلى الطابق العلوي، وعندما حاولا حمل والدهما فرقتهما المياه فجأة.
وتمكن إبراهيم من الإمساك بكابل كهرباء، متصل بعامود معدني، وتمكن من دفع جسده للعودة باتجاه شقيقه حسام، وتمكنا سويا من الوصول إلى مبنى مجاور، حيث وصلا إلى الطابق الثالث، ليقفزا إلى مبنى مجاور ويصعدا إلى الطابق الخامس، حيث كان بإمكانهما الانتظار حتى ينتهي الفيضان.
ويؤكد حسام “المنطقة التي كنا فيها هي الأعلى في المدينة”، لكن في المناطق المنخفضة، لا أتوقع أن ينجو أحد، حتى لو وصل إلى الطابق الخامس أو السادس، أعتقد أنهم جميعا قد ماتوا، رحمهم الله”.
وتختلف تقديرات الضحايا بشكل كبير. ويقول سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة إنه من المعتقد أن عدد الضحايا بلغ 6 آلاف ضحية، بينما تصل تقديرات الهلال الأحمر الليبي إلى 10 آلاف. أما عمدة المدينة فيرى أن عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم قد يبلغ 20 ألفا.
وتسبب خلل في أحد السدود خارج المدينة في انهياره مطلقا كميات هائلة من المياه بسرعة كبيرة نحو المدينة.
وتقول رحمة بن خيال، الطالبة البالغة من العمر 18 عاما “لقد قسمت مياه الفيضان مدينة درنه إلى قسمين، وكل ما بينهما اختفى، حتى الناس”.
وكانت البداية كميات بسيطة من المطر في اليوم السابق، ثم تحول الأمر إلى فيضان عنيف.
وكما تؤكد آمنه الأمين، البالغة من العمر 23 عاما، فإن الأمر لم يكن مقلقا في البداية، فقد كان المطر يتساقط أمامها هي وأشقائها الثلاثة الأصغر، والذين ترعاهم بعد وفاة والديهم، وكانوا يلعبون أمام مسكنهم في الدور الأرضي في مبنى مكون من 7 طوابق، قرب الشاطيء، وأعطتهم سترات النجاة للهو بها.
لكن بحلول مساء الأحد أصبح المطر أكثر غزارة، وبدأ صوت صافرات الإنذار، ولم يتمكن أشقاؤها من النوم.
وتقول آمنه في مكالمة هاتفية من مدينة طبرق “لقد بدأ الأمر قبيل الثانية والنصف صباحا، وبدأت الضوضاء تتعالى، وقال أحد أشقائي إن بإمكانه رؤية المياه تغمر الشوارع.
وبارتفاع المياه، بدأ الجيران الفرار، إلى الأدوار الأعلى، ومنهم آمنه وأشقاؤها، حيث وصلوا إلى الطابق الثالث.
وتقول “كان الناس ينظرون إلى الشارع، في الظلام، ويتضرعون إلى الله. وبارتفاع المياه ووصولها إلى الدور الثالث، بدأ الجميع في الصراخ، وتحركنا مرة أخرى إلى الطابق الخامس، وأخيرا إلى السابع، ثم إلى السطح”.
ومن فوق السطح “كنا نرى الحي بأكمله يغرق، مبان بارتفاع 3 طوابق غمرتها المياه تقريبا، وشاهدنا أسرنا وأقاربنا وجيراننا، فوق سطح ذلك المبنى يشيرون لنا بمصابيح الهواتف المحمولة، لكن في ثوان معدودة انهار المبنى تماما”.
وتضيف “لقد بدا الأمر كما لو أنه زلزال، هؤلاء الناس لم يتم العثور عليهم حتى الآن”.
بعض أقارب آمنه في عداد المفقودين. فقد كان عمها وزوجه وأولادهما الثلاثة يعيشون في مبنى قريب، لكنه انهار في الفيضان. وقالت “لقد كانوا يهاتفوننا بشكل مستمر لكن منذ يوم الفيضان لم نسمع عنهم شيئا”.
وأكدت أن إحدى الجارات انزلقت وجرفتها المياه أمامهم، ولم يتمكن زوجها وابنها من إنقاذها.
سارت آمنه وأشقاؤها لساعات وعبروا فوق الجثث باتجاه أراض مرتفعة.
ويتوقع حسام عبد القوي أن يرتفع عدد الضحايا بشكل كبير، لأنه شخصيا فقد حتى الآن 30 صديقا، وأكثر من 200 من المعارف.
ويقول محمد المنفي، من حكومة ليبيا المعترف بها دوليا، غربي البلاد، إنه طالب المدعي العام بفتح تحقيق في الكارثة، وأي شخص له صله بالمسؤلية فيما جرى يجب أن يحصل على عقابه”.
وأشارت منظمة الأرصاد والطقس الدولية إلى أن الكارثة كان من الممكن تجنبها لو كان لدى ليبيا مؤسسة عاملة في مجال المياه.
وقالت بيتري تالاش، رئيسة المنطمة “كان من الممكن أن تصدر المؤسسة تحذيرا ويقوم المسؤولون بإبعاد السكان وإجلائهم، وكان من الممكن أن نتجنب جميعا الكارثة التي جرت، والخسائر البشرية”.
ولايزال العديد من الناجين في انتظار العثور على أقاربهم المفقودين، بينما يتقبل الآخرون العزاء في المناطق المحيطة بالمدينة.
وتقول آمنة “لا أظن أنني سأتمكن من العودة إلى المكان نفسه أبدا، لقد قضيت حياتي بأكملها في تلك الشوارع، وكنا نعرف كل ركن فيها لكن كل شيء اختفى الآن”.
Comments are closed.