هل يقود بريغوجين انقلابا في روسيا؟
هذه لحظة حاسمة في حرب روسيا الشاملة المستمرة منذ 16 شهرا في أوكرانيا، وربما تمثل تحديا لقبضة فلاديمير بوتين على السلطة.
اتهم الرئيس الروسي زعيم مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوجين بالخيانة والشروع في تمرد مسلح وتوجيه “طعنة في ظهر روسيا”.
يقول بريغوجين، أحد أبرز الشخصيات في روسيا، إن هدفه “ليس انقلابا عسكريا بل مَسيرة نحو العدالة”.
ماذا يحدث مع قوات فاغنر؟
على مدى أشهر، لعب بريغوجين دورا حيويا في الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث قام بتجنيد الآلاف لصالح قوات فاغنر التي يتزعمها، لاسيما من السجون الروسية.
ودخل منذ فترة طويلة في نزاع مفتوح مع قادة الجيش الذين يديرون الحرب، قبل أن يتحول النزاع الآن إلى تمرد.
وعبرت قوات فاغنر من شرق أوكرانيا التي تسيطر عليها موسكو، إلى مدينة روستوف أون دون، الكبيرة جنوبي روسيا، وادعت أنها سيطرت على منشآتها العسكرية.
وقال الرئيس بوتين إن الوضع صعب، لكنه وعد ببذل قصارى جهده للدفاع عن روسيا.
هل هذا انقلاب؟
يصف بريغوجين جميع مزاعم الانقلاب العسكري بالسخيفة.
لكن ما بدأ كخلاف كبير بسبب فشل الجيش في تزويد مرتزقته بالمعدات والذخيرة الكافية، تحول الآن إلى تحدٍ مباشر للرجلين المسؤولين عن الحرب: وزير الدفاع سيرغي شويغو وقائد القوات المسلحة فاليري غيراسيموف.
حتى الآن هذا ليس انقلابا، حيث لم تحدث محاولة لانتزاع السلطة من الحكومة.
كما أن “الشركة العسكرية الخاصة” لبريغوجين لا تمثل الجيش أيضا، على الرغم من أنه يدعي أنه يحظى بدعم واسع النطاق.
- روسيا وأوكرانيا: بوتين يشكو “طعنة في الظهر” ويتعهد بسحق “تمرد” فاغنر المسلح
- فاغنر: بريغوجين قائد مجموعة المرتزقة يزعم السيطرة على المواقع العسكرية الروسية في روستوف
لكنها محاولة للإطاحة بكبار الضباط الروس، وبالتالي تُعد تحديا لسلطة الرئيس.
وعلى الرغم من أن الزعيم الروسي هو من سمح لبريغوجين بتطوير قواته، إلا أنه بات من الواضح أن بوتين لم يعد يسيطر عليه بعد الآن.
ومن الواضح أن الكرملين يأخذ هذا الأمر على محمل الجد؛ فقد أعلِنت منطقة موسكو بأكملها في حالة تأهب، في ظل “نظام عمليات مكافحة الإرهاب” الصارم، وأُلغيت الفعاليات الرئيسية.
هناك تدابير مماثلة جرى اتخاذها في منطقة فورونج بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لأوكرانيا.
وقال بريغوجين: “هناك 25 ألفا من قواتنا، وكل من يرغب في الانضمام، فليفعل ذلك”. وهذا أمر لا يكفي لتهديد الرئيس، لكنه يعد تحديا للقيادة العسكرية.
نقل بريغوجين قواته عبر الحدود إلى روستوف، ويبدو أنه حاصر مقر القيادة العسكرية الذي يدير المعارك الحربية في أوكرانيا، وأظهرت مقاطع الفيديو رجاله في وسط المدينة ولم يواجهوا أي مقاومة على ما يبدو.
وينفي بريغوجين خيانته لروسيا، وقال إن “الرئيس بوتين مخطئ بشدة”.
ماذا يريد بريغوجين؟
إن وصفه لما يحدث بـ “مَسيرة نحو العدالة” تعبير غامض، لكن خلافه مع القيادة العسكرية تصاعد بسرعة لدرجة أنه يريد التخلص منهم.
وظهر مقطع مصور لبريغوجين وهو يخبر نائب وزير الدفاع وقائدا عسكريا آخر في روستوف يوم الجمعة، أن مرتزقته سيغلقون المدينة ويتوجهون إلى موسكو، إلى أن يأتي المسؤولان العسكريان الرئيسيان (وزير الدفاع ورئيس الأركان) ويتحدثان معه.
