ما قصة تغيير مذيع في بي بي سي اسمه إلى بولس؟
في أوائل العشرينيات من القرن العشرين، بدأ مارك وماري بلومينثال حياة جديدة. ورغم أن لوالديهما جذورا من ليتوانيا وروسيا، إلا أنهما انتقلا للعيش في بريطانيا.
ومع ارتفاع مد معاداة السامية في بريطانيا وأوروبا، قرر الزوجان، وهما من الجيل الثاني من المهاجرين، تغيير اسم العائلة اليهودي إلى أكثر اسم بريطاني تقليدي عرفوه، وهو “بلاند”.
واليوم، أصبح حفيدهما مذيعا في بي بي سي، وأعلن يوم الخميس الماضي تغيير لقبه إلى “بولس”، وهو اسم عائلة والدته ذو الأصول السودانية-المصرية.
ويقول بين إن رد الفعل كان إيجابيا إلى حد كبير، خاصة بين الناس ذوي الأصول المختلطة أو الذين تشغلهم مسألة الهوية.
“ولم أدرك من قبل عدد الناس الذين تؤرقهم نفس الأفكار التي شغلتني عن لقب العائلة، وما يعكسه ذلك عن هويتهم، وعدد من حاولوا تغييره بالفعل.”
وكان لكثيرين ممن تواصلوا معه تراث عائلي متعدد الثقافات، لكن الأسماء الإنجليزية شكلت حاجزا تجاه هذه الهويات. وخسر آخرون أسماء عائلاتهم بالزواج من بريطانيين.
وكان للكثيرين قصة مشابهة لقصة جديه لأبيه، عندما اضطرا لتغيير الاسم اليهودي إلى اسم بريطاني “من أجل البقاء على قيد الحياة” على حد قول بين.
كل هذه الأسئلة تزاحمت في رأس بين أثناء فترة الإغلاق، إذ دفعته العزلة الإجبارية إلى التفكير في هويته، وتأثيرها على عائلته ومسيرته المهنية.
“فالتفكير في الاسم والهوية أشياء عادة ما نتجاهلها في صخب الحياة اليومية، لكن الوقت الملائم لا يأتي أبدا، فالجميع مشغولون. فمتى تكون اللحظة المناسبة للحديث مع والديك بشأن تغيير اسمك؟”
وبمباركة والديه، غير بين اسمه على موقع تويتر “بقي اسم بين، لكن ليس بلاند.”
ويقول بين إنه منذ أن كان صبيا في المدرسة، كان مضطرا لمجاراة الحياة من جوله. وبالنظر للهجته ومظهره، اعتبره كل من حوله بريطانيا أبيض مثلهم تماما. لكنه كان يشعر بانفصال ثقافي بين فترة وأخرى.
لماذا يؤمن صينيون بأن تغيير الاسم يجلب الحظ السعيد؟
هل يأتي جيل من العرب أسماؤهم بلا معنى؟
ولم يفهم الناس سر احتفاله بعيد الميلاد وعيد الفصح في تواريخ مختلفة، هي تواريخ الاحتفال القبطي. وكانت حياته في المنزل عبارة عن خليط سوداني-مصري في الطعام والحديث، واستخدام اللغتين العربية والانجليزية، بشكل بعيد تماما عما يشي به اسم بريطاني مثل “بلاند”.
ويقول بين إن زملائه في بي بي سي كانوا كثيرا ما تأخذهم الدهشة بمهاراته اللغوية “وكل مرة كنت أشرح فيها خلفيتي الثقافية، يقول زملائي “كيف لم تخبرنا بذلك من قبل!” كنت دائما أشعر أنه من الغرابة أن أظل أحكي هذه القصة طوال الوقت.”
وحقق اسم “بلاند” ما أراده أجداد بين بالضبط، وهو “إخفاء أي وجه للاختلاف” على حد قول بين.
“والآن لدي اسم يعكس تراث عائلة أمي، ولم يصبح الأمر قاصرا على من يحلون الألغاز ويدققون في التفاصيل. الأمر الآن أشبه بسقوط القناع، والكشف عن كل شيء للناس.”
ويقول بين إنه فخور بتراثه اليهودي، تماما كفخره بإرثه المصري-السوداني، وإنه فكر بالفعل في العودة إلى اسم “بلومينثال”.
لكنه أراد اسما يعكس “صورة أكبر عن شخصيتي والعوامل التي أثرت في حياتي.” واسم بولس يعكس الهوية التي لعبت الدور الأكبر في تكوينه، وهو الدين المسيحي القبطي الذي ما زال يمارسه.
وكان يخشى أن يكون قراره تغيير اسمه خيانة لذكرى جدته، ورؤيتها لأوروبا وهي تتحول إلى العنف ومعاداة السامية، ما دفعها لاتخاذ خطوات تحمي العائلة.
ويتساءل بين: “من يدري إذا لم يأخذ أجدادي هذا القرار، هل كان يمكن أن يبقوا على قد الحياة؟ وهل كنت سأولد من الأساس؟”
لكنه يشعر في الوقت ذاته أن قراره “يعكس تغير العالم تماما عما كان عليه،” إذا أصبح بإمكانه الحديث صراحة وبفخر عن أصوله اليهودية والسودانية-المصرية، ولم يعد يحتاج اسم “بلاند” ليبقى على قيد الحياة.
ويرى بين أن فرعي عائلته يسيران في خطوط متوازية، فكلاهما لجأ إلى بريطانيا طلبا للأمان، إذ أن عائلته السودانية-المصرية كانت في قلق متزايد بشأن سلامتها كأقلية مسيحية في الخرطوم في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
“وبفضل اسم بلاند، ظن الناس حتى هذه اللحظة أنني بريطاني مثلهم تماما. وأرى أن هناك كثير من الأشياء التي يجب أن أكون ممتنا لحصولي عليها في هذا البلد.”
وتابع: “لكن هذا الاسم لا يعطي صورة كاملة عن حقيقتي، والخلفية التي شكلت هويتي ومعتقداتي ونظرتي للعالم. أريد أن أكون أكثر وضوحا.”
وهناك شخص آخر في عالم الصحافة لديه مشاعر مختلطة حول هذا التغيير، وهو صحفي سابق في صحيفة فاينينشال تايمز، يُدعى بين بلاند، ويعمل حاليا كخبير في شؤون جنوب شرق آسيا في إحدى المراكز البحثية. حتى أنه ظهر مع المذيع بين بلاند على شاشة بي بي سي في إحدى المرات.
وفي حديثه عن تغيير الاسم، يقول بين، المذيع في بي بي سي، إنه اعتاد تلقي العديد من الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تستهدف بين بلاند الآخر “بعضها كان جيدا وبعضها كان عدائيا.”
وهنأ بين بلاند، الخبير في شؤون آسيا، بين بولس على تغيير الاسم، وقال: “أخشى أن مستوى الاستهداف سيزيد عندي الآن.”
Comments are closed.