ندوة حول كتاب “روّاد من بلاد الأرز” برعاية وزير الثقافة في مركز سليم سعد – عين زحلتا

أقيمت ندوة حول إطلاق موسوعة “رواد من بلاد الأرز” لمؤلفها فادي رياض سعد في مركز سليم سعد الثقافي الدولي في عين زحلتا، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى ممثلاً بمستشاره الشاعر أنطوان سعادة، بدعوة من جمعية “الفكر الحضاري اللبناني”، وحضور جمع غفير من أهل الثقافة والاعلام وشخصيات اجتماعية.

شارك فيها الدكتورة ليليان قربان عقل، الدكتور جهاد العقل، مكرم العريضي و المؤلف فادي سعد.

افتتح اللقاء بالنشيد الوطني وكلمة ترحيبية للبروفسور سليم سعد قال فيها: “أرحب بكم جميعاً في هذا اللقاء الثقافي المميز في مركز سليم سعد الثقافي الدولي”.

أضاف: “ألثقافة هي أم المعارف و العلوم، و الثقافة هي فعل وليست صفة، وفعل الثقافة يتمثل بالإصغاء والمشاهدة و المطالعة، بينما فعل التعليم أو التلقين هو في الشرح و الكلام و الكتابة و الأداء، و الفعل الأول، أي الثقافة يتحقق عبر ملكة التذوق، أما الفعل الثاني و يره فعبر ملكة الإبداع” كلاماً و أداءً، و بالتالي فإن الإصغاء أهم من الكلام ويأتي في المقام الأول، والكلام و الأداء فيأتيان بعد الإصغاء في المقام الثاني، بحكم أن من يتكلم هو من أصغى أولاً وتعلم عبر الإصغاء، و بالتالي فإن الثقافة هي حراثة العقل أما الكلام والأداءات فهي نتاج ما زرعته الثقافة في العقل، والملكتان في الإنسان “ملكة الإبداع” و “ملكة التذوق” مستحيلتا العمل في آن، بل بتوقف الواحدة وعمل الأخرى لدى الفرد البشري، و هذا هو فعل الثقافة التي هي أم المعارف”.

وتابع: “لقاؤنا اليوم هو في إطار التبادل الفكري ونشر المعرفة والثقافة مع إطلاق موسوعة “روَّاد من بلاد الأرز” لمؤلفه الأستاذ فادي رياض سعد، وقد شرفنا معالي وزير الثقافة بحضوره ورعايته الكريمة وأخصه بالترحيب، لأن هذا المكان هو من دائرة وزارة الثقافة في القطاع الخاص، ومعاليه هو من القامات الوطنية الفاعلة، سواء من مواقعها الرسمية أم من مواقعها الشخصية التي تفوق المناصب التي يشغلونها”.

وقال: “لقد تأسس لبنان بوجه مسيحي ودعم توافقي كامل من المسلمين وكافة الطوائف في العام ١٩٢٠، وحصل ارتفاع في منسوب الحاجة إلى التوافق بعد العام ١٩٤٣ بعد الميثاق الوطني، وتزعزع التوافق مع تأسيس إسرائيل وتهجير الفلسطينيين إلى لبنان في العام ١٩٤٨، وتفكك التوافق مع الحرب الاهلية في العام ١٩٧٥، و تم ترميم التوافق اللبناني في إتفاق الطائف في العام ١٩٨٩، و أصبح التوافق دستوراً أساسياً للدستور اللبناني، ولا بديل عن التوافق اليوم في العام ٢٠٢٤ لأن النظام في لبنان أصبح على مشروعية التفكك وإنشاء بديل عنه، و كثرت التنظيرات للبديل و لا توافق عليها، و انكشفت حقيقة المواجهة المصيرية بين لبنان و إسرائيل، فدخلت المقاومة في هذه المواجهة المصيرية الوجودية ضد إسرائيل و أصبح معارضو المقاومة ضد التوافق، و لو أن لبنان كان قوياً ببنيته الوطنية منذ تأسيسه لما حصل هذا الإنهيار في التوافق، وعلى اللبنانيين العودة إلى التوافق، خاصة في هذه الظروف الدولية الحساسة حيث فقدت الديمقراطية فعلها وسقطت الأكثريات الفاعلة في الأوطان، في لبنان و بعده في فرنسا، ولاحقاً ربما، في أميركا، مما يؤكد أن الصمود الوطني هو في الأنظمة المنضبطة سياسياً مثل الأنظمة التوتاليتارية التي تحد من الحريات السياسية المتفلتة. فلننتظر ما لا يتوافق اللبنانيون عليه و هو زوال تدريجي للبنان يرتبط بالصراع العالمي و الإقليمي على أرض لبنان، و أفضل حل هو في دولة فلسطينية واحدة للعرب و اليهود وكل الاثنيات الداخلة في نسيج القماشة الفلسطينية تعتمد السلام منهجاً لها، و هنا علينا أن نمنع الحروب، وهل نحن أقوى من صانعيها؟”.

وختم: “إني أكرر الترحيب بكم و أترك المنبر للمشاركين في هذا اللقاء”، متمنياً لكم “كل الخير و آملاً بأن نصل يوماً إلى إنصاف المبدعين و المواهب البشرية اللبنانية”.

عقل

ثم كان لعقل كلمة بالمناسبة قالت فيها :”ترتقي معرفتي بالاستاذ فادي رياض سعد الى حوالي ثلاث سنوات يوم صدر لي كتاب “مغتربة في وطنين” ، فجذبه العنوان، و هو العائد من دولة الكويت مثقلاً بوجع الإغتراب، فتواصلنا و أخبرني عن حلمه ان يجمع لبنان في كتاب يضمّنه معلومات اساسية عن حضارة البلد و تاريخه و تراثه وأعلامه، بهدف إطلاقه إلى العالميّة، رامياً من هذا الحلم ان يقدم خدمة للبنان و للّبنانيين، مقيمين ومنتشرين ومتحدرين. و إذ تحقق الحلم و إستوى لدينا هذا السَفر التاريخيّ الجامع، الذي يشكل ( دائرة معارف ) تحكي لبنان و تؤرخ احداثه وتجمع تراثه وتعرّف بنماذج من أعلام لبنان ومفكريه، فإن تقييم الكتاب يستحق كل الاشادة و التنويه بإسلوبه و مضامينه وما يطرحه من أبعاد فكرية ومواقف وطنية لها إعتبارها”.

أضافت: “يحمل الكتاب رسالة حضارية تقدمه نموذجا للكتابة الملتزمة ذات الانتماء الوطني الصريح. أيّدت الفكرة لكنّي شعرتُ برهبة وصعوبة تحقيقها، في ظلّ التحديّات الإقتصاديّة والأمنيّة التي نعيشها و نقاسيها، ليفاجئنا اليوم بصدور كتابه “روّاد من بلاد الأرز”، الأشبه بدليل إغترابيّ متحدّياً كلّ العقبات، حيث حاول ان يوثّق تاريخ الهجرة اللّبنانيّة وأسبابها، متناولا تاريخ الصحافة اللّبنانيّة المحليّة والمهجريّة، بكثير من إحترافية الكتابة التوليفية و الجامعة لإبداعات اللّبنانيين، متوقفا عند معالم بلاد الأرز الأثريّة والتّاريخيّة والثّقافيّة و الحضارية وموقع لبنان على الخارطة. بإختصار أضاء على جمال لبنان بطبيعته وإنسانه، فحمل وطنه في كتاب بشغف وإصرار متحدّياً كلّ الصعوبات بثبات، مُقدَّرآ من وزارات الثقافة والإعلام والسّياحة، ومؤكّداً أن المثابرة هي طريق النجاح”.

وختم: “على أمل عودة الوطن إلى وطنه، كل التقدير لجهود معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الحاضن الدائم لكلّ النشاطات الثقافيّة بإيمان عميق بدور لبنان الرّيادي، والساهر الدائم على دعم كلّ الطاقات الفكريّة ليبقى لبنان منارة ثقافيّة تضيئ فضاء الشرق وغربه”.

ممثل وزير الثقافة

وكانت كلمة للشاعر سعادة بدأها بقصيدة زجلية عن الابداعات اللبنانية التي أغنت العالم بأكمله وكلمة شكر للمؤلف وصاحب الدعوة، قبل ان تبدأ الندوة التي شارك فيها الدكتور جهاد العقل والاستاذ مكرم العريضي والمؤلف فادي رياض سعد.