وهناك تقارير عن إسقاط مروحية عسكرية، وتحرك قافلة عسكرية لفاغنر شمالا على الطريق السريع إم-4 في منطقة فورونج شمال روستوف.
وأكد بريغوجين على أن خلافه ليس مع الجنود الروس في أوكرانيا، بل مع “المهرجين” الذين يقودونهم. وناشده العديد من القادة العسكريين أن يهدأ، لكن يبدو أن أوان ذلك قد فات.
ما العلاقة بين بوتين وبريغوجين؟
لطالما كان بريغوزين حليفا وثيقا للرئيس بوتين وقويت شوكته تحت قيادته، أولا كرجل أعمال ثري ثم كزعيم للمرتزقة.
وتكبد مقاتلو فاغنر خسائر كبيرة في الأوراح، في معارك السيطرة على باخموت شرقي أوكرانيا، والتي استمرت شهورا ولم تتحقق بالكامل. وألقى بريغوجين باللوم على كبار الضباط العسكريين في نقص الذخيرة، وتجلى ذلك من خلال مقاطع مصورة وتعليقات صاخبة على وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت عن إخفاقات وانشقاقات في الجيش الروسي في أوكرانيا.
لم يصب بريغوجين غضبه أبدا على الرئيس الروسي بشكل مباشر، لكن إشاراته الساخرة إلى “الجد السعيد” عُدت انتقادات غير مباشرة إلى حد كبير. وفي الشهر الماضي، تساءل كيف يمكن لروسيا أن تفوز إذا تبين أن “هذا الجد أحمق تماما”؟
في وقت سابق من هذا الشهر، أيد الرئيس بوتين تحرك سيرغي شويغو لإلزام جميع قوات المرتزقة في أوكرانيا بتوقيع عقود للانضواء تحت لواء وزارة الدفاع بحلول 1 يوليو/تموز، وهو ما رفضه بريغوجين، ورآه في سياق التحدي لنفوذه.
وفي كلمة مطولة في 23 يونيو/حزيران، قال بريغوجين للروس إن السبب الذي سيق لشن حربهم كان كذبة ومجرد ذريعة لـ “مجموعة صغيرة من الحثالة” للترويج لأنفسهم وخداع الجمهور والرئيس.
وتسارعت الأحداث منذ ذلك الحين.
السيطرة على مواقع عسكرية في روستوف
اتهم بريغوجين الجيش بشن قصف مميت على رجاله في أوكرانيا، لكن الجيش نفى ذلك، وفشل الرجل في تقديم الأدلة التي يتحدث عنها في كثير من الأحيان.
وفي وقت متأخر من يوم الجمعة، أعلن بريغوجين عن انطلاق “مسيرته نحو العدالة”، عبر قوة تبلغ 25000، وصفها بمجرد “احتياطي تكتيكي”، على أن يكون الجيش والبلاد بأسرها الاحتياطي الاستراتيجي.
وناشده الجنرال سيرغي سوروفكين، نائب قائد القوات في أوكرانيا، التراجع والخضوع لسلطة الرئيس بوتين.
كما وردت تقارير عن سيطرة مقاتلي فاغنر على منشآت عسكرية في فورونج شمالا باتجاه موسكو.
موقف صعب لبوتين وروسيا
لا يُعد هذا تحديا مباشرا للحرب الروسية في أوكرانيا أو لقيادة الرئيس، لكنه من الخطورة بمكان أن يلقي الزعيم الروسي خطابا متلفزا حازما لا هوادة فيه لمدة خمس دقائق.
على الأقل، يبدو فلاديمير بوتين كزعيم فقد السيطرة على وضع سريع التغير.
لقد هدد بريغوجين ليس فقط بإقامة معسكر في روستوف، ولكن بالتوجه نحو موسكو إن لم يُستجب لمطالبه العسكرية، فماذا سيحصل لو مضى بريغوجين في تنفيذ ما يتحدث عنه؟
يتمتع بريغوجين بدعم شعبي كبير في روسيا، وحتى لو فشل في المواجهة الحالية، سيظل هذا الموقف يمثل أزمة للجيش الروسي الذي اعتمد على مرتزقة فاغنر في أوكرانيا.
لكنها أيضا لحظة حرجة لزعامة بوتين وجرس إنذار للروس. ومن السابق لأوانه معرفة ما سينتهي إليه الأمر.
Comments are closed.