أدوية اللبنانيين.. مصاريف “خيالية” أو خيارات “غير شرعية”

أدوية اللبنانيين

ريتا الجمّال – العربي الجديد: تغزو الأدوية السورية والتركية والإيرانية السوق اللبناني في ظلّ فوضى يعاني منها القطاع على وقع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 3 سنوات، وغياب الأجهزة الرقابية، ما يضع صحة المواطن أمام واقعين يتساويان على صعيد الخطورة، الأول البقاء من دون أدوية تعتبر “مقطوعة”، أو الاضطرار إلى شراء نوعيتها التي لا تضمن العلاج المناسب.
أيضاً، يميل المواطنون إلى الأدوية التي تدخل معظمها إلى لبنان بطرق غير شرعية، وتباع في صيدليات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها بديلة لأخرى باتت أسعارها مرتفعة جداً في السوق اللبناني بعد رفع الدعم عنها. وتأتي الأدوية “البديلة” المروّجة من سورية أو إيران أو تركيا أو مصر، وغيرها من الدول.
وفي وقت جنى فيه تجار الأدوية في لبنان أرباحاً كبيرة من الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تسببت في انقطاع قسم كبير من الأدوية، ورفع الدعم عنها، وجعلت أسعارها تحلّق محلياً، ظهرت مبادرات فردية لتأمين أدوية من الخارج، لا سيما من تركيا، ما طرح علامات استفهام حول الآلية المعتمدة لضمان منح المريض الدواء المناسب.
يقول المواطن رامي، الذي يعمل في شركة اتصالات ببيروت، لـ”العربي الجديد”: “أشتري أدويتي وتلك التي يتناولها أهلي من صيدلية تؤمنها لي من الخارج بأسعار أرخص، خصوصاً من تركيا، بينما تشهد هذه الأدوية انقطاعاً في لبنان، ويكون سعرها مضاعفاً في حال وُجِدت”.
ويلفت إلى أنه يطالب أحياناً أصدقاءه الذين يسافرون إلى الخارج بجلب أدوية له سواء حملت الاسم نفسه أو تضمنت التركيبات ذاتها، لأن أسعارها أرخص بكثير من تلك الموجودة في لبنان التي رُفع الدعم عنها، وباتت تباع بالدولار.

التجارة والإنسانية
في السياق، يقول صيدلي في بيروت لـ”العربي الجديد”: “يجب التفريق بين الغاية التجارية وتلك الإنسانية، فالأدوية غير الشرعية التي تدخل إلى لبنان ويكسب تجارها أموالاً طائلة رغم أن أسعارها أرخص من تلك الشرعية، مشكوك في جودتها، وقد تكون حتى مخالفة لمعايير منظمة الصحة العالمية وللإجراءات المعتمدة لتسجيل الأدوية والمستحضرات الصيدلانية في لبنان، ولم تخضع للبروتوكولات المعتمدة والفحوص المخبرية اللازمة، ما يضع صحة المواطن في خطر”.
ويشير إلى أن “هذه الظاهرة ليست جديدة، بل باتت أكثر تفشّياً في ظل الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أواخر عام 2019، لا سيما على صعيد الدواء الإيراني. وهذه الأدوية ليست غالباً مماثلة لتلك التي يتناولها المريض أو جينيريك، بل بديلة لا نعرف شيئاً عن تركيباتها”.
ويرى الصيدلي أيضاً أن “الأدوية التي تؤمَّن بمبادرات فردية أو من صيدليات شرعية موثوقة تأتي في السياق الإنساني مع ارتفاع الطلب عليها، وحاجة الناس إليها. وهذه الأدوية تستورد أو تشترى من صيدليات في الخارج خصوصاً من تركيا، وهي معروفة وخاضعة لكل البروتوكولات التي تؤكد أن لا تداعيات سلبية لها على صحة المواطن”.

أذونات من وزارة الصحة 
ويقول مدير عام وزارة الصحة بالإنابة فادي سنان، لـ”العربي الجديد”: “حصلت صيدليات على أذونات من وزارة الصحة لاستيراد شحنات أدوية تدخل بطريقة شرعية إلى البلد وتراقبها وزارة الصحة، علماً أن الأذونات الممنوحة قائمة منذ ما قبل الأزمة، وتعتمد آليتها في كل دول العالم، وترتبط غالباً بأدوية مقطوعة، أو بشحّ كمياتها”.
ويلفت سنان إلى أن “أدوية تدخل البلد بطريقة غير شرعية، وهنا دور التفتيش المركزي ووزارة الصحة ونقابة الصيادلة في ملاحقتها ووضع حدٍّ لها، والأجهزة المختصة تنفذ دورها في هذا المجال، وتصادر الشحنات بمجرد ضبطها، ثم تتلفها”.
يتابع: “نحن في مرحلة انتقالية تحتم تنظيم القطاع، ووضعه على السكة الصحيحة بهدف مكافحة هذه الظاهرة وتأمين أكبر قدر من الأدوية للناس، علماً أن أزمة انقطاع الدواء تراجعت مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية، وبعد رفع الدعم عنها”.

“غطاء” الصيدليات
من جهته، يقول نقيب الصيادلة جو سلوم لـ”العربي الجديد”، إن “الأدوية المهربة تدخل بالدرجة الأولى من سورية والهند وتركيا وإيران وتتجاوز 30 في المائة من الكمية الموجودة في لبنان”.
ويؤكد “خطورة دخول هذه الأدوية إلى السوق في ظل عدم خضوعها للرقابة والفحوصات المخبرية اللازمة، وبالتالي عدم التأكد من نوعيتها وجودتها وآثارها على المريض الذي يتناولها، خصوصاً أنها لا تدخل إلى لبنان فقط بأطر غير شرعية، لكن هناك علامات استفهام كثيرة في الوقت نفسه حول احتمال حفظها بطريقة صحيحة قبل وصولها وبيعها في السوق اللبناني، لا سيما في الصيدليات غير الشرعية والمواقع الإلكترونية والدكاكين”.
يتابع: “نوصي دائماً الصيدليات بعدم التعامل بأدوية مهربة أو مزورة وبيعها للناس، فكل غطاء من قبلهم لها يعطيها شرعية”.
على صعيد آخر، يتحدث سلوم عن تأمين صيدليات أو جمعيات أو أصحاب مبادرات أدوية للاستعمال الشخصي والمباشر لمرضى من دون أن تدخل في الهدف التجاري وعمل المافيات، علماً أن لبنان كان يعاني من ظاهرة تهريب الأدوية حين كانت مدعومة تمهيداً لبيعها في الخارج من أجل تحقيق أرباح طائلة، ما أهدر ملايين الدولارات على الدولة وحرم المواطن من الإفادة منها وعرّض حياته للخطر في ظل انقطاعها محلياً”.
ويلفت أيضاً إلى أن أزمة الأدوية لا تزال قائمة على مستوى تلك المدعومة، أي السرطانية المقطوعة في قسم كبير منها، لكن تلك التي رفع الدعم عنها تراجعت حدّة الأزمة فيها، وأصبحت مؤمنة في الصيدليات، لكن يستمر التهريب والاستيراد الموازي غير الشرعي ويؤثر كثيراً على الدولة والمواطنين.
ويلفت سلوم إلى أن “إقفال مؤسسات صحية والحدّ من تقديم المصانع المحلية الدواء المحلي ساهما في حدوث تراجع دراماتيكي على مستوى استيراد الدواء الشرعي، من هنا أهمية دعم الصناعة المحلية للدواء، وتحفيز نمو هذه الصناعة استناداً إلى معايير صحيحة تضمن النوعيات التي تتناسب مع احتياجات المرضى للشفاء، فليس كل دواء دواء ولا كل جينيريك جينيريك”.

انفلات المعابر
وتشهد الحدود اللبنانية والمعابر الشرعية وغير الشرعية انفلاتاً فاضحاً يسهّل عمليات المهرّبين وتجار الأدوية، فيما تبقى المداهمات الأمنية التي ترتكز على ضبط التلاعب بتخزين الأدوية وملاحقة المتاجرين بها غير كافية لحلّ الأزمة. 
ولا يزال اللبنانيون منذ أواخر عام 2019 يبحثون عن الدواء بكل الطرق، ويلجأ بعضهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وينشرون صوراً للأدوية علّهم يجدون “متبرعين” يساعدونهم في الحصول عليها، في حين يتواصل آخرون مباشرة مع الصيدليات والمنظمات والجمعيات المدنية الناشطة في المجال لمساعدتهم في تأمينها خصوصاً إذا لم تكن متوفرة في السوق الداخلي، وتخفيف تكاليفها عنهم في ظل الظروف الصعبة السائدة.
ويقصد لبنانيون تتوفر لديهم إمكانات السفر دولاً مثل تركيا ومصر لشراء الأدوية أو بديلاً لها تتضمن التركيبات نفسها، وبأسعار تكون أرخص أيضاً منها في لبنان.

“تعاون” تركي
ويقول صيدلي تركي في إسطنبول لـ”العربي الجديد”: “يقصدني زبائن كثيرون من لبنان، ويدخلون صيدليتي يومياً وفي حوزتهم لوائح تتضمن أسماء أدوية يريدون الحصول عليها، ونحن نبيعهم إياها في حال توفرت، لكننا نحرص على فعل ذلك بكميات قليلة لمنع الاتجار بها وتحقيق أرباح تتناقض مع هدف خدمة مرضى يحتاجونها فعلياً. ونحن نعلم بواقع الأزمات الاقتصادية والصحية في لبنان، ونحاول المساعدة بقدر ما نستطيع، مع توخي بعض الحذر”.
ويلفت الصيدلي التركي إلى أن “إقبال اللبنانيين على شراء أدوية من تركيا مرتفع منذ عامين، ما يدفعنا إلى متابعة الأوضاع في لبنان لمحاولة فهم قدوم كمّ كبير من الزبائن إلينا بحثاً عن أدوية”.
على صعيد آخر، برزت منذ بداية الأزمة اللبنانية ظاهرة تبرع لبنانيين ومغتربين بأدوية لم يعودوا يحتاجون إليها لصيدليات، خصوصاً أدوية السرطان، في إطار مبادرات المساعدة، لكن بعض المواطنين اشتكوا أيضاً من أن بعض الصيدليات تبيع هذه الأدوية لمرضى بدلاً من منحهم إياها مجاناً.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.