العريضي

وكانت مداخلة للعريضي قال فيها: “إن الأُممَ الحيّةَ الصراعيةَ، شبيهةُ قوسٍ صُنّع ببراعةِ أجيالِ المضحّينَ، تتنكّبُ لحمله ثُلّةٌ من رماةٍ مهرة، هم مواهبُها، مُبدعوها، يستلّونَ من كِنانةِ تاريخها الحضاري المُعتّقِ، نبال حقّها وحقيقتها، وإرثها الثقافي والاجتماعي، فكلما ردَّ الوتر الى خلف، شاحذاً القوة والدفع بوعي أصالةٍ وعمق إرادة، يطلقون نبالهم، بكل نبلٍ وعزيمة، تصيب المستقبل تقدّماً والجهل مقتلاً والأجيال ارتقاءً، لتستحق الحياة والديمومة. فمنذُ نشأة الحضارة في بلادنا، أدرك إنساننا أهمية الحفاظ على هذا الإرث من خلال تدوينه وتوثيقه وحمايته. وفي معرض ندوتنا هذه، وددت أن ألقي الضوء على بدايات التأريخ المعجمي القاموسي، في سياقٍ علميٍ مُسهبٍ يحنو الى الإطلالة لا الى الإطالة”.

أضاف: “ففي بلاد مابين النهرين، اكتشفت نصوصٌ وسجلاتٍ محفوظة على ألواح الطين، وقد عمد شعبنا الى حفظ الوثائق الهامة لعدم التلاعب فيها، مما اضطرهم الى وضعها في مغلفاتٍ أخرى من الطين ، وكان هذا التوثيق أداةً هامةً لحفظ التاريخ ،فبواستطه حُفظ التاريخ السومري والكتابة المسمارية. والحقيقة فإن عدم توصّل السومريين الى طريقة استخدام الكتاب، أدّى الى ضياع بعض الألواح أو تناثرها أو عدم ترتيبها بالتسلسل التاريخي، وكان لهذا الواقع فائدةٌ تاريخية، لأنهم اضطُروا الى إنشاء دُورِ السجلاّت وخزانات الألواح، لحفظها من التبعثر، وقد سبقوا في ذلك المصريين واليونانيين. فقد وُجد في معبد مدينة ( نافارا السومرية) على خزانةٍ ضمَّت آلاف الألواح الطينية، وقد احتوت نصوصاً تاريخيةً وعلميةً وأدبيةً ودينية. ولقد أدَّت اهتمامات سكان بلاد مابين النهرين بحفظ تراثهم ولغتهم الى وضع قوائم لغوية او ما يُعرف اليوم بالقواميس اللُغوية، فقد عُثر في مدينة ( أوروك- الوركاء) على مجموعة من هذه القوائم ( القواميس) تعود الى ما قبل عام 3000 ق. م.، حيث شهدت فيما بعد بلاد اليونان والرومان والعرب الكثير من وجود الفهارس والمكتبات والمخطوطات وتنظيم الكُتب والوثائق التي سُخّرت لتدوين التاريخ والعلوم والمعارف ، نذكر من روّادها المؤرخ الكبير هيرودوت ومن ثم زينودوتوس الأفيسي وكاليماخوس البرقاوي أمناء مكتبة الاسكندرية ، وديودور الصقلي حتى القرن الثامن الميلادي، حيث برز فيه مؤسس المدرسة المُعجمية الأولى عربياً، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مُنشىء علم العروض، وصاحب أقدم قاموسٍ للغة العربية ( كتاب العين)، تتالت بعدها مدارسُ المحققين ، وصولاً الى المدرسة المُعجمية الخامسة ، وقد اعتمدَت كُتب هذه المدرسة على الترتيب الألف بائي في التنظيم الخارجي واختلفت من حيث التنظيم الداخلي للمواد، منها : محيط المحيط ، لبطرس البستاني والمُنجد في اللغة والأدب والعلوم، للويس معلوف اليسوعي. ومن هذه المدارسِ المعمّرة، تستوقفني بعضٌ من كلمات ديودور الصقلي في كتابه ” المكتبة التاريخية ” ( 30 ق. م ) قائلاً:” لذا حقَّ لنا أن نقول، بأن لمعرفتنا بالتاريخ أعظم نفعٍ في كل شأنٍ من شؤون الحياة، لأنها تزوّدُ الشبّان بحكمة الشيوخ، وتمدُّ الشيوخ بتجاربٍ يُضيفونها الى تجاربهم، وتهيّءُ المواطنين لمهام القيادة والزعامة، وتُلهمُ الزعماء القيام بأنبل الأعمال لِما يخلعُه التاريخُ عليهم من صفات المجد الخالد ” . لكن، أين نحن من كلماته اليومَ، من أجيالٍ هجرت الكتاب وهاجرت ، وزعماءٍ باعت الوطن وتاجرت”.

