مؤتمر المناخ 2022: هل يمكن للنشطاء والحقوقيين التظاهر في شرم الشيخ؟
“لن نرسل أيا من أعضائنا المصريين ولا أيا من أولئك الذين يتناولون الملف المصري حتى لا يتعرضوا لأي مضايقات في شرم الشيخ” هكذا حدثنا حسين بيومي الباحث المسؤول عن ملف شمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية عندما سألناه عن وفد المنظمة المشارك في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي والمنعقد في مصر.
وستكون هذه المرة الأولى التي يحضر فيها وفد من المنظمة الحقوقية البارزة إلى مصر منذ سنوات طويلة. وطالما انتقدت تقارير منظمة العفو الدولية الملف الحقوقي المصري متهمة السلطات بارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان وهو ما نفته السلطة مرارا واصفة تلك التقارير بالمسيسة.
وتتزايد المخاوف بشأن مساحة حرية الرأي التي ستتيحها الحكومة المصرية للمشاركين في مؤتمر المناخ من نشطاء وحقوقيين، إذ جرت العادة في كل الدورات السابقة لهذا المؤتمر أن تنظم مظاهرات حاشد دعما لقضايا بيئية وحقوقية متنوعة.
وترجع تلك المخاوف للقيود الصارمة التي تفرضها الدولة على حرية التظاهر والتعبير منذ صعود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للحكم عام 2014. وقال بيومي إن العفو الدولية تدعم حق الجميع في التظاهر على هامش مؤتمر المناخ لكنها لن تدعو لمظاهرات هذه المرة “خوفا على سلامة المشاركين نظرا للتضييق الأمني الذي تعيشه مصر”.
وانتقد بيومي تصريحا سابقا لوزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي يترأس القمة، قال فيه إنه سيتم تخصص منطقة محددة في شرم الشيخ يمكن للنشطاء أن يتظاهروا فيها كما يشاءون. “هذا التصريح يعني أن مصر ترفض مبدأ التظاهر خارج هذه المنطقة التي حددتها الحكومة ما يعد انتهاكا للحرية التعبير عن الرأي”.
مجتمع الميم
هناك من يشعر بخوف حقيقي من الذهاب إلى شرم الشيخ. فعلى بعد آلاف الأميال من المنتجع المصري المطل على البحر الأحمر وعبر الإنترنت، التقينا جيروم فوستر وإليجا ماكينزي وهما ناشطان بيئيان يعيشان في نيويورك. يحمل شريكا الحياة المثليان الكثير من التحفظات والاعتراضات على أسلوب تعامل مصر، سواء أكانت الحكومة أو الأجهزة الأمنية أو حتى المواطنين، مع مجتمع الميم.
وحرص كلاهما على حضور بعض الدورات السابقة لمؤتمرات المناخ دعما لقضايا البيئة وحقوق مجتمع الميم. ويقول إليجا البالغ من العمر 18 عاما “من المفزع أن نذهب لدولة تتعاظم فيها مخاوفنا ولا يمكننا فيها التصريح بأسلوب حياتنا أو شكل علاقتنا، حتى لا نتعرض للملاحقة سواء من السلطات أو من الناس.” ويضيف أن أعضاء مجتمع الميم دائما ما يواجهون صعوبة في التصريح بعلاقاتهم “خشية الوصمة المجتمعية في الكثير من دول العالم.
ويقول الناشطان إنهما صدما عندما سمعا “بمختلف صور التمييز والاضطهاد التي يتعرض لها أبناء مجتمع الميم في مصر”. ويوضح إليجا أنه يشعر بالكثير من التعاطف تجاه من يعيشون من أبناء هذا المجتمع داخل مصر.
ويؤكد جيروم، 21 عاما، وهو مستشار للبيت الأبيض لشؤون العدالة البيئية، إن مجتمع الميم من أكثر الفئات هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية نظرا للعادات والتقاليد في الكثير من المجتمعات. “تبيح الكثير من الثقافات فكرة التخلي عن أبناء مجتمع الميم وحرمانهم من المأوى. فعندما تحدث أعاصير أو فيضانات مثلا سيكون أعضاء هذا المجتمع آخر من يتم التفكير فيهم او حمايتهم”.
