احتجاجات تونس: ما بين ” الثورة” والتآمر” ما أسباب التظاهرات في البلاد؟
احتشد عدد من أنصار جبهة الخلاص الوطني في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس في تظاهرة تلبيةً لدعوات من قيادات الجبهة الأسبوع الماضي، للمطالبة بالإفراج عن قياديين معارضين للرئيس قيس سعيد.
وتمكن عدد من المتظاهرين من اجتياز حاجزٍ أقامته الشرطة وسط تونس العاصمة، لمنع المتظاهرين من الوصول إلى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في المدينة.
وكان رئيس جبهة الخلاص الوطني التونسية نجيب الشابي قد قال خلال مؤتمر صحفي في وقت سابق، إن بلاده “تعيش حملةً واسعةً من القمع طالت جميع الأوساط”، مشيراً إلى أن عدد المحتجزين لدى السلطات الأمنية لأسباب سياسية “وصل إلى 44 شخصاً، 3 منهم من قيادات جبهة الخلاص”.
وتأتي تظاهرة أنصار جبهة الخلاص التونسية بعد يوم من تظاهرات اعتبرها مراقبون الأكبر للنقابات العمالية في تونس احتجاجاً على إجراءات وسياسات الرئيس قيس سعيد الأخيرة.
“التآمر على أمن الدولة”
ونظمت جبهة الخلاص الوطني تظاهرة في الخامس من مارس آذار، بالمخالفة لقرار السلطات التونسية برفض منح ترخيص للجبهة للتظاهر بسبب ما قالت إنه ”تعلّق شبهة جريمة التآمر على أمن الدولة بعدد من قياديي الجبهة” حسبما نقلت وكالة الأنباء التونسية، كما منعت القيادي النقابي الإسباني ماركو بيريز مولينا من دخول البلاد للمشاركة في تظاهرات النقابات العمالية السبت، بعد تحذيرات من الرئيس سعيد من مغبة التسامح مع مشاركة أجانب في التظاهرات في البلاد.
وكانت السلطات التونسية قد نفذت حملة اعتقالات واسعة طالت شخصيات بارزةً من المعارضة على مدى الأسابيع الماضية، ووجهت إليهم اتهاماتٍ بـ”التآمر ضد أمن الدولة”.
ووصف الكاتب الصحفي التونسي فتحي بوجناح ما يجري في بلاده بــ”الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الذي أوصل البلاد إلى مشهد ضبابي مع توغل الانقسام السياسي فيها”.
وأوضح بوجناح أن الأداء السياسي البرلماني أدى إلى نفور الشعب من الطبقة السياسية، ما أدى لإطلاق حركة “25 جويلية” التي قادها الرئيس سعيد صيف 2021، مشيراً إلى أن تلك الحركة لم تنجح في تأسيس مرحلة تعيد الثقة للطبقة السياسية، بل “زادت الهوة بين السياسيين”.
وفي 25 يوليو تموز 2021 أعلن الرئيس التونسي مجموعة إجراءات عُرفت بــ”حركة 25 جويلية” تم بموُجبها تعليق العمل بدستور البلاد، وتجميد عمل البرلمان ما أدى لانقسام واسع في البلاد بين القوى السياسية، بلغ ذروته خلال الفترة الحالية، إذ يقول بوجناح إن الأطراف الداعمة لقرارات سعيّد أصبحت قليلةً جداً في الوقت الحالي خاصةً بعد أن انضم الاتحاد التونسي للشغل للطرف المعارض.
غياب أصوات الحكمة
على صعيدٍ اقتصادي، شهدت تونس خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً في الأسعار ونقصاً حاداً في السلع التموينية الأساسية، وهو ما عزاه الرئيس التونسي قيس سعيد إلى “توغل الطبقة الفاسدة في البلاد” وحلّ المجلس الأعلى للقضاء كرد فعل لمكافحة الفساد، وحمل مسؤولية التدهور الإقتصادي لعدد ممن تمّ القبض عليهم مؤخراً، ليطلق في يناير كانون الثاني من العام الماضي استشارةً إلكترونيةً حول دستورٍ ونظامٍ سياسي واقتصادي في البلاد، وقال إنه سيتضمن “حلولاً للمشكلات الاقتصادية في البلاد، سيُشارك التونسييون في وضعها”.
- في تونس، سلسلة اعتقالات تؤكد “الوصول إلى نقطة اللاعودة”
- الحزب القومي التونسي ونظرية “الاستبدال العظيم”
ويرى الكاتب الصحفي التونسي فتحي بوجناح أن اتهامات سعيّد لمعارضيه كانت “مجرد قراءات مبنيةٍ على معطيات معينة”، موضحاً أن “عين المشاهد والمراقب ترى أن من تمّ اعتقالهم معارضون وليسوا من أصحاب المؤسسات الاقتصادية أو رؤوس الأموال”، ومشيراً إلى أن حركة “25 جويلية” التي أطلقها سعيّد وعدت بحل ّ المشاكل الاقتصادية وخلق فرص عملٍ، وهو ما لم يحصل، ما أدى للاحتقان السياسي الذي يزداد في تونس متأثراً بارتفاع الأسعار وسوء الوضع الاقتصادي على حد قوله.
وأوضح بوجناح أن الوضع في تونس يحتاج إلى أصوات الحكمة لتدارك الموقف، قائلاً “إن ما يجري يعكس عمق الشرخ الذي أصبحت تعاني منه البلاد”.
“بعيدٌ عن الثورة”
ومع اتساع رقعة التظاهرات في تونس وازدياد عدد المشاركين فيها، رأى عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الحراك في تونس ينذر بــ”ثورةٍ جديدةٍ”، وهو ما رآه بوجناح أمراً بعيداً في المرحلة الحالية.
وأشار بوجناح إلى “حقيقة” أن الأطراف المعارضة للرئيس سعيّد “تتماسك وتترابط فيما بينها ببطءٍ شديد”، غير أن ذلك لا يمكن أن يفجّر ثورة في الوقت الحالي، ومؤكداً أن توغل وتعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد هو ما يمكن أن يحدد مسار تطورات الموقف مستقبلاً.
Comments are closed.