الخارجة: ماذا نعرف عن أول مدينة مصرية صديقة للبيئة؟
في قلب الصحراء الغربية المصرية، تقع مدينة هي أبعد ما تكون عن ضوضاء العاصمة وكتلها الخرسانية. تستقبلك أشجار النخيل ومساحات خضراء على مد البصر عند اقترابك من مدخلها، ونقاء في الهواء يدفعك لإغلاق مكيف السيارة وفتح النوافذ. مدينة عنوانها “لا تلوث هنا.. مرحبا بك في الخارجة”.
في يونيو/ حزيران الماضي أعلنت وزير البيئة المصرية ياسمين فؤاد مدينة الخارجة، بمحافظة الوادي الجديد، كأول مدينة صديقة للبيئة في مصر، مؤكدة رغبة الحكومة في عرض الخارجة كنموذج ناجح خلال قمة المناخ بشرم الشيخ COP27.
فريق بي بي سي سافر إلى الخارجة ليلمس عن قرب المقومات التي أهلت المدينة لهذا اللقب وإمكانية تطبيق “نموذج الخارجة” على مدن أكبر وأكثر تلوثا كالقاهرة.
لماذا الخارجة؟
مدينة الخارجة هي عاصمة محافظة الوادي الجديد جنوبي مصر، تمتد على مساحة 85 ألف كم مربع، بعدد سكان لا يتجاوز 96 ألف نسمة.
تمتلك المدينة حزاما أخضر قويا وبدأت الاعتماد على الطاقة الشمسية خلال العقد الماضي. ورغم قلة سكانها فإنك تلمس وعيا جماعيا خلال سيرك في شوارعها بأن “هذه المدينة لنا.. فلنحافظ عليها”.
أولا: الاعتماد على الطاقة النظيفة
تتمتع الخارجة بشمس ساطعة طوال العام ودرجات حرارة قد تتجاوز 40 مئوية في فصل الصيف، دفع ذلك لبدء مشروع للاعتماد بشكل شبه كلي على الطاقة الشمسية في المدينة.
التقيت بأسعد فرح، مدير مدرسة الخارجة الثانوية للبنين، وهي من أوائل المباني التي أدخلت الطاقة الشمسية في المدينة عام 2019. يقول فرح: “كنا ندفع 2000 جنيه (أي نحو 100 دولار) شهريا لتزويد المدرسة بالكهرباء وبسبب الضغط المتزايد كانت الكهرباء تنفد أحيانا ونضطر إما للترشيد أو شحن الكهرباء مرتين في الشهر”.
تعرف على الدولة التي تبني ‘لندن جديدة’ كل عام
ويضيف: “الآن توفر المدرسة نحو 80 ألف جنيه (ثلاثة آلاف دولار) سنويا كانت تدفع للكهرباء وتنفق الآن على الأنشطة الطلابية” .
يقول فرح إن الطلاب هم أبرز من استفاد من الطاقة الشمسية، فالمراوح الآن تعمل داخل الفصول طوال اليوم الدراسي خاصة في فصل الصيف. بالإضافة لسبورة الشرح الإلكترونية الخاصة بالمعلم. “لم نعد نخشى انقطاع التيار أو نضطر رغم عنا للترشيد، فالطاقة الشمسية وفرت الكثير”.
ثانيا: الحد من التلوث
افتتحت الخارجة العام الماضي أول محطة لتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي بدلا من الوقود الأحفوري، وبحسب الخطة، فإن نحو 50% من السيارات في شوارعها تعمل الآن بالغاز ، خاصة سيارات الأجرة وحافلات النقل الجماعي.
التقيت بمحمود عاطف، أحد سائقي سيارات الأجرة في الخارجة. يقول لي إن تحويل سيارته للغاز الطبيعي قبل نحو 11 شهرا وفر له ثلثي ما كان يدفعه من قبل لتزويد سيارته بالوقود.
“كنت أدفع 250 جنيها (10 دولارات) يوميا لتموين البنزين، الآن أدفع نحو 70 جنيها (3 دولارات) فقط”. الغاز شجع الكثير من زملائي للعمل كسائقي سيارات أجرة فالمكسب أصبح أكبر، كما أن تحويل السيارة للغاز ليس مكلفا.
ويتابع محمود أن هناك محطة واحدة لشحن السيارات بالغاز في المدينة رغم تناقص أعداد السيارات التي تعمل بالبنزين، مضيفا أن هناك مطلبا جماعيا لسائقي الأجرة بتوفير محطة ثانية للتزد بالغاز في المدينة.
تعرف على المسجد الصديق للبيئة في بريطانيا
يعد الغاز الطبيعي من مشتقات الوقود الأحفوري، فهو ليس أخضراً 100%، ولكنه أقل تلويثا للبيئة من البنزين والسولار والديزل بنسب تصل إلى 20%، إذ ينتج الغاز الطبيعي انبعاثات عوادم أقل من الوقود، بحسب تقرير للوكالة الأمريكية لحماية البيئة EPA.
