BBC

تصريحات مؤرخ جزائري عن الأمازيغية تثير جدلاً واسعاً، ومحكمة جزائرية تأمر بحبسه

رفع علم الأمازيغ في الجزائر
Getty Images

أثار المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، جدلاً واسعاً، إثر تصريحات أدلى بها خلال مقابلة تلفزيونية مع شبكة سكاي نيوز عربية، وصف فيها الأمازيغية بأنها “مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي”.

ولم تقتصر ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أصدرت محكمة في العاصمة الجزائر، أمراً بحبس بلغيث مؤقتاً، على إثر “إدلائه بتصريحات تلفزيونية تستهدف الهوية الوطنية وتمس برموز وثوابت الأمة”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية.

ودارت محاور المقابلة مع بلغيث حول العلاقة بين الجزائر وفرنسا، بالنظر إلى التاريخ الاستعماري الطويل، مستهلاً الحوار بالقول إن “الحبل السُريّ بين الجزائر وفرنسا لم ينقطع منذ عام 1962 – وهو تاريخ استقلال الجزائر عن فرنسا – فهناك أطراف بيننا في الجزائر يقولون إن الفرنسيين ليس كلهم سواء”.

واتهم بلغيث الأطياف السياسية المختلفة في فرنسا، من “يمين ويسار ووسط”، بالاتفاق على “كراهية الجزائر”، على حدّ قوله.

لكن الجزء الأكثر جدلاً في المقابلة كان عند الحديث عن هوية الجزائر، إذ أشارت المذيعة إلى تصريحات سابقة لبلغيث تتعلق بالهوية الأمازيغية، وسألته عمّا إذا كان يمكن لمؤرخ أن “يلغي ثقافة بأكملها؟”.

وأجاب بلغيث: “ليست هناك ثقافة، هذا مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي بامتياز، ليس هناك شيء اسمه أمازيغية، هناك شيء اسمه بربر، والبربر عرب قدماء، وهذا ما يقوله كبار المؤرخين في الشرق والغرب”.

وتابع بلغيث أن قضية الأمازيغية عند “عقلاء الليبيين والجزائريين والمغربيين هي مشروع سياسي لتقويض أركان وحدة المغرب العربي، ونحن نعود في جذورنا إلى الفينيقيين والكنعانيين، نحن عرب”.

وأضاف أن “هناك مكونات بربرية معروفة، وليست هناك هوية أمازيغية، ولا توجد هذه الهوية إلا في باريس وإسرائيل”.

وتداول مستخدمون بياناً لنيابة الجمهورية في الجزائر بشأن توقيف بلغيث، حيث يشير البيان إلى أن “تحقيقاً قضائياً فُتح ضده، بجناية القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية، وجنحة المساس بسلامة ووحدة الوطن، وجنحة نشر خطاب الكراهية والتمييز”، وهو ما أوردته كذلك وكالة الأنباء الجزائرية.

https://twitter.com/AhmadDaoud14/status/1918668548387353081

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً بعد قرار التوقيف، بين مؤيد له، ومعارض.

وعلّق أحد الحسابات عبر منصة إكس على خبر حبس بلغيث، مستنكراً ما وصفها بـ “سياسة الترهيب والوعيد وكمّ الأفواه”.

https://twitter.com/khadidj79542780/status/1918675706793381922

فيما دافع حساب آخر عن قرار التوقيف، معلقاً: “لا أحد فوق القانون”.

https://twitter.com/nahednaimi15274/status/1918668812985000272

واتهم حساب موثّق للمؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، الإمارات – حيث تبث شبكة سكاي نيوز العربية – بـ “استهداف ثوابت الشعب الجزائري، ومحاولة التشكيك في أصولها”، واصفاً المقابلة بـ “التصعيد الإعلامي الخطير الذي يتجاوز الخطوط الحمراء”.

ولم يشر المنشور صراحة إلى بلغيث، لكنه ألمح إلى أن الإمارات تستغل من وصفه بـ “تاجر أيديولوجيا في سوق التاريخ” لبث “السموم الأيديولوجية”.

https://www.facebook.com/eptv.dz/posts/pfbid02oqigu6d8LsBPem2EdT21nX4kA32NhEeSAhPGuHwJ69as5cdGk24dDnGPCfvDTXKul

وخلال المقابلة مع بلغيث أوردت المذيعة المحاورة وجهات نظر مخالفة لكلامه ونسبتها لمؤرخين آخرين، فردّ بلغيث: “هؤلاء المؤرخون أيديولوجيون”.

وأكد بلغيث أن “البربر ليسوا عرقاً ولا توجد لغة اسمها بربرية”، وقال للمذيعة ممازحاً: “أنت دخلتِ الآن المحيط الأطلسي، إياكِ ألّا تحسني السباحة فيه”.