وقال: “وعَودٌ على بدء، يقع بين أيدينا اليوم كتابٌ، وكأنه بصيصُ نورٍ في ليالينا الكالحات، ” روّادٌ من بلاد الأرز” : عملٌ مميز، يَظهُر بوضوحٍ مستوى الجَهدِ المبذولِ في تحقيقه، دُوِّنَ وصِيغَ بنسقٍ ببلوغرافيٍ ” محدَّث “، جاءت عناوين فصوله محددة التعريفات، تمكّن من خلاله المؤلّف أن يٌوائم بين ما هو آثاريٌ معلمي، وتاريخٌي ثقافيٌ توثيقي، أطرق فيه الى ذكر مجلّين معاصرين، امتاز الكتاب بعرضٍ شيقٍ سهلٍ ممتنع ، بإخراجٍ فنيٍ راقٍ يعكُس مستوى الاهتمام والسعي. لكن، ما لفتني في كتابنا هذا، أنه لم يأتِ محيطاً شاملاً ، سيما أنه أُغفل عن أبوابه عددٌ لايستهان به من كبار المبدعين والمفكرين، خاصةً في باب الفلسفة والأدب و السياسة ( من الجنسين على حدٍ سواء)، لذا كان كتاباً لايحمل الصفة المُعجمة، مع تحفّظي على ما ورد في رائسة الصفحة 345 ( الابداعات اللبنانية ) حيث يُقرأ ” يتضمّن هذا المحور نبذةً عن معظم الانجازات والابداعات اللبنانية بكافة مجالاتها محلياً ودولياً” فحبذا لو جاءت مفردة “بعض” بدلاً من”مُعظم” منعاً للتعميم أوالتورية. واسمحوا لي، في توكيدٍ لا بُدَّ منه، على أن ثمة فارقٌ كبيرٌ بين من أجزل في العطاء، وبين من أبهر في الإبداع، وبين من شكَّل ظاهرةً فريدة . كاتبنا المقدَّر، أثني على جهودك بكل احترامٍ وتقدير، متمنياً عليك الاستمرار والمثابرة، علَّنا جميعاً نستفيد من تجارب بعضنا البعض، لخير أجيالٍ ووطنٍ، لو قدمنا له الأرواح والدماء لما أوفيناه”.

العقل

وتحدث العقل فقال: “”أشعر اعتزازا وفخرا وكرامة عندما أستقرأ التاريخ عن عواصم ثقافية منتشرة على امتداد أديم أرضنا الخصيبة؛ هنا في بيروت وجبيل ودمشق وأوغاريـت والقدس وهناك في بغداد وبابل وعمان وهنالك في قرطاجة والأندلس، حيث في تلك الربوع الجميلة المعتقة في خوابي التاريخ، أبصر الحرف ثمّ الكتاب النور وترعرع ونشأ وانتشر في العالم وله اقيمت الصروح الفخمة مكتبات رسمية وعامة وخاصة وجوالة، وأضحت كنوز العالم تقاس بمخابز معارفها لا بخزائن أموالها ومخازن أسلحتها، على الرغم من أهميتها في صراع المصالح. وأقلب الصفحة وأشعر بالألم والحزن والغضب إزاء ما تعرضت له هذه العواصم الحضارية من تدمير وتخريب ونهب لمكتباتها التراثية على يدّ غزوات عصابات الرومان و اليهود والمغول والأتراك والبوشين الأب والإبن والدواعش وأشباههم وامتداداتهم المحلية. والحزن والألم والغضب متواصل على ما وصلت إليه الحالة في مجتمعنا البائس من اهمال مقصود للغتنا القومية وانتشار وباء العداء للكتاب والمكتبات والمطالعة، والسخرية من المؤلفين والأدباء والكتاب، ومما زاد الطينة بلة الشعارات الفارغة التي تغدقها علينا منظمة اليونسكو باعلاناتها المزيفة باعتبار عواصمنا تباعا من بيروت والكويت وعمان إلى دمشق والقدس وبيت لحم وطرابلس عواصم ثقافية..واعلامية بين عامي 1999و2024 في الوقت الذي يروجون فيه، ما يدعون أنّه “برامج تعليمية وتوجيهية”! وفيها،في الحقيقة، ما في الدسّم من سمّ قاتل لتاريخنا السياسي الثقافي ولروحيتنا القومية وتغاض عن الأعمال الاجرامية التي ترتكبها القطعان الصهيونية وعملائها في تدمير معالمنا التراثية ونهبها وتدنيسها، لطمس حضارتنا”.

