أنطوانيت شاهين.. ذات الكنيستين

كتب ميشال يونس في “المسيرة”:

الأحد 27 شباط 1994.. هذا هو اليوم الذي صنعه الرَّب ونسجه وشاحًا أرجوانيًا زوقيًا لبنانيًا يتَّسعُ قياسه لقياس عشرة أجسادٍ كانَت شِعرَ وشعور وأحاسيس ترنيمة وقيمة الفداء الأغلى والأعلى: “يا قربانًا شهيًا قُرِّب عنا يا ذبيح الغفران قرَّب ذاته لأبيه”!

الكلام الجوهريِّ داخل تلك الكنيسة الراحيليَّة دوَّى دويًا، والنافور نوافير دماءٍ نضحت من سرٍّ أفخارستيّ موصول بساعةٍ لا سَمّ ينافس زُعاف سموم عقاربها الموصولة بصاعقٍ يُعطي إشارته المرعبة لبركانٍ مدسوسٍ داخل بيت الرب، تقذف حِممه مواد كيماوية شديدة الانفجار، فتتطاير شركة المؤمنين أشلاءَ ممزوجة بآية آيات خمرة العشاء السرّي: “خذوا اشربوا هذا هو دمي يراق لأجلكم”. وتدور الدورة الدموية نبضًا محييًا لشعب العهد الجديد!!

كنيسة رعية سيدة النجاة الزوق التابعة رهبانيًا ورعويًا لرهبان وآباء الرهبانية المريمية المتحوِّلة في شباط الإرهاب اللبّاط إلى مرحلة وسيعة المدى رحيبة الصَّدر تضم الأربعة عشر مرحلة من مراحل درب الصليب إلى صدرها، ضمَّتها لكنيسةٍ جديدة ترفع عشرة أيقوناتٍ تخلِّد ذكرى طوباوييها العشرة: إيلان بطيش زهوة ونغمة ونعمة القربانة الأولى. ميراي مشعلاني، ماري عطالله، ألفرد عطالله، منصور سكر، أنطوان عماد، أندريه عيد، توفيق منصور، عبود أبو خليل وتوفيق خليل. هم التلاميذ العشرة الذين قاموا مقام الإثني عشر الغائبين بمعظمهم عن مرافقة معلِّمهم الملك الصّاعد بصليبه عرشًا لقصر مملكة الجمعة العظيمة.

يا أسيرةً عن لبنان

نوابغ بدائع البدع الحقوقية ونوابح الطرّائف القانونية توفَّقوا بجهبذٍ مِن أفذاذ نقابة “ما كُتِبَ قد كٌتِب” ..ماهر بألعاب الأدلَّة والإثباتات مهارة لاعبي الخفّة، فتمَّت مطاردة شهود الحقِّ وأحياء الضمير حتى كوكبِ المرِّيخ وزُحل، لحساب استيراد شهود زورٍ اشتروا لهم ضمائر من سوق الخردة  ولقنَّوهم شهاداتٍ ببغائيَّة منزَلة من فتحة ثقب الأوزون.. سيناريو الادعاء العام ذلك الذي فتَّش وبقبش بالسراج والفتيلة عن أي تهمة تبرر قنص رأس يسوع الناصري فاستلهم مادةً جرمية تفيد وتجزم بأنَّ “إبن الله قد جدًّف على الله”.. هو ذات الادعاء العام المنقَّح لاصطياد “ساكن غدراس”، ولقصف ربيع صبا “زنبقة كفرعبيدا” بالصواعق والرعود والأعاصير العاتية. سمير الكنيسة فجَّر الكنيسة بواسطة التفّاح البشراوي.. وأنطوانيت الميرون والإنجيل وبيت القربان وكهنوت الرعية أعدمت كاهن رعية عجلتون رميًا برصاصة.

أنطوانيت يوسف ومريم

والدكِ بو أنطوان صيَّاد السَّمكِ له معرفةٌ وثيقة بيوسف خطِّيب مريم فأرشده نجار الناصرة إلى الخط الأمين السّالك بين مرفأ شاطئ بحر كفرعبيدا وبين مرفأ شاطئ بحيرة جنَّاشر كي يتعرَّف إلى إبن زبدى والد الصيَّادَين الأخوَين يعقوب ويوحنا اللذين درَّبهما المعلم الأقدس على كيفية الانتقال من صيد السّمك إلى صيد النفوس من ظلامية عبودية العهد القديم والانتقال بها إلى غمرات نور عهد الخلاص الجديد. يوسف العائلة الشاهينية الكفرعبيدانية درَّب أبناءه على أكتافٍ تحمل صلبان الوطن وترفعها في أعياد الحرية والبطولة والشهادة والانتصار، ترافقه في درب العمر والنذر مريمٌ ترشدُ فلذات كبدها إلى كتبٍ غلافها أيقونة يتصدَّرها وجه يسوع ووجه أمِّه ووجه لبنان. ومريم أم أنطوان وأنطوانيت لها طيلة سنين خبزها المرقوق خبرة واختبار أمٍّ مباركةٍ بين الأمهات تحوِّل أرغفة خبزها إلى صفحات كتاب تعليم مسيحيّ يتذوَّق منه أبناؤها طعم خبز الحياة وقوت الأرواح وعربون النَّعيم!!

الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليِّة تتَّحد مسكونيتها الأرضية بمسكونيتها السماوية انبثاقًا لثلاث ميِّزاتٍ ومهمَّات تتمايز بها عروسة المسيح، فهي الكنيسة المجاهدة على الأرض، والكنيسة المتألمة في المطهر والكنيسة المنتصرة في السّماء!

أنطوانيت شاهين أنت ورفاقك، وأولكم رفيق الرفاق، كنتم جوابًّا عن عتاب المعلم لتلاميذه الخائفين النيامى ليلة إقباله على الصَّلب والموت: “ألا تستطيعون أن تسهروا معي ساعةً واحدة”؟ ومن هو الذي عاش وعايش أهوال وأخطار سهركم في جوف زنزاناتٍ كُتبَ على كل بابٍ من أبوابها أحقر تهويلات الطّاغية الرَّجيم: “الله ليس موجودًا هنا”.. حين كان الله الآب يعاين كل جسدٍ من أجسادكم الموسومة بجميع علامات جسد ابنه المشدوخ من الرأس حتى أخمص القدمين!

أنطوانيت شاهين وسامكِ ثلاثة أوسمةٍ ليست من عالم موزِّعي الأوسمة بالجملة والمفرَّق.. قد نلتِ وسام كنيسةٍ جاهدتِ معها وجاهدت معك طيلة سنين زنزانات “العدل جسَّاس الملِك”.. نلتِ وسام كنيسةٍ كانت هي الألم الأسمى وأنتِ المطهر الأسنى.. ونلت وسام كنيسةٍ دوَّنت في دفاتر السَّماء حكاية انتصارها وانتصارك على جميع أشكال أبواب الجحيم!

وإنَّ لنا في أمانة ذاكرتنا يا أمينةً على القليل والكثير نشيدٌ ساكن في وفائنا لمن سبَّح بأسمائهم وأفعالهم نشيد أناشيد جبل دير سيدة النورية فجر 6 تموز 1976: “أبطال كفرعبيدا عَ الشَّمس لما بتغيب”!

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.