التغير المناخي: ما السبب وراء ازدياد أحجام قطع الجليد وتكرار سقوطها؟
تسببت عاصفة جليدية شديدة، يوم الثلاثاء الماضي في كتالونيا، شمال إسبانيا، في وفاة طفلة تبلغ من العمر 20 شهرا، متأثرة بجروح جراء سقوط قطعة جليد ضخمة على رأسها.
ووصل قطر بعض القطع الثلجية المتساقطة، في تلك العاصفة إلى 10 سنتيمترات.
واستمرت العاصفة في إقليم جيرونا، لمدة تزيد عن 10 دقائق بقليل، لكنها خلّفت عشرات الجرحى. فلماذا أصبحت العواصف الثلجية، ظاهرة متكررة أكثر من أي وقت مضى؟
كتب ديفيد هامبلينغ من بي بي سي فيوتشر، مقالا نُشر في مارس/آذار من هذا العام، يشرح فيها الأسباب:
في مساء يوم 21 يوليو / تموز 2021، انهمرت فجأة من السماء قطع ثلجية، بحجم كرات الغولف على مقاطعة ليسترشير، وسط إنجلترا، ما أدى إلى تحطيم النوافذ والسيارات.
أما الحدائق التي كانت قبل لحظات من هطول حبات البَرَد، مكتظة بأناس يستمتعون بأشعة الشمس قبل الغروب، فتضررت بشدة بسبب الهطول الغزير للجليد.
فيضانات مفاجئة تودي بحياة العشرات في أفغانستان
فيضانات في جنوبي الصين تتسبب في إجلاء مئات الآلاف من منازلهم
لماذا تتفاقم كارثة السيول في السودان؟
وفي حين أن العاصفة الثلجية التي سببها التيار الهوائي المتصاعد، الذي ينتج عنه تشكل سحب مرتفعة في الغلاف الجوي، كانت غير عادية في شدتها، إلا أنها كانت معتدلة مقارنة بالعاصفة التي ضربت كالغاري في كندا في يونيو/ حزيران 2020.
وتسببت حبات البرد التي كانت بحجم كرات التنس في إلحاق أضرار بما لا يقل عن 70 ألف منزل ومركبة، ودمرت المحاصيل وخلفت في المنطقة أضرارا بقيمة 940 مليون دولار.
وكانت عاصفة البَرَد التي استمرت 20 دقيقة، واحدة من أكثر الحالات الجوية التي كبدت البلاد خسائر فادحة.
وتغير المناخ بدأ في تغيير نمط عواصف البَرَد. في ولايات تكساس وكولورادو وألاباما الأمريكية، حطمت أحجام حبات البرد الرقم القياسي في السنوات الثلاث الماضية، حيث وصل قطرها إلى 16 سم. وفي عام 2020، ضربت عاصفة بَرَدية طرابلس، عاصمة ليبيا، بلغ قطر حباتها حوالى 18 سم.
ولكن لماذا قد يتسبب الاحتباس الحراري في زيادة كمية الجليد المتساقط من السماء؟ وهل هناك حدود للأحجام التي قد تبلغها حبات البَرَد؟
الوزن والحجم والسرعة
يتشكل الثلج عندما تتصاعد قطرات الماء إلى أعلى خلال العواصف الرعدية. ينقلها تيار الهواء الصاعد إلى أجزاء من الغلاف الجوي حيث يكون الهواء باردا بدرجة كافية لتجميد القطرات. وتتراكم الرطوبة الموجودة في الهواء على السطح الخارجي لقطرات الجليد أثناء تحركها في الهواء، ما يتسبب في تنامي حبات البَرَد على شكل كرات ذات طبقات كطبقات البصل.
وتعتمد سرعة نمو حبات الثلج على كمية الرطوبة في الهواء. وتستمر في النمو إلى أن يضعف تيار الهواء المتصاعد، ويصبح غير قادر على إبقائها مرتفعة في الجو.
ويستطيع تيار الهواء المتصاعد بسرعة 103كم في الساعة حمل حبات الثلج بحجم كرة الغولف، في حين أن تيارا أسرع بنسبة 27% يستطيع حمل قطع بحجم كرة البيسبول، وفقا للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (على الرغم من أننا سنرى بعد قليل أن حجم هذه القطع لا يرتبط دائما بوزنها مباشرة).