ثالثا: زيادة المساحات الخضراء
تُعرف الخارجة بواحة النخيل في مصر حيث يوجد بها نحو 700 ألف نخلة مثمرة، الأمر الذي جعل إنتاج التمور هو الأبرز في المدينة.
ويوضح محمد رجب، مدير شؤون البيئة في محافظة الوادي الجديد أن نصيب الفرد في الخارجة من المساحات الخضراء يصل إلى 2000 متر مربع مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يتراوح بين 1 إلى 2 متر مربع. بينما يصل نصيب الفرد في محافظات مصر الأخرى إلى 120 سم مربع فقط.
ويوضح المسؤول الحكومي أن كمية الأكسجين المتولدة من المساحات الخضراء في الخارجة تتجاوز 111 مليون لتر من الأكسجين، فيما تستهلك نحو 1850 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يجعل هواء المدينة على درجة عالية من النقاء.
رابعا: تدوير المخلفات
أثناء تجولك في شوارع الخارجة لا تلحظ أكياس قمامة متجمعة على الأرض، وهو منظر عادة ما تجده في محافظات مصرية أخرى.
رافقت إحدى عربات جمع القمامة في المدينة التي تبدأ عملها في تمام الخامسة فجرا يوميا لتنقل المخلفات إلى مصنع يبعد بضع كيلومترات عن المنطقة السكنية.
بدأ المصنع عمله في الخارجة عام 2002، ويقول لي مديره مصطفى عباس إن نحو 50 طنا من القمامة تجلب إلى هنا يوميا. “تفصل المخلفات في المصنع لثلاثة أقسام؛ مخلفات عضوية وهذه تحول لسماد طبيعي ينقل للمزارع القريبة، أو علب بلاستيك وتنقل لمصانع إعادة التدوير وثالثا العلب المعدنية وتنقل إلى ورش لإذابتها وإعادة استخدامها”.
إنجاز للحكومة أم خضراء بطبيعتها؟
يقول رجب إن الحكومة قامت بتخطيط الخارجة “جيدا” وهو ما ساعد على اعتبارها صديقة للبيئة. “فتم بناء المنطقة الصناعية خارج الكتل السكانية وتوزيع المساحات الخضراء بين المباني ومنع ارتفاع المبنى السكني عن عدد طوابق معين للحفاظ على المنظر الجمالي المريح”.
لكن محمد يونس، الباحث في العدالة البيئية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية يرى أن الخارجة لم تكن تحديا كبيرا، فهي مثال للمدينة التي بطبيعتها خضراء بموارد متاحة وعدد سكان قليل، لكن المشكلة تكمن في المدن والمحافظات الأكبر والأكثر اكتظاظا كالقاهرة والإسكندرية، على حد قوله.
ويرى يونس أن استراتيجية الحكومة الحالية تجعل من الصعب تكرار نموذج الخارجة في المدن الكبرى لسببين، هما سوء التخطيط والاهتمام بالعائد الاقتصادي بدلا من البعد البيئي.
“فمثلا في القاهرة تم توسيع خطوط المترو وزيادة أساطيل النقل الجماعي من حافلات وقطارات وهذا جيد لتشجيع السكان على استخدامها بدلا من سياراتهم وتقليل الانبعاثات، لكن في الوقت ذاته قمنا بتوسيع الطرق داخل المدن وهذا شجع السيارات على المشي فيها وقمنا كذلك بقطع الأشجار.”
ويضيف الباحث البيئي أن أولويات الحكومة غالبا ما تكون اقتصادية وليست بيئية في مشروعاتها، “فنهتم بمشروع مثل المترو لأنه سيدر عائدا لكن المساحات الخضراء عادة ما تكون مجانية. وأفضل دليل على ذلك هو اقتطاع جزء كبير من المساحات الخضراء لتحويله لأماكن خدمية كالمطاعم والمقاهي، وهذا هو النمط المتبع في أغلب المحافظات المصرية”.
حديث يونس يأتي متسقا مع تقارير لمنظمات بيئية وجمعيات حقوقية تنتقد ما تصفه بقطع “شبه ممنهج” للأشجار في عدة مدن مصرية خلال السنوات الماضية، خاصة في أحياء القاهرة المزدحمة، على حساب تطوير البنية التحتية وإنشاء شبكة طرق جديدة في البلاد.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في تقرير لها عام 2018، أن مدينة القاهرة لديها ثاني أعلى معدل لتلوث الهواء بين دول العالم. وحذرت المنظمة حينها من الآثار الصحية للجزيئات الدقيقة المتواجدة في الهواء الملوث، حيث يمكن أن تؤثر على عمل الرئتين ونظام القلب والأوعية الدمية وقد تتسبب في الوفاة.
Comments are closed.