وطالب أحد الحسابات عبر منصة إكس باعتقال بلغيث، واصفاً إياه بـ “الإرهابي”، مشيراً إلى أنه إذا لم يتم اعتقاله فهذا يعني أن السلطة في الجزائر تتبنى ذلك “الخطاب العنصري ضد الأمازيغية”، على حدّ تعبيره.

https://twitter.com/TTpistol7_62/status/1918245480007434393

وعبّر حساب آخر على فيسبوك عن تضامنه مع بلغيث، زاعماً أن “الأيديولوجية الأمازيغية قد تم توظيفها للمساس بالوحدة الوطنية في الجزائر”.

https://www.facebook.com/100063553233449/videos/617499011301901/

فيما أبدى مستخدمون آخرون استغرابهم من ردود الأفعال على حديث بلغيث في هذا التوقيت، خاصة أنه قد سبق وأن “صرح بتصريحات مماثلة”.

https://twitter.com/abu_Abdulllllah/status/1918531614465724623

https://twitter.com/hsom67/status/1918569068803879349

وينصّ الدستور الجزائري في ديباجته، على أن “المكوّنات الأساسية” لهوية البلاد، هي الإسلام والعروبة والأمازيغية، التي تعمل الدولة “دوماً على ترقية وتطوير كل واحدة منها”.

وتنص فقرة أخرى من ديباجة الدستور على أن الجزائر، أرض عربية وأمازيغية، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير.

وعلى الرغم من أن المادة الثالثة تنصّ على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، إلا أن الدستور المعدّل عام 2020 ينص في مادته الرابعة على أن “تمازيغت هي كذلك لغة رسمية ووطنية”، وتمازيغت هو الاسم الأمازيغي للغة الأمازيغية.

وأبدى أحد الحسابات على تويتر استغرابه من “الاختيار الخاطئ” من قبل بلغيث لمكان وزمان إدلائه بتصريحاته، خاصة وأن الجزائر تشهد “دعوة للتعبئة العامة” على حد وصفه.

https://twitter.com/D4N3c/status/1918412292334686212

https://twitter.com/Nouri1234192980/status/1918454159268839925

وخلال المقابلة، أكمل بلغيث حديثه في وصف “متبني المشروع الثقافي الأمازيغي”، وقال إنهم يتقبلون وصفهم بأي هوية، لكنهم لا يتقبلون وصفهم بالعرب، إذ أصبح “هناك ما يشبه العربوفوبيا، أي الخوف من العرب”، مكرراً اتهامه لفرنسا بأنها “تمارس التحريض من أجل تفكيك المكونات الاجتماعية في الجزائر”.

وحين قاطعته المذيعة المحاورة بالقول: “سيغضب منك الكثيرون بسبب هذا الكلام”، رد بلغيث: “الناس في أكثر الأحيان يغضبون من الحق”.

فيما رفض أحد الحسابات، ما وصفها بـ “لغة السبّ والتهديد” في ردود الأفعال التي صدرت ضد بلغيث، قائلاً إن تصريحاته يرد عليها أمثاله من “أهل الاختصاص، بالحجة والدليل”.

https://twitter.com/2Issazou/status/1918298547587338424

وبحسب الموسوعة البريطانية، فإن الأمازيغ أو (البربر)، ينحدرون من السكّان الأصليين الذين سكنوا شمال إفريقيا قبل وصول العرب إليها، ويعيشون في تجمعات متفرقة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر ومالي والنيجر وموريتانيا.

ويتحدث الأمازيغ، وفقاً للموسوعة، باللغة الأمازيغية التي تنتمي إلى عائلة اللغات الإفريقية الآسيوية (الأفرو آسيوية).

وتقدّر مجموعة حقوق الأقليات، وهي منظمة حقوقية مقرّها لندن، وتعرّف المجموعة الحقوقية الأمازيغ على أنهم السكان الأصليون لشمال إفريقيا، أن أعداد الأمازيغ في الجزائر، بـ 6.6 ملايين إلى 9.9 ملايين نسمة، وينقسمون لمجموعات عرقية متعددة، أبرزها القبايل، والشاويّة، وبني مزاب، والطوارق.

وأًطلق الرومان على الأمازيغ قديماً تسمية “بربر”، التي يُعتقد بحسب إحدى النظريات أنها مشتقة من كلمة باربادوس، وتعني الأغراب باليونانية، أما كلمة أمازيغ، فتعني باللغة الأمازيغية “النبيل الحر”.

وتراجعت استخدام اللغة الأمازيغية في في دول الشمال الأفريقي على مرّ القرون، بحسب مجموعة حقوق الأقليات، وتعزو ذلك إلى انتشار اللغة العربية كلغة دين وثقافة عامة، وصعود اللغة الفرنسية خلال فترة الاستعمار.

تصريحات مؤرخ جزائري عن الأمازيغية تثير جدلاً واسعاً، ومحكمة جزائرية تأمر بحبسه

BBC Arabic

🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

زر الذهاب إلى الأعلى