سيدة الشاشة العربية: تعرضت لضغوط من المخابرات وتشويه ممنهج من الصحف
في يوليو/ تموز عام 1965، غادرت فاتن حمامة مصر وسط توقعات من جماهيرها بأنها زيارة عادية لزوجها النجم عمر الشريف، الذي كان في ذلك الوقت يحقق نجاحا في السينما العالمية، لكن تلك التوقعات ثبت أنها في غير محلها عندما طال غياب النجمة عن بلادها لسنوات.
عن هذه المرحلة بالذات يتحدث كتاب “سيدة الشاشة إن حكت – فاتن حمامة .. مذكرات وذكريات” لمؤلفه الناقد السينمائي ومدير مركز الهلال للتراث أشرف غريب.
في هذا الكتاب يتحدث غريب عن مسيرة سيدة الشاشة العربية التي دخلت إلى عالم السينما وهي لا تزال طفلة صغيرة وكانت لها فرصة تمثيل مشهد بسيط أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب في فيلم “رصاصة في القلب” في 1940، وختمت مشوارها السينمائي بفيلم أرض الأحلام في 1993
يستند المؤلف في كتابه إلى وثائق ومذكرات كتبتها حمامة بنفسها، فضلا عن شهادات فنانين وفنانات تحدثوا عنها.
ويقول غريب لبي بي سي نيوز عربي: “لعله من الصدف الغريبة أن يكون عام 1931هو نفسه الذي شهد ميلاد شادية وماجدة وهند رستم، هذا الجيل الذي صبغ سينما نهاية الأربعينيات وما بعدها بلون خاص”.
نجمة منذ الطفولة
تسللت الطفلة فاتن أحمد حمامة إلى عالم الشهرة عبر مجلة “الاثنين” التي كانت تصدرها دار الهلال بعد أن تقدم والدها بصورها في مسابقة نظمتها المجلة عام 1936، وهو ما أثار اهتمام المخرج، محمد كريم، بها ليرشحها لدور في أحد أفلام الموسيقار محمد عبد الوهاب.
ورغم تضارب بعض الروايات، التي حصل عليها المؤلف من مذكرات فاتن حمامة نفسها وتصريحات لوالدها ومذكرات للمخرج محمد كريم، اتفقت تلك الروايات على شيء واحد هو أن النافذة التي أطلت منها فاتن على عالم السينما كانت صورة نشرتها لها مجلة الاثنين.
وقال غريب: “أؤكد أن مجلة الإثنين، التي كانت تصدرها مؤسسة دار الهلال، قد أعلنت بالفعل فى أغسطس/ آب سنة 1936 عن مسابقة لاختيار أجمل وجه طفلة، وظهرت صورة فاتن للمرة الأولى في العدد رقم 118 بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر 1936 وكانت تحمل رقم 48 بين المتسابقين”.
ولم تكن الطفلة فاتن الأولى بين المتسابقات، بل كانت في المركز السادس. ولكن رغم ذلك، كانت هي من حظيت باهتمام المخرج محمد كريم فلعبت دورها الأول في فيلمه “يوم سعيد”.
“أبطال الهروب”
بدأت قصة الهروب عندما تعرضت فاتن حمامة للتضييق أثناء حركتها وسفرها إلى الخارج وعودتها إلى مصر، وفقا لمذكراتها التي سرد أشرف غريب أجزاء منها في كتابه.
وأرجع الكتاب ذلك التضييق إلى رغبة المخابرات المصرية، التي كان يرأسها في ذلك الوقت صلاح نصر، في تجنيدها للعمل لصالح الجهاز، وهو ما رفضته فاتن رفضا قاطعا.
وأشار الكتاب إلى جزء من مذكرات حمامة جاء فيه: ” عايشت ظلما كبيرا تعرض له كثيرون من حولي، وتعرضت للتضييق في حركتي وسفري للخارج وأشياء أخرى، إلى أن اتصل بى شقيق فنان كان يعمل بهيئة الاستعلامات (يبدو أنها تقصد مرسي سعد الدين شقيق الموسيقار بليغ حمدي) وكنت قد انتهيت من تصوير فيلمي “الحرام” و “حكاية العمر كله” والمشاركة في مسابقة مهرجان كان السينمائي الدولي، في هذا الاتصال طلب الرجل تحديد مقابلة مع أحد رجال المخابرات لأمر هام، ولم يكن أمامي سوى الترحيب بزيارته”.