وفي عام 2017 ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على ناشطين مصريين واحتجزتهما لبضعة أشهر لأنهما رفعا علم قوس قزح الداعم للمثلية الجنسية خلال حفل لفرقة “مشروع ليلى” في القاهرة.
“فرصة كبيرة”
وإذا كان هناك من يخشى الذهاب إلى شرم الشيخ، فهناك من يقول إنه حرم من الذهاب إلى هذا المنتجع. فقد اشتكت منظمات حقوقية مصرية مستقلة من أنها لن تتمكن من حضور مؤتمر المناخ بسبب تعقيدات في عملية التسجيل.
وحتى تتمكن المنظمات المدنية من الحضور يجب أن تكون معتمدة لدى الأمم المتحدة. ولا تواجه المنظمات الحقوقية الدولية مثل هذه العراقيل الإجرائية لأنها تتمتع باعتماد دائم لدى الأمم المتحدة يمكنها من حضور مختلف مؤتمرات المناخ.
وتتهم منظمات مستقلة الحكومة المصرية بترشيح عشرات الجمعيات الحقوقية كي تحصل على اعتماد استثنائي من الأمم المتحدة يمكنها من حضور قمة شرم الشيخ من دون أن تخطر الجمعيات المدنية المحلية المعروفة بانتقادها للسجل الحقوقي المصري.
“من الواضح أن الحكومة المصرية لا ترحب بوجودنا لأنها تعتقد، خطأ، أن عملنا يشوه سمعة مصر” هكذا قال محمد عبدالسلام الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي من الجمعيات الحقوقية المستقلة القليلة التي لاتزال تعمل في مصر.
وكان عبدالسلام يتطلع للمشاركة للقاء الكثير من الوفود الحقوقية والصحفية وكذلك صناع القرار الذين سيحضرون فعاليات المؤتمر.
ويضيف “الفرصة التي حرمنا منها فرصة كبيرة. فهناك الكثير من القيود التي تعرقل سفر الحقوقيين خارج مصر. وكان هذا المؤتمر سيوفر لنا مساحة للقاء الكثير من الوفود وجها لوجه داخل الحدود المصرية”.
وكان محمد يأمل أن يتحدث داخل أروقة مؤتمر المناخ عما يؤرق الحقوقيين من قيود تعرقل عملهم. ويعاني حقوقيون مستقلون منذ سنوات المنع من السفر وتجميد الأموال. ويوضح محمد أن الملاحقات الأمنية التي تطال القطاع الحقوقي باتت تعطل قدرته على العمل الميداني “فالعمل الحقوقي في مصر مخاطرة”.
رد الدولة
نفت وزارة الخارجية المصرية في وقت سابق محاولة الحكومة استبعاد جمعيات مدنية بعينها من الحضور. وقالت في بيان إن قواعد المشاركة في كل دورات مؤتمر الأمم المتحدة معلنة ومعروفة للجميع. وأوضحت أن الحكومة المصرية، بصفتها المستضيفة للقمة، رشحت للحضور 56 منظمة مدنية من مصر وأفريقيا والشرق الأوسط بعد نقاشات مستفيضة مع الأطراف الوطنية والإقليمية العاملة في مجال تغير المناخ. وأشار البيان إلى أن تحرك الحكومة جاء من منطلق إدراكها أن عدد المنظمات المدنية المعتمدة بصفة دائمة لدى الأمم المتحدة من أفريقيا والشرق الأوسط محدود.
ويقول محمد عبدالسلام إن حضوره وحضور غيره من الحقوقيين المستقلين كان “سيعود بالنفع على الحكومة المصرية بالدرجة الأولى، لأنها كانت ستثبت للعالم أنها لا تعادي المجتمع المدني. لكن حرماننا من الذهاب يثبت بشكل قاطع أن الحكومة لاتزال على موقفها الذي يستهدف المجتمع المدني المستقل”.
Comments are closed.