أضاف: “ولكن، في الليلة الظلماء هذه يفتقد الكتاب وأهميته ودوره التربوي الثقافي في انعاش الروحية النهضوية الثورية التقدمية المستقبلية للأجيال الجديدة، وفي هذا السياق يأتي هذا الانجاز الثقافي النوعي الابداعي المتمظهر في كتاب رواد من بلاد الأرز، الذي يعيد الحياة إلى اللغة القومية والكلمة المكتوبة والكتاب، بانجاز توثيقي ملحمي رائد سيأخذ مكانه اللائق في السجل الذهبي في تاريخ الحضارت الانسانية . وقد تحدث السيد وزير الثقافة في مقدمته عن ريادة أمتنا في الثورات الثقافية الكبرى عبر التاريخ، وأشاد بهذا الكتاب كمولود ثقافي مميّز، مهنئا المؤلف الرائد الجديد رياض سعد على هذا الانجاز الحضاري الذي يؤكد من جديد موقع لبنان البلد الرسالة في محيطه الطبيعي، ودور أبنائه في الخلق والابداع والتفوّق.. وبعث ثقافة الحياة وبناء الانسان المجتمعي الجديد على قواعد المحبة السلام والعطاء والتضحية وطلب المثل العليا في حياة أجمل وأرقى وأسعد. أما بالنسبة لي، فقد ساهمت، بتواضع، مع المؤلف الصديق فادي، في انجاز هذا العمل، وقد شرحت في الخاتمة أهمية هذا الكتاب ، من نواحي الشكل والمضمون والغاية منه: ” في أنّه يأتي في زمن، يبشّر فيه المتخاذلون الجهلة، بأنّ عصر الكتاب قد ولى إلى غير رجعة، فإذا بهذا الإنجار المذهل حقا، يسقط هذا المقولة البائسة، ويؤكد أن الكتاب كان وسيبقى أمّ المعارف، وسيبقى لبنان عاصمة للكتاب لا تنضب ولا تجف ولا تتراجع عن اثبات مكانتها في التاريخ على أنها من أمّة مرضعة للحضارة الإنسانية من خلال أبجديتها ومدارسها الفكرية ومعلميها الرسل القادة الرواد لا، لن ينقرض الكتاب، فليست الكلمة المكتوبة ملكا ملكوته من هذا الكون، فالكلمة هي ملكوت الكون، فالكلمة هي الله، كانت في البدء وتبقى إلى الأزل، واقرأ باسم ربك الذي خلق ورزق الانسان العقل الشرع الأعلى الذي لا شرع بعده” .

وتابع: “في زمن رديء يعادي فيه جيل بكامله الكتاب والمكتبات والمطالعة، سأبقى مصرا مع فيكتور هوغو على أنّ المستقبل للكتاب لا للسيف، ومع سعاده على أنّ المجتمع معرفة والمعرفة قوّة، إنّ الامة التي تريد أن تحيا في المستقبل وتتقدم وتتطوّر عليها أن تلقح أبناءها بلقاح حبّ المطالعة الهادفة حيث يعجزالتطوّر الهائل الفوضوي في وسائل الإعلام والمعرفة أن يصادر دور الكتاب الذي كان وسيبقى القوة الروحية القادرة على شحن النفوس بالمعرفة ، القطب الأهم في بلوغ الحقيقة التي هي وجود ومعرفة”.