ويجلب الهواء الذي يحتوي على نسبة أعلى من الرطوبة والتيارات المتصاعدة القوية قطعا أكبر. وعادة ما تسقط القطع الكبيرة، بالقرب من التيار الصاعد بينما تتساقط حبات البَرَد الأصغر بعيدا عنه، وغالبا ما تتطاير إلى هناك بفعل الرياح المتقاطعة.
المحفّز
يقول جوليان بريميلو، المتخصص في العلوم الفيزيائية في إدارة البيئة وتغير المناخ الكندية التابعة للحكومة الكندية، والذي درس كيفية تأثير تغير المناخ على تكوين الثلج “إن العواصف المدمرة التي تنتج قطع الجليد التي يزيد قطرها عن 25 مم، تتطلب مجموعة محددة من الظروف”.
إنها تتطلب رطوبة كافية وتيارات هواء صاعدة قوية و”عامل تحفيز”، عادة ما يكون عبارة عن جبهة هوائية.
هذا هو السبب في أن عواصف الجليد الخطيرة عادة ما تقتصر على مناطق معينة مثل السهول الكبرى في الولايات المتحدة ومدينة غولد كوست في أستراليا.
وعادة ما يكون هواء هذه المناطق باردا وجافا في الغلاف الجوي العلوي فوق الهواء الدافئ الرطب الموجود على السطح. ويؤدي هذا الوضع غير المستقر إلى تيارات هوائية صاعدة قوية وعواصف رعدية.
هذه المواقع معرضة بشكل خاص لنوع من العواصف الرعدية المعروفة باسم (سوبر سيلز)، والتي يمكن أن تنتج قطعا جليدية كبيرة جدا بسبب شدة تيارات الهواء المتصاعدة الدوارة الناتجة عنها.
ولكن نظرا لأن تغير المناخ يغير درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، كذلك تتغير كمية الرطوبة في الهواء.
ومن الممكن أن يحتوي الهواء الأكثر دفئا على المزيد من بخار الماء، بينما تعني درجات الحرارة المرتفعة أيضا تبخر المزيد من الماء من سطح الأرض.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى هطول أمطار غزيرة والمزيد من العواصف الشديدة في بعض أجزاء من العالم.
يقول بريميلو: “مع استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، من المرجح أن تتغير المناطق التي يحتمل بشكل كبير أن تشهد عواصف ثلجية، وقد تصبح منطقة ما يعتبر عدم وجود الرطوبة الكافية عاملا مقيدا فيها في الوقت الحالي، أكثر رطوبة في ما بعد، وبالتالي، قد يزداد تواتر عواصف الجليد”.
كثافة أكبر
أدى مزيج من رصد التغيرات المناخية التي تحدث بالفعل وصياغة نماذج للتغيرات المتوقعة إلى استنتاج الباحثين أن عواصف الجليد ستصبح أكثر تكرارا في أستراليا وأوروبا، ولكن سيكون هناك انخفاض في شرق آسيا وأمريكا الشمالية.
لكنهم وجدوا أيضا أن عواصف الجليد ستصبح أكثر حدة بشكل عام.
وعلى الرغم من أن هذه العواصف قد تصبح أقل تكرارا في أمريكا الشمالية، فإنه من المرجح أن يزداد حجم القطع الثلجية، عند سقوطها، وفقا لدراسة منفصلة أجراها بريميلو وزملاؤه ركزت على كيفية تغير الظروف في أمريكا الشمالية في عالم أكثر دفئا.
أحد أسباب ذلك هو أن الارتفاع الذي تبدأ عنده قطع الثلج في الذوبان أثناء تساقطها سيزداد، لذلك ستذوب القطع الصغيرة وتتحول إلى مطر قبل أن تصل إلى الأرض، لكن الحبات الأكبر ستمر بسرعة كبيرة عبر المنطقة الدافئة بحيث لن يكون للذوبان تأثير كبير عليها.
يقول بريميلو “لقد رأينا بالفعل دليلا على ذلك، حيث تشير بيانات ألواح الجليد في فرنسا إلى حدوث تحول في توزيع أحجامه”.
