اشتباكات السودان: ما الروابط التي تجمع الخرطوم ونواكشوط؟
على الطريق إلى شامي، وسط غربي موريتانيا، لم يغيّر السائق الأغنية التي رافقتنا طيلة مشوارنا. “موريتاني سوداني”، تقول الأغنية. كان ذلك عام 2019، خلال رحلة حملتنا إلى مواقع التنقيب عن الذهب في الصحراء الموريتانية.
من الصعب حصر تاريخ العلاقات الموريتانية السودانية. فخطّ الساحل الرابط بين البلدين والذي يُرجّح مؤرخون وباحثون في الأنثروبولوجيا أنّ اسمه الحقيقي هو “السهل” وليس “الساحل”، كان ممرا استراتيجيا للتجار، منذ قرون، وزادت في حركيته مواسم الحج، خاصة بعد احتلال فرنسا للجزائر، في صيف 1830.
ورويدا رويدا، بدا أنّ الإرث المشترك بين البلدين عميق بشكل مثير. فالدبلوماسي السوداني هاشم سعيد، الذي شغل منصب مستشار ثقافي وإعلامي بسفارة بلاده لدى نواكشوط، يُعدد الأمثال الشعبية التي يشترك فيها شعبا البلدين، من بينها “الخيل تجقلب والشكر لي حماد”، وهو يعني أنك تقوم بعمل لكنه يُحسب لغيرك، أو “جارك القريب ولا ود أمك البعيد”، وهو ما معناه أنك تحتاج إلى الجار القريب، في أحيان كثيرة، أكثر من شقيقك الذي يبعد عنك.
تقارب الأمزجة
ويذكر السفير الموريتاني السابق، محمد ولد مصطفى، في دراسة، أنّ الموريتانيين تفاعلوا مع النوبيين، في أقصى شمالي السودان، والسكوت والمحس ومن يتبعهم من الدناقلة، بينما تواصلوا مع الشايجية والبديرية والمناصير، جنوبا. أمّا قرب النيل، يضيف ولد مصطفى، فكان التعامل أساسا مع الجعليين وفي وسط البلاد مع المسلمية والرفاعيين.
وركّزت الأنثرولوجيا، في أبحاثها في المنطقة العربية، على دول الضفة الجنوبية للمتوسط إضافة لبلدان الشرق الأوسط والخليج، مغفلة الثراء الذي نجدها على خطّ الساحل من تمازج وقرب في الأمزجة بسبب وطأة القبيلة والحركات الصوفية والطبيعة المحافظة.
ولا يختلف البلدان كثيرا في مؤشر التنمية البشرية الذي تصدره الأمم المتحدة، إذ تحتل السودان المرتبة الـ141، بينما ترزح موريتانيا في المرتبة الـ154، في إشارة إضافية إلى أنّ البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية شبيهة ببعضها البعض، مع اختلاف السياقات، ولا سيمّا فيما يتعلق بالجانب الديمغرافي.
وثمّة قناعة بأن البلدين لا يزالان يكابدان من أجل إرساء دولة مؤسسات، إذ يُعقّد الافتقار للمقومات الاجتماعية من تحصين النظام السياسي وتدخل “جهات موازية” في صنع القرار.
ما بعد الاستقلال وديناميكية الحكم
ومن نتاج هذا التراكم، ترأس محمد صالح الشنقيطي، ذو الجذور الموريتانية، أول جمعية تشريعية في السودان، ما بين عامي 1948و1953، في فترة تأسيسيّة فاصلة. وتشكلت النخبة الحاكمة، في كلا البلدين، حول المؤسسة العسكرية، حتى باتت الحاضنة الأهم للرؤساء.
وشهد البلدان فترة من عدم الاستقرار، بسبب الانقلابات العسكرية. ففي موريتانيا، بلغ عدد الانقلابات 7 خلال 39 سنة فقط، بينما بلغ في السودان، 13 انقلابا منذ استقلالها عام 1956.
ويُنظر إلى المؤسسة العسكرية، إلى وقت قريب، في السودان كما في موريتانيا، ضامنا للاستقرار بصيغة “الشرّ الذي لا بدّ منه”، لتوفير الحدّ الأدنى من التوازن بين المناطق والقبائل.
لكنّ الأجيال الجديدة باتت أكثر مقاومة لهذه الفكرة، دون أن تغامر بالقول إنّ “عهد الانقلابات قد ولّى وانتهى”.
مقعد لقائد عسكري واحد
ومع اندلاع الاقتتال الداخلي في السودان، بات من الواضح أنّ الساحة لا تتسع لأكثر من قائد عسكري واحد. فصداقة نحو عشرين عاما بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد دقلو المعروف بحميدتي، لم تصمد أمام تضارب المصالح بين الرجلين.
وهو الوضع الذي عاشته موريتانيا، منذ انتخابات الرئاسة، في 2020، وبعد مشاركتهما في انقلابين، عام 2005، ضدّ معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وفي 2008، ضدّ سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، تداول محمد ولد عبد العزيز ورفيق دربه، محمد الغزواني، المنحدران من المؤسسة العسكرية، على السلطة، قبل أن يسعى الأخير إلى احتواء الأول، لإبعاده عن دوائر صنع القرار.
وبمجرد انتخابه، دفع ولد الغزواني نحو تشكيل لجنة تحقيق في عشريّة ولد عبد العزيز، رغم أنه شغل منصب وزير للدفاع وكان أقرب المقربين من سلفه. وقال ولد عبد العزيز، الأربعاء، إنّ كلّ التهم التي وجهتها له اللجنة “ملفقة ومسيسة”.
مضيفا، أمام المحكمة الجنائية المختصة في جرائم الفساد أنه “سجن انفراديا لستة أشهر، وفي بيته رفقة عائلته ثمانية أشهر”. وأثار الصراع بين الرجلين توترا حادا في موريتانيا.
Comments are closed.