وأثناء المقابلة، عرض عليها ضابط المخابرات العمل مع الجهاز وترك لها بعض الكتب عن الجاسوسية بعد أن حدثها كثيرا عن “أمن البلد والتضحيات”، وفقا لمذكرات النجمة المصرية.
وأشارت فاتن حمامة في مذكراتها إلى أنها رفضت ذلك العرض رفضا قاطعا بعد أن حرمها التفكير فيه النوم لأسبوع تحدثت خلاله إلى بعض الأًصدقاء المقربين في الأمر لاستشارتهم فيه.
وأكد المؤلف أن تلك المضايقات التي تعرضت لها فاتن حمامة زادت في أعقاب رفضها، مما دفع أحد أصدقائها إلى نصيحتها بمغادرة مصر قبل أن تضيق عليها الخناق، مرجحا أن هذه النصيحة كانت من الصحفي علي أمين، أحد مؤسسي دار أخبار اليوم مع شقيقه مصطفى أمين، والذي قال غريب إنه عمل جاهدا مع زكريا محي الدين، أحد الساسة البارزين الذي كانت تربطه علاقة أسرية بفاتن حمامة، على مساعدتها في الهروب من مصر.
“تشويه ممنهج”
في أعقاب هروبها من مصر وإفلاتها من قبضة صلاح نصر، مدير المخابرات العامة المصرية في ذلك الوقت، تعرضت فاتن حمامة لحملة تشويه ممنهج هي وزوجها عمر الشريف تورط فيها عدد من الصحفيين المصريين “سواء عن قصد أو غيره”، وفقا لأشرف غريب.
وقال غريب: “هذه الحملة كانت سببا فى إقالة رئيس تحرير مجلة الكواكب القاهرية من منصبه على يد الكاتب الصحفي أحمد بهاء الدين رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال في ذلك الوقت”.
وأضاف: “الذي حدث أن الناقد سعد الدين توفيق رئيس تحرير مجلة الكواكب حينئذ سمح فى يوليو/ تموز 1965 بنشر مجموعة من الرسوم الكاريكاتيرية لرسام الكاريكاتير عبد السميع يتهم فيها فاتن حمامة باللهاث وراء زوجها عمر الشريف فى عواصم أوروبا لمنعه من الارتماء فى أحضان الحسناوات أو لتقليده في الوصول إلى السينما العالمية”.
ودفع نشر هذه السلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية أحمد بهاء الدين، رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال في ذلك الوقت، إلى إقالة توفيق من منصبه، وفقا لغريب.
وكما كان هناك أبطال لهروب حمامة من مصر، كان هناك أبطال وراء إقناعها بالعودة إلى إلى مصر بعد أن زال الخطر الذي كانت تخشى تعرضها له من بطش المخابرات بعد تغير الظروف السياسية في البلاد.
ورجح غريب في كتابه أن أم كلثوم والروائي عبد الحميد جودة السحار والكاتبيوسف إدريس كانوا من أهم الشخصيات التي ساعدت حمامة على العودة إلى مصر.
فسعت أم كلثوم والسحار إلى الحصول على رسائل طمأنة من وزارة الداخلية إلى فاتن حمامة لتعود إلى بلادها بينما ناشدها إدريس عبر أثير الإذاعة المصرية بالعودة إلى مصر.
ورجح غريب أن عودة فاتن حمامة إلى مصر لم تكن بعد وفاة عبد الناصر كما هو شائع بين المهتمين بالوسط الفني في مصر، إذ قال في كتابه إنها عادت إلى مصر في فبراير/ شباط عام 1970 أي قبل وفاة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر بعدة أشهر في سبتمبر/ أيلول عام 1970.
Comments are closed.