لبنانيات

خسائر فادحة يُسجّلها الاقتصاد تفوق التريليونات والسبب..

خسائر فادحة يُسجّلها الاقتصاد تفوق التريليونات والسبب..

كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : خسائر الاقتصاد اللبناني كبيرة وتتخطّى المنطق والعقل، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير ‏مُباشر. الشق المباشر مُرتبط بالدرجة الأساسية بالتبادل التجاري (الشرعي وغير الشرعي) ‏وبالمالية العامّة التي تضرب الليرة اللبنانية بالصميم! الشق غير المُباشر هو المُرتبط بالدرجة ‏الأساسية بغياب الفرص الاقتصادية ولكن أيضًا بعدمّ فعّالية عمل الماكينة الاقتصادية. وهذه النقطة ‏بالتحديد هي موضوع هذا المقال حيث سنُظهر مدّى فداحة هذه الخسائر والتي تضّرب الهيكلية ‏الإجتماعية في لبنان‎.‎

النظرية الاقتصادية تُعرّف ظاهرة “خسائر المكاسب القصوى” على أنّها الخسارة الناتجة عن فقدان الكفاءة الاقتصادية ‏والتي تتمثّل بعدمّ إنتاج الكمّية التي تُحاكي الحاجة الاجتماعية للسلع والخدمات. وتعود أسباب إنخفاض الكفاءة ‏الاقتصادية لعوامل عديدة، منها الإحتكار، التعلّق بالخارج، العوامل السياسية، الضرائب، إنهيار العملة، الحد الأدنى ‏للأجور، الإعانات، الدعم… وغيرها.‏

ويأتي الإحتكار على رأس هذه اللائحة كأول أسباب غياب الكفاءة الإقتصادية، حيث إن الأسعار الإحتكارية الناتجة عن ‏الندّرة المُصطنعة تجّعل الاقتصاد يفقد الكثير من الفرص الإنتاجية وبالتالي الوظائف من خلال خفض مُصطنع ‏للاستهلاك وارتفاع بالأسعار غير مرتبط مباشرة بالطلب، بل مصطنع أو بكلمة أدق إرتفاع مقصود طلباً لربح ‏استنسابي.‏

إن تقدير هذه الخسارة، يُسمّى بمثلّث ‏Harberger‏ الذي ومن خلال العرض والطلب، يُحدّد المنطقة التي هي عبارة ‏عن مُثلّث محصور بين العرض من دون ضرائب، العرض مع ضرائب، والطلب (أنظر إلى الرسم). وتأتي الخسارة ‏من ارتفاع الأسعار الذي يؤدّي بدوره إلى فقدان في القدرة الشرائية التي تؤدّي بدورها إلى خفض الكميات المُستهلكة ‏مع ما لها من تداعيات إجتماعية وإقتصادية.‏

وعلى الرغم من ربط “ارنولد هاربرجر” هذه الخسارة بتدخل الحكومة في سوق مثالي من ناحية فرض ضرائب أو ‏حدود دنيا أو قُصوى لبعض الأسعار أو الكلّفة، إلا أن عدمّ وجود سوق مثالي يُسبّب نفس الخسائر نظرًا إلى أن القيود ‏على السعر يُصبح رهينة اللاعبين الإقتصاديين وعلى رأسهم المُحتكرون. فالإحتكار يُؤدّي إلى ظاهرة شبيهة بظاهرة ‏الضرائب حيث يلعب المُحتكرون دور “جابي الضرائب” – ولكن لجيوبهم الخاصة – وهو ما يخلّق خلالا في آلية ‏السوق.‏
عبثية التجّار

عبثية التُجّار في لبنان مبنية على حصد الكّم الأكبر من الأرباح وذلك عبر عدّة طرق:‏

اولاً – إستخدام سعر صرف الدولار في السوق السوداء كحجّة أساسية في رفع الأسعار مع إحتفاظهم بمركز إحتكاري ‏غير موجود في العالم إلا في بعض الدول المتخلفة اقتصاديا المُشابهة للبنان. وهذا الأمر يجعل من هيكلية الأسعار في ‏ارتفاع مُزمن، إذ يكفي ملاحظة أرقام أسعار السلع الأساسية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة لمعرفة أن الأسعار ‏ترتفع ولا تنخفض وهذا الأمر نتاج الإحتكارالذي ذمته الشرائع السماوية كافة لمخالفته محاسن الأخلاق واعتبرته من ‏قبيل أكل المال بالباطل.‏

ثانياً – تهريب السلع والبضائع المدفوعة بدولارات من مصرف لبنان على السعر الرسمي وعلى سعر المنصّة ‏الإلكترونية إلى دول أخرى مثل سوريا، تركيا، الكويت، غانا، السويد…! ولعل الفيديو الذي تمّ تداوله البارحة على ‏وسائل التواصل الاجتماعي والذي يُظهر أكياس رزّ مكتوب عليها أنها مدعومة من الدولة اللبنانية (بسعر 13 ألف ‏ليرة) تُباع في متاجر في السويد!!!‏

ثالثاً – يعرف التجّار مُسبقًا أن هناك كتلة نقدية موجودة بين أيدي المواطنين، وبالتالي يسعون إلى سحب هذه الكتلة من ‏خلال رفع الأسعار بشكل غير إقتصادي أو مالي. فالعديد من السوبرماركات تمتنع عن بيع المواد والسلع المدعومة ‏الموجودة في مخازنها في السوق المحلّي.‏

رابعًا – يقوم التجّار من خلال عمليات الإستيراد والتصدير إلى إخراج دولاراتهم من لبنان! هذا الأمر يتمّ من خلال ‏التهريب ولكن أيضًا من خلال عدم إعادة الدولارات التي تخرج من لبنان إلى القطاع المصرفي!‏

خامساً – يعلم التجار أن الأجهزة الرقابية غائبة (في أحسن الأحوال) أو مُتواطئة (في غالب الأحوال)، وبالتالي يذهبون ‏بعيدًا في إستراتيجيتهم عبر الإمعان في رفع الأسعار والتهريب مع ما لها من تداعيات كارثية إقتصاديًا وإجتماعيًا ‏ونقديًا.‏
على هذا الصعيد، يجب معرفة أن ثبات الأسعار هو عنصر أساسي من عناصر الأمن الاجتماعي والإقتصادي. فإرتفاع ‏الأسعار المُستمرّ يضرب عمل الماكينة الاقتصادية ويُفقