فوارق طبقية! “السيجار” في لبنان للأغنياء و”النارجيلة” للفقراء

لم تمنع الأزمة الاقتصادية كثير من اللبنانيين من التدخين، لكن هذه العادة الضارة بالصحة، باتت على ما يبدو تعكس الوضع الطبقي الراهن في البلاد، إذ أصبح “السيجار” رمزا للثراء، و”النارجيلة” دلالة على الوضع الاقتصادي المتواضع.

عند التنزه بين المقاهي والمطاعم التي تزخر بها بيروت، من المستحيل ألا يشم المرء رائحة “النارجيلة” التي مازالت منذ عشرات السنين عادة متبعة ومصدرا للهو والتسلية لدى قطاع كبير من اللبنانيين.

توني الذي يعمل في مقهى في منطقة فرن الشباك في الضواحي الجنوبية لبيروت  يقوم بتحضير النارجيلة أو “الشيشة” لرواد المقهى الذي يعمل فيه.

وفيما كان يهرع لإحضار نارجيلة لأحد زبائن المقهى، قال توني في مقابلة مع DW “الزبائن يصل عددهم بالمئات يوميا ويأتي العديد منهم بشكل منتظم سواء للاسترخاء أو الابتعاد عن المشاكل”.

ورغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة منذ اوخرا 2019، إلا أن تدخين الشيشة ظل من بين الأشياء الميسورة التي يمكن للمدخنين في لبنان  تحملها، إذ ما زالت النارجيلة خيارا شائعا كثير من سكان البلاد.

بيد أنه في المقابل أصبح تدخين السيجار وكأنه مزية تدل على الانتماء إلى النخبة الثرية القادرة على تحمل تكلفة شراء هذا النوع الفاخر من منتجات التبغ، ما يشير ـ مع مظاهر أخرى كثيرة ـ إلى أن الأزمة الاقتصادية في لبنان أدت إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

“استراحة من التوتر”

يحرص سومار البالغ من العمر 28 عاما على قضاء بعض الوقت مع صديقه في أحد مقاهي بيروت بعد الانتهاء من عمله في عيادة زراعة الشعر.

وفي مقابلة مع DW، قال “الجميع يحب النارجيلة بعد العمل” ويعتقد أنه عندما يدخنها يشعر “بالسعادة واحصل على استراحة من التوتر”، مضيفا أنه يدفع ثلاثة دولارات مقابل تدخين الشيشة في المقهي، فيما قد يصل السعر إلى عشرة دولارات في المقاهي بالمناطق الراقية.

ورغم أن تدخين النارجيلة ممارسة شائعة جدًا في لبنان، إلا أنه لا يعني بالضرورة انه نشاط تجاري مربح للجميع.

وفي ذلك، قال مازن البالغ من العمر 35 عاما والذي يمتلك متجرا صغيرا في بيروت، إن الوضع كان أفضل خلال جائحة كورونا  عندما فُرض إغلاق حيث كان الجميع يدخن الشيشة في شرفات المنازل، لكن “النشاط التجاري تباطأ في الوقت الحالي رغم أسعاري المنخفضة.”

وعلى بعد خطوات، قال حماد (35 عاما) وهو يشتري علبة تبغ من متجر صغير، “تستمتع بتدخين النارجيلة بعد العمل خاصة أنواع التبغ المنكة”.

قال مالك، صاحب المتجر، إن العمل يسير على ما يرام، مضيفا “الناس يدخنون في المنزل خاصة وأن كان ليس لديهم ما يفعلونه”.

ومع تفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان، أصبح تدخين الشيشة ممارسة لا يمكن أن يتحمل الجميع تكلفتها كل يوم مثل المتقاعد سمير. وقال “أصبح تدخين التبغ بنكهة التفاح هواية بالنسبة لي. أحاول التدخين كل يوم لمدة ساعة ونصف، لكنني لا أستطيع تحمل تكلفة ذلك يوميا حتى لو وصل إلى دولارين”.

ووفقا لبيانات إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) الخاضعة  لوزارة المالية، فإن عدد مدخني السجائر في لبنان  ظل مستقرا في السنوات الأخيرة فيما تضاعف عدد مدخني الشيشة.

السيجار.. دلالة على الثراء

يشار إلى أنه في أواخر مايو / أيار الماضي نشرت منصة “ستاتيستا” المتخصصة في إحصائيات وبيانات السوق والمستهلكين ومقرها ألمانيا، تقريرا كان مفاجأة من العيار الثقيل، حيث ذكرت أن اللبنانيين كانوا الأكثر انفاقا على السيجار في العالم العام الماضي.

وفي تعليقه، قال ديبانشو أونكار، الخبير في المنصة، إن معدل التدخين في لبنان يعد الأعلى بكثير مقارنة بالبلدان الأخرى فيما ظل السيجار سلعة لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية على عكس باقي السلع.

وأرجع ذلك إلى نمط بات شائعا في البلاد حيث يدل السيجار على الانتماء إلى طبقة الأثرياء، مضيفا “من لديه القدرة على تحمل تكاليف شراء السيجار، هو الأقل احتمالا لتقديم التضحيات”.

وقد أدى ارتفاع  معدل التضخم  إلى زيادة طفيفة في الأسعار، لكن المستهلكين الذين يهرعون الى شراء منتجات فاخرة ومتميزة، لا يجدون مشكلة في الدفع، وهو أأمر يساهم في ازدهار سوق السيجار في لبنان.

يدير وودي غصوبي (35 عاما) وزوجته نجاة (37 عاما) محلا لبيع السيجار في بيروت. وقال “السيجار ليس سلعة فاخرة بطبيعتها، لكن في لبنان، يعتبره الناس دلالة على الوضع الاجتماعي. فئات المجتمع التي حققت مكاسب مالية من الوضع الاقتصادي هم الأكثر انفاقا ببذخ على شراء السيجار وغيره من السلع باهظة الثمن باعتبارها من الرفاهيات”.

وأضاف أن سعر السيجار الواحد في متجره يتراوح ما بين 9 دولارات إلى أكثر من 100 دولار فيما قد يصل السعر إلى 600 دولار لشراء سيجار واحد من ماركات أخرى.

وفي مقابلة مع DW قال ززدي إنه قام بافتتاح متجره عام 2020 إبان وباء كورونا والأزمة الاقتصادية، مشيرا إلى أنه رغم الصعوبات في بادئ الامر، إلا أن “العمل بات رائعا”. وأردف “ينفق الزبائن حوالي 500 دولار شهريا في المتوسط على شراء السيجار والكحول.”

ويعد جان بول عبد الله، المدير في إحدى شركات السمسرة، من أشهر زبائن غصوبي، حيث بدأ في التدخين منذ بلوغه 19 عاما.

وأضاف جان (44 عاما) “لا أفكر أبدا فيما أنفقه على شراء السيجار. لكن لدي حد أدنى من 10 دولارات إلى 20 دولارا في اليوم. وقد أنفقت ما بين 300 دولار وربما 600 دولار شهريا”.

ويؤكد حان أن تدخين السيجار ليس بالضرورة دلالة على الوضع الاجتماعي، مضيفا “أنا أدخن السيجار لأنني أحبه. أعرف أن المجتمع قد ينظر إلى  السيجار  كرمز لمكانة الشخص، لكنني لا أهتم بالأمر”.

المصدر: DW

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.