جوليو ريجيني: ما علاقة السيسي بتخلي شخصيتين عن وساميهما الفرنسيين الرفيعين؟
Antoine Gyori – Corbis
لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه قبل عقد الاجتماع الرسمي
أعاد الكاتب الإيطالي المخضرم، كورادو أوجياس، وسام جوقة الشرف الفرنسي، أعلى وسام رسمي فرنسي،الذي منحته له الرئاسة الفرنسية في عام 2007، احتجاجاً على تقليد إيمانويل ماكرون، لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي وساماً مماثلاً خلال زيارة الأخير إلى باريس الأسبوع الماضي.
وأعلنت وزيرة الثقافة السابقة جيوفانا ميلاندري، ورئيسة متحف ماكسي الحالية في روما، أنها ستحذو حذو أوجياس وتعيد الوسام لنفس الأسباب.
تورط عناصر الأمن المصري في مقتل ريجيني
وأثار تقليد السيسي لهذا الوسام جدلاً واسعاً في الأوساط الفرنسية والإيطالية والمنظمات الحقوقية على نطاق واسع.
وقال أوجياس، وهو صحفي مخضرم في صحيفة “لا ريبابليكا” الإيطالية اليومية، وعضو سابق في البرلمان الأوروبي، إنه أعاد ميداليته إلى السفارة الفرنسية في روما يوم الأثنين، تضامناً مع الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي قُتل قبل خمس سنوات في مصر.
ونشرت صحيفة “لا ريبابليكا” اليسارية رسالة الصحفي الإيطالي البالغ من العمر 85 عاماً، الذي كتب إن سبب تخليه عن أعلى وسام فرنسي هو منح السيسي وساماً مماثلاً واصفاً السيسي بـ “شريك للمجرمين الفظيعين”.
وقد وجه ممثلو الادعاء في روما الأسبوع الماضي التهم لأربعة عناصر أمن مصرية في قضية مقتل جوليو ريجيني، الذي أدى مقتله إلى توتر العلاقات بين روما والقاهرة وأثار حفيظة المجتمع والمنظمات الحقوقية في إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية.
جوليو ريجيني: الادعاء الإيطالي يسمّي أربعة من عناصر الأمن المصري كمشتبه بهم
جوليو ريجيني: مسؤولون أمنيون مصريون “يواجهون المحاكمة غيابيا في إيطاليا”
قضية جوليو ريجيني: الادعاء الإيطالي يقول إن أجهزة الأمن المصرية اختلقت قصصاً لحرف التحقيق
Getty Images
أعاد كورادو وسام جوقة الشرف الفرنسي، احتجاجاً على حصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وسام مماثل
شعور بالاستياء
وأشار كل من أوجياس وميلاندري إلى دور السلطات المصرية في “خطف وتعذيب وقتل طالب الدكتوراه الذي كان في زيارة بحثية لمصر في القاهرة عام 2016″، مشيرين إلى انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان من قبل الحكومة.
وفي حديثه للصحفيين خارج السفارة الفرنسية، وجه أوجياس بأصابع الاتهام إلى السيسي متهماً إياه بـ “التواطؤ الموضوعي كرئيس للدولة في السلوك الإجرامي الذي يرتكبه رجاله”.
وقال أوجياس إنه أعاد جائزته من منطلق “شعوره بالاستياء”، لأن الوسام مُنح للسيسي في نفس الوقت الذي كان فيه المدّعون العامّون في روما يشرحون تفاصيل التعذيب الذي تعرض له جوليو ريجيني أمام لجنة برلمانية.
ويضيف: “الأمر غير قابل للاحتمال، كان لا بد من الرد على ذلك”.
وقالت ميلاندري في منشور على صفحتها في فيسبوك يوم الأثنين إنها ستتخلى هي الأخرى عن التكريم الذي حصلت عليه في عام 2003، واصفة ذلك بالأمر المحزن لكن الضروري.
“رأيت في فرنسا اللحظات التي عشتها في حلب”
Ernesto Ruscio/Getty images
جيوفانا ميلاندري رئيسة متحف ماكسي الحالية، ووزيرة الثقافة السابقة تحذو حذو أوجياس في إعادة وسام جوقة الشرف إلى فرنسا احتجاجاً على منحها للسيسي.
أما نشطاء حقوق الإنسان، فعبروا عن غضبهم رغم أنهم أثناء الزيارة نفسها، لم يعلموا بأمر منح السيسي أعلى وسام في البلاد. فكان استياؤهم بسبب الاستقبال الحافل الذي حظي به رئيس دولة “تُقمع فيها أصوات المعارضين”.
حفل تقليد الوسام جرى بسرّية
أقيم حفل تقليد الرئيس الفرنسي للرئيس المصري الوسام بعيداً عن عدسات الصحافة في السابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي، في قصر الإليزيه الرئاسي في باريس.
ولم يكن هناك إعلان عن منح الوسام من قبل الحكومة الفرنسية، ولم تتم دعوة أي من المراسلين الفرنسيين لتغطية الحفل، وحتى لم يكن الحدث مدرجاً على جدول أعمال ماكرون الرسمي، كما أن صور منح الوسام لم تنشر من قبل الحكومة الفرنسية إلا بعد نشرها من قبل الرئاسة المصرية.
ويقول زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في باريس: “بالتأكيد، المسؤولون الفرنسيون محرجون، وهذا هو سبب عدم وجود كاميرات… لقد أرادوا القيام بذلك دون الترويج للحدث نفسه أو الزيارة”.
وقال إيمانويل ماكرون، إن مثل هذه المراسم عادة ما تكون جزءاً من البروتوكول خلال زيارات الدولة الرسمية.
ويعلق أوجياس قائلاً “أتذكر عند زيارة رئيس ليبيا الراحل، معمر القذافي إلى روما في عام 2009، تم استقباله بحفاوة في قصر كورينال الجمهوري، لكننا لم نمنحه أي وسام أو شارة”.
كما كتب السفير الفرنسي في إيطاليا، كريستيان ماسيه في صفحته على تويتر، “إن فرنسا سباقة في حماية حقوق الإنسان ولا تقدم أي تنازلات، وإنه تمت مناقشة العديد من القضايا خلال زيارة السيسي لباريس، بالطريقة الأنسب والأكثر فاعلية”.
وتربط باريس والقاهرة علاقات استراتيجية ولهما اهتمامات مشتركة، ويجمعهما “الحرب ضد التشدد الإسلامي” عدا أن مصر من أكبر زبائن فرنسا في مجال شراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
ويقول إتش إيه هيليير، كبير الباحثين في معهد رويال يونايتد سيرفيسز في لندن: “من الواضح تماماً أن لقصر الإليزيه أولويات في المنطقة، وقد تشمل تلك الأولويات حماية حقوق الإنسان ضمن قائمة طويلة، لكنها ليست على رأس القائمة، بغض النظر عن دعم الإليزيه المعلن لحقوق الإنسان”.
الأولوية للمصالح المشتركة
وكتب الكاتب بورزو داراغي في صحيفة “الاندبندنت” البريطانية إن نفوذ باريس الدبلوماسي والقوة العسكرية والتأثير الاقتصادي قد تراجع، لذلك فهي بحاجة إلى حلفاء مثل مصر لإظهار القوة والنفوذ، إذ تعتبر مصر قوة في مواجهة طموحات تركيا التي وصفتها باريس بأنها دولة إشكالية كبرى تتعدى تهديداتها روسيا والصين بالنسبة للمصالح الفرنسية. عدا أن مصر تساعد فرنسا في الحفاظ على نفوذها في ليبيا وشرق البحر المتوسط وحتى السودان.
لذلك، تزود فرنسا مصر بأسلحة متطورة إلى جانب غطاء دبلوماسي لها بغض النظر عن انتهاكات حقوق الانسان التي تحدث في مصر.
ما أهمية وسام جوقة الشرف؟
يعد وسام “جوقة الشرف” الوطني، أعلى وسام فرنسي وأشهره في العالم. فقد أسسه نابليون بونابرت منذ 218 عاماً، ويمنح من قبل رئيس الدولة إلى أكثر المواطنين استحقاقاً وتفوقاً في جميع المجالات. لذلك يعتبر فخراً لا يقدر بثمن للحاصلين عليها.
وتمنح الجائزة للمواطن الذي قدم خدمات وأدى أعمالاً جليلة لمدة لا تقل عن عشرين عاماً، سواء كان في الخدمة المدنية أو العسكرية.
ويمكن منح هذا التكريم لحوالي 320 أجنبياً كل عام.
Comments are closed.