ألواح الجليد عبارة عن كتل من خامات ملساء تترك في العواصف وتتشوه عند اصطدامها بالجليد، وتعطي فكرة عن حجم حبات الثلج المتساقط، وأعدادها في المنطقة.
الكثافة
ربما يعني ذلك أن الضرر السنوي الناجم عن الجليد قد يزداد أيضا. لكن من الصعب تحديد المناطق التي ستشهد زيادته، بحسب بريميلو.
ويمكن أن تؤثر درجة الحرارة ودرجة الرطوبة في الهواء الذي تتشكل فيه حبات البَرَد على مدى كثافتها.
وفي الهواء شديد البرودة، يتجمد الماء بمجرد اصطدامه بحبة البرد، ولكن قد يؤدي هذا إلى الكثير من الهواء وإلى الاختلاط بالجليد. إذا تجمد الماء بشكل أبطأ، ربما لأن الهواء أكثر دفئا أو لأن كمية الرطوبة في الهواء عالية، ما يعني أنه لا يتجمد بالكامل على الفور، فإن فقاعات الهواء يكون لديها وقت للهروب.
يؤدي ذلك إلى جليد شفاف يميل إلى أن يكون أكثر كثافة. حبات البَرَد الصغيرة تبلغ كثافتها نصف كثافة الجليد الشفاف، حيث يوجد بها الكثير من الهواء لأنها تميل إلى التحرك بسرعة عبر الغلاف الجوي قبل السقوط مرة أخرى.
غالبا ما تتكون أكبر حبات البَرَد من خليط معقد من طبقات الجليد التي تتشكل أثناء تحركها في عمود الهواء.
يمكن أن يكشف النظر إلى مقطع عرضي من الجليد عن قدر كبير من كيفية تشكله، بينما توفر الهياكل الشبيهة بالجليد الموجودة على الجزء الخارجي من حبة البَرَد أيضا إشارات إلى كيفية دورانها في العاصفة.
الحجم
تؤثر كثافة حبة البرد أيضا على مدى نموها، فكلما كانت أثقل، زاد احتمال سقوطها من التيار الصاعد. كما أنها ستسقط بشكل أسرع أيضا، لأنه كلما زاد حجم حبة البَرَد، كلما قل السحب الذي تتعرض له لكل وحدة وزن واحدة.
وتم تسجيل أثقل حجر بَرَد سقط على الإطلاق في منطقة غوبالغانج في بنغلاديش عام 1986، وكان وزنه 1.02 كغم.
تسببت عاصفة البرد في مقتل 40 شخصا وإصابة 400 آخرين، وفقا للتقارير الإعلامية في ذلك الوقت، لكن التقارير التي صدرت لاحقا أشارت إلى وفاة حوالى 92 شخصا.
ولكن إلى أي مدى يمكن أن ينمو حجم حبات البرد؟
أقصى حد ممكن
يقدر عالم الأرصاد الجوية ماثيو كومجيان، من جامعة ولاية بنسلفانيا، أن أكبر حبة برد قد يصل قطرها إلى 27 سم، وهذا أكبر من كرة القدم، استنادا إلى بيانات محاكاة أنماط الطقس.
ولكن، لم يتم تسجيل أي شيء بهذا الحجم الكبير بعد، ويقول إنه يعمل مع بعض الزملاء على تحسين دقة التقديرات. في حين أن 27 سم هي النهاية العليا للتقديرات، فإن قطع البرد بهذه النسب ستكون غير منتظمة الشكل إلى حد كبير.
لكنه يقول إن المكونات اللازمة لتشكل مثل هذا الحجم الكبير لحبات البرد، تيارات هواء صاعدة قوية وكثير من الماء السائل فائق البرودة، ووقت طويل من التنقل والحركة في الهواء البارد، موجودة في الوقت الحالي.
“العواصف الرعدية القوية التي تنتج أكبر حبات البَرَد في العالم تحتوي على العديد من هذه المكونات معا، لذا ربما يكون بإمكان أقوى هذه العواصف اليوم إنتاج حبات برد عملاقة”.
Comments are closed.