وقال: “يأتي تصنيف هذا الكتاب في دائرة تأليف المعاجم والفهارس وأعمال التوثيق والدوريات الخاصة بارشاد الباحثين الى المصادر والمراجع التي تهديهم وترشدهم إلى الحقائق والأراء الضرورية لإنجاح أبحاثهم والتعرف على معالم بلادهم وروادها. ويعود الفضل لهذا العلم لمؤسسه “ابن النديم”، الذي وضع في العام 938 م . كتاب الفهرست، وهو أول ببلوغرافيا عربية جمع فيه أسماء الكتب التي عرفها حتى تاريخه. ونذكر إضافة لهذا المؤلف على سبيل المثال : “معجم المطبوعات العربية والمعربة” تأليف يوسف سركيس . “فهرست الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهرية”. “النشرة المصرية للمطبوعات، مكتبة العصر الجاهلي ومراجعه” تأليف عفيف عبد الرحمن . ” فهرس موضوعي مجاميع الكتب الموجودة في المكتبة المركزية” في بغداد. وكانت لي مساهمة في هذا المجال باصدار كتاب “مراجع بحثية في الهجرة من لبنان” ويتضمن 2500 عنوان كتاب وبحث متخصص في هذا الموضوع الى جانب فهرست للمكتبة القومية الاجتماعية بين عامي 1932و2000 .، واصدار موسوعة صحافة الحركة القومية الاجتماعية في 75 عاما .نورد هذه النماذج القليلة عن الفهرست أو الببلوغرافيا، وهي كثيرة في معظم اللغات نظرا لأهميتها في الذاكرة التوثيقية للحضارة الانسانية، التي تحفظ الماضي للاستفادة من ينابيعه (مصادره ومراجعه)، من أجل رفد الحاضر والمستقبل بالأسس الفكرية الضرورية في بناء التراث الحضاري للانسانية الراغبة في التطوّر والتقدم نحو الأفضل . في هذا السياق، يأتي كتاب “رواد من بلاد الأرز”، بأبوابه الأربعة : المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية، تاريخ الصحافة المحلية والمهجرية، الابداعات اللبنانية، تاريخ الهجرة وأسبابها، عملا موسوعيا ودليلا سياحيا . يجمع بين دفتيه نخبة من رواد لبنان بجناحيه المقيم والمغترب، ليعرّف العالم بهذه النخبة من المبدعين الذين زرعوا العلم والفن والفلسفة لخير الانسانية جمعاء” .

وأضاف: “يضعنا هذا الكتاب أمام مسؤولية وطنية تاريخية، تتمحور حول السؤال : أين دور وزارات الثقافة والاعلام والتربية واتحادات الكتّاب والمؤسسات الثقافية والمتنورين في دعم وتقدير مثل هذا الانجاز، وتشجيع الجيل الجديد على حبّ الكتاب والعطاء؟ الشكر للمشاركين في اعداد هذا الكتاب وتصميمه واخراجه السادة : هبة الرفاعي، محمد الرفاعي، خليل سعد، ورشاد سعد. الشكر للمشاركين في هذه الندوة السادة :السيد وزير الثقافة القاضي محمد المرتضى، الدكتورة ليليان عقل، والاستاذ مكرم العريضي والفنان نقولا نخلة، والشكر الخاص لمدير الندوة البرفسور سليم سعد الذي استضاف هذا اللقاء في مركزه الثقافي” .

وختم: “طبعا لم أنس صديقي المؤلف والناشر الصحفي فادي رياض سعد الذي له مني كل التقدير والاحترام ، على ثقافته الوطنية وجهده وصبره وتحمله من اجل تحقيق هذا الحلم، الذي حسبته في اللحظات الأولى من الأمور المستحيلة، ولكنّ عزيمة فادي أثبتت أنّ لا مستحيل في وجه الارادة المصممة الواعية المدركة وأمام الهمّة التي تصغر في عينها العظائم. ورب ّهمّة أحيت أمّة . سيبقى فادي سعد الرائد الذي اختصر “رواد من بلاد الأرز”، في كتاب مساحته تماهي مساحة بلاد الأرز بالكيلومتر، ولكن قيمته المعنوية تتخطى ذلك كثيرا، فهو واحد من هؤلأ الرسل الذين زرعتهم أمتنا في العالم مشاعل حق وخير وجمال وهداية . وإذا كان البعض سيوجه إلينا ملاحظة الانتقائية في بعض مواد هذا الكتاب، فله كلّ الحقّ في ذلك، والسبب هو تقني بحت مرتبط بمساحة الكتاب وعدد صفحاته، ومع ذلك فعذرا، مع تقديرنا لرواد لم يذكروا في هذا الكتاب . سيبقى فادي سعد في ذاكرة الأمة الرمز القدوة المعبّر على أنّ كلّ ما فينا هو من الأمة، وكلّ ما فينا هو لها، حتى تسترجع دورها الريادي في إطار نهضة تعمّ الخير على المجتمع كلّه”.

