
تكافح الحكومة اللبنانية، في ظل توقعات بالمزيد من ارتفاع شح الوقود، ضغوط تهريب البنزين إلى سوريا ما يزيد في تعميق اختلالات المالية العامة على اعتبار دعم الدولة للوقود.
ولطالما شكّل لبنان رئة سوريا خلال الحرب وممرا للبضائع ومخزنا لرؤوس أموال رجال أعمالها، لكنه الآن يشهد تدهورا أكبر في اقتصاده المنهار أساسا خصوصا بعد انفجار أكبر ميناء تجاري في البلاد في أغسطس العام الماضي.
وكان وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر قد اعتبر في وقت سابق أن السبب الرئيسي خلف أزمة الوقود التي يشهدها لبنان هو التهريب إلى سوريا المجاورة، التي تعاني بدورها من شح في المحروقات.
وخلال الأسابيع الماضية، ارتفع سعر الوقود في لبنان تدريجياً، فيما أقفلت محطات عدة أبوابها وأخرى اعتمدت سياسة التقنين في التوزيع على الزبائن.
وتتزايد التوقعات بالمزيد من استمرار وتعمق أزمة شح الوقود ما يستوجب حسب خبراء على الحكومة إيجاد حل لهذه المشكلة وكبح التهريب في المناطق الحدودية.
وفي دمشق، ينتظر السوريون ساعات طويلة في طوابير للحصول على البنزين، الذي رفعت الحكومة سعره منتصف مارس الماضي بأكثر من خمسين في المئة.
وتسببت أزمة الوقود في انتعاش السوق السوداء حتى صار باعة البنزين الحر ينتشرون وبشكل كبير، على جوانب الطرقات في مدينة السويداء التي يقطنها غالبية من الطائفة الدرزية، وبالقرب من محطات الوقود، في مشهد مثير للانتباه، وبأسعار خيالية، دون رقيب أو حسيب.
وكانت سوريا تعتمد على شحنات النفط الإيرانية، لكن تشديد العقوبات عليها وعلى الجمهورية الإسلامية وحلفائهما أدى إلى توقف الإمدادات منذ 2019.
وقال غجر إثر اجتماع لبحث أزمة المحروقات مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ومسؤولين آخرين “تبين لنا أن السبب الأساسي للشح الحاصل هو التهريب إلى خارج الأراضي اللبنانية بسبب الفرق في الأسعار بين لبنان وسوريا”.
وأضاف أن “الحاجة في السوق السورية للبنزين تدفع المهربين اللبنانيين إلى تهريب مادة البنزين إلى سوريا لتحقيق أرباح طائلة، علما أن هذه المادة مدعومة من الدولة اللبنانية للمواطنين اللبنانيين”.
ويتراوح سعر صفيحة البنزين في لبنان اليوم بين 38.800 ليرة للبنزين 95 أوكتان و40 ألف للبنزين 98 أوكتان، أي أكثر من ثلاثة دولارات بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.
وفي دمشق، أفاد مراسلون لوكالة الصحافة الفرنسية أن المواطنين القادرين مادياً يلجئون إلى شراء البنزين المهرب من لبنان، والمتواجد خصوصاً في المناطق الحدودية، بدلاً من الوقوف ساعات طويلة للحصول على كمية محدودة من البنزين في المحطات.
ويترواح سعر صفيحة البنزين المهرب من لبنان بين 70 و80 ألف ليرة سورية، أي بين 23 و25 دولاراً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.
ويبلغ عدد المعابر الرسمية بين سوريا ولبنان خمسة معابر. وقال المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، العام الماضي، إن 124 معبرا غير رسمي تمر خلالها عمليات تهريب واسعة بين البلدين.

ويرى الكثير من اللبنانيين وأطراف سياسية في المعابر غير الرسمية تهديدا مباشرا للاقتصاد، وللمفاوضات التي تجريها الحكومة مع صندوق النقد.
ويعاني لبنان منذ صيف 2019 من انهيار اقتصادي فقدت خلاله الليرة اللبنانية أكثر من 85 في المئة من قيمتها. وانعكس انهيار الليرة على أسعار السلع التي ارتفعت بنسبة 144 في المئة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.
ويحتضن لبنان اليوم أكثر من 1.2 مليون نازح سوري من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، وبينهم الكثير من الأثرياء الذي يستثمرون أموالهم في لبنان، وقاموا بتأسيس الكثير من الشركات والمصانع.
ويرى الخبراء أن العمال السوريين الذين تواجدوا بكثرة قبل الأزمة لم يكونوا يساهمون في تحريك العجلة الاقتصادية، لأنهم كانوا يعملون في لبنان بهدف إعالة عائلاتهم في سوريا، لكنهم حاليا ينفقون مداخيلهم داخل لبنان.
وبدأ احتياطي المصرف المركزي اللبناني بالدولار يتضاءل. وتدرس السلطات، بدفع من المصرف المركزي، منذ أشهر ترشيد أو رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية كالطحين والوقود والأدوية.
ويرى خبراء أن الوضع في لبنان يتجه نحو الأسوأ مع تآكل الاحتياطي من العملة الصعبة، في بلد يستورد معظم حاجياته الأساسية، وقد بات رفع الدعم عن المواد الأساسية أمرا واقعا لا محالة.
سعر الوقود ارتفع تدريجيا حيث أقفلت عدة محطات أبوابها وأخرى اعتمدت سياسة التقنين في التوزيع
وشهد لبنان ارتفاعا في أسعار السلع والخدمات كافة، من الخبز والمواد الغذائية المستوردة بغالبيتها، مرورا بالبنزين وتعريفة سيارات الأجرة، وصولا إلى فاتورة المولّد الكهربائي وسط تقنين قاس في التيار، خاصة وأنّ جزءا كبيرا من هذه السلع مدعوم من الدولة.
أما سوريا، التي دخل النزاع فيها الشهر الماضي عامه الحادي عشر، فتشهد أيضاً أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال اعمال، أموالهم.
ولا يعد التهريب بين الدولتين اللتين تنتشر بينهما العديد من المعابر غير الشرعية، أمراً جديداً. ومع كل أزمة محروقات، يكرر مسؤولون في لبنان أن التهريب إلى سوريا هو أحد الأسباب.
وفي مايو 2020، أعلنت الحكومة اللبنانية أنها قررت مصادرة كافة المواد التي يتم “إدخالها أو إخراجها” من البلاد “بصورة غير شرعية”، عقب جدل سياسي وإعلامي حول تهريب المازوت إلى سوريا.
وفي يوليو، وعلى وقع أزمة الشح في المازوت، قال غجر “المازوت يتبخر. من المؤكّد حصول تهريب، لكنّ حجم الكميات المُهرَّبة غير معروف بعد”.
🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.