سعد

وختامًا كانت كلمة للمؤلف قال فيها: “كلمة شكر نابعة من القلب، أوجهها لكم فردًا فردًا على تشريفنا بحضوركم ومشاركتنا هذا الإحتفال، وأخص بالشكر معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى رعايته الكريمة لكافة الفاعليات الثقافية على مساحة الوطن، والشكر موصول للدكتور البروفسور سليم سعد على الدعوة الكريمة واستضافة هذه الندوة. كما اتوجه بعميق الشكر إلى زملائي وأصدقائي الأعزاء الذين واكبوا تنفيذ هذا الكتاب منذ البداية، الدكتورة ليليان قربان عقل “أخجلتم تواضعنا بكلمتكم القيّمة والراقية”، والدكتور جهاد نصري العقل والأستاذ مكرم العريضي على قراءتكم الدقيقة والمعمقة لمضمون هذا الكتاب ولملاحظاتكم التي تشكّل لنا حافزا لتصحيح الخلل وسد الثغرات والاستمرار بشكل أشمل وأوسع. كما أتوجه بالشكر والامتنان إلى كل من ساهم في إعداد وتنفيذ هذا الكتاب بكافة جوانبه ومراحله. ويشرفني أن أكون بينكم اليوم في مسقط رأسي عين زحلتا – عروس الشوف، حاضنة الأرز ومحيطه الحيوي، بين أهلي وأحبتي، فأهلا وسهلا بكم جميعًا في بيتكم”.

أضاف: “قد يعتبر البعض أن التطرّق إلى الثقافة أمرٌ ثانوي في زمن يقتصر فيه الكلام على الأزمات الكبرى التي ألمّت بلبنان، والتي تهدد مصيره ووجوده وكيانه، علمًا بأن الثقافة مطلوبة في كل الأوقات، أما اليوم فهي حاجة ملحّة أكثر من أي وقت، لأنها السبيل إلى حالة الوعي الوطني، التي نستطيع من خلالها أن ننهض من جديد، من دون ثقافة لن يكون هناك وطن، فالثقافة هي “دبلوماسية الشعوب” و”وزارة خارجيتهم”. “نظراً لما تختزنه من مقومات أكثر تأثيراً على الشعوب من العمل الدبلوماسي التقليدي الرسمي، الذي يتمثّل عادة بوجود سفير وسفارة وبعثة دبلوماسية. ومفهوم الدبلوماسية الثقافية يتجاوز بأبعاده هذه الوظيفة البروتوكولية إلى تقديم صناعة ثقافية تعزّز قوة الدولة ومكانتها، وتبني صورة ثقافية حقيقية، مقنعة ومؤثرة. والدبلوماسية الثقافية تستمد سلطتها وحصانتها من المعرفة والوعي الإنساني والوطني، وهي موجودة منذ القدم، حين مارسها المهاجرون الأوائل، التجَّار، الرحَّالة، الأدباء، المدرِّسون والفنَّانون في رحلاتهم ومغامراتهم الاستكشافية، فقد كانوا “سفراء غير رسميين” أو “دبلوماسيين ثقافيين”.

وتابع: “أجدادنا هم من صاغوا الحرف وعمّموه، وصدّروه الى البشرية جمعاء، ونشروا العلم والمعرفة وكانوا خير سفراء حملوا لبنان رسالة حب وعطاء وسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها دون جواز سفر دبلوماسي. كلنا للوطن، الكل كامل متكامل لا يتجزأ ومسؤولية مشتركة، بين الشيخ والفتى عند صوت الوطن، وصوت الوطن ينادينا، مما يعني أن كلٌّ منا من موقعه وضمن اختصاصه مسؤول ومطالب بتلبية صوت الوطن… لا سيما أننا كشعب معنيون بانتشال لبنان من وسط ركام الانهيار الذي يعاني منه. فلبنان يرفض أَن يُذَلَّ في عيون العالم وأَن يُشْفقَ عليه العالم بعدما كان معجبًا بالعبقرية اللبنانية المتفرِّدة، ولبنان لن يسقط، بل سينهض من جديد وينفض عنه غبار الألم واليأس ليبقى وطنًا للحرية والتنوع والإبداع ومركزًا للتلاقي والإشعاع الحضاري”. ومهما تعاظمت الأزمات لن تلغي تاريخًا مشرقًا مشرّفًا اضطلع به هذا الوطن الصغير على مدى قرون. تاريخٌ حضاري، ثقافي، تنويري، توّج لبنان مساحةَ جمالٍ وثقافةٍ وحرية، ويبقى السِّمةَ الأبرز ووشمًا على جبينه، بالرغم من انكفائه القسري المؤقت”.

وتابع: “وقد بات واجبًا على كل لبناني، صَونُ هذا الإرث الحضاري وحَملُه في وجدانه وذاكرته أولًا، وإعادةُ إحيائه وتقديمه إلى العالم على المنابر والكتب والمنصات ثانيًا، كواجب ٍ وطنيّ ملحّ، ليس فقط للتذكير بما يزخر به تاريخُنا، إنّما لاستعادة حضورنا الثقافي، وتكريسِ هذا الحضور على الخريطة العالمية، إنسانيًا، معرفيًا، تاريخيًا وحضاريًا. قولنا والعمل. قلنا وبادرنا بمحاولة “علّها تشكّل خدمة متواضعة للوطن…” وخضنا تجربة تُعدُّ بمثابةِ مغامرةٍ وتحدٍّ، في هذه الظروف، نسعى من خلالها إظهار صورة لبنان الحقيقيةَ، والاضاءة على ما يَشهد إِكبارًا له العالم بأسره من روائع الإِبداع اللبناني والكوكبةٍ الساطعة من المبدعين اللبنانيين التي لا يمكن إحصاءها، بالاضافة إلى الإنجازات التي يسجِّلها شعبُه الخلاق يوميًا… هؤلاء يشكِّلون لبنان الحقيقي المكافح بعزَّة وكرامة، وليس لبنان ذاك الذي جعلَوه باكيًا مُشرَّدًا متسولًا على أَرصفة الدُوَل”.

وقال سعد: “فبعد جهود سنوات واكبنا خلالها كافة النشاطات والفاعليات الاغترابية محليًا وخارجيًا، وأصدرنا مجموعة من الأعمال التوثيقية عن الإنتشار اللبناني وبعد أن حقق لبنان عدة أرقام قياسية في مجالات مختلفة، تبادر الينا السؤال، لماذا لا يكون ” أكبر كتاب في العالم”؟ وكان الجواب، بإطلاق فكرة (أكبر كتاب) ووضعها حيّز التنفيذ، والغوص في الدراسات والبحث عن اجابات على مجموعة تساؤلات تشكّل نقطة الانطلاق ووضع الأسس ورسم خارطة الطريق لتنفيذه. أن يخرج «أكبر كتاب في العالم» ، من لبنان، في هذه الظروف هو دليل قاطع أن هذا الشعب لم ييأس أو يُصب بالإحباط، بل قرر خوض معركة ثقافية لمواجهة كل التحديات ليؤكد أن لبنان مستمرّ صامد وثابت، على حماية تاريخه وصناعة مستقبله، وأننا قادرون على العطاء والتميز في كل الظروف. لذلك، فإن هذا العمل يعتبر خطوة نحو استكمال المعرفة اللبنانية المقيمة, بلبنان المغترب، والمعرفة اللبنانية الإغترابية, بلبنان المقيم، “أولاً”، ثم دفع هذه المعلومات، ضمن صفحات هذا الكتاب، لتكون في متناول الجميع،”ثانياً”، مادة معرفية إضافية بما يضيف إلى المكتبة اللبنانية والعالمية من حيث المحتوى وليس من حيث الإضافة العددية”.

وأردف: “ونعتذر من أي مطلع وندعوه للصبر ونقول، أن صناعة هكذا عمل تكون من الصعوبة بمكان خالية من الثغرات، على أن نستتبعه بخطوات لاحقة لسد الثغرات وتصحيح الخلل والأخطاء إذا كنا وقعنا فيها، ومهما يكن من أمر ذلك فإننا نعتبر نتاجنا هذا من فن الممكن، ولم يكن ليرى النور لولا المؤازرة والجهود الطيبة من الوزارات المعنية والهيئات الاغترابية والنقابية. بالتوازي مع هذا العمل باشرنا التحضير لمجموعة نشاطات برعاية وزارة الثقافة والوزارات المعنية وبالتعاون والتنسيق مع الهيئات والمجالس الإغترابية والنقابات في لبنان والعالم، نتوخى من خلالها ربط لبنان المقيم بلبنان المغترب إنمائيًا في كافة المجالات الفنية، الثقافية،السياحية، الإقتصادية والتجارية. يُعلن عنها تباعًا في حينه. بقوة المعرفة تزول الخيبات، وتبقى الاحرف والالوان التي ترسم حياتنا، وتعطيها معنى الوجود.”

وفي الختام، قدم ألبروفسور سعد شهادات شكر لوزير الثقافة و المشاركين وللفنان الرسام نظير كوكاش، كما أهدى كتابه “ألكتاب الموسوعي في الموسيقى و فن المسموع في لبنان و العالم”، وعقب الندوة ضيافة وتعارف في الباحة الخارجية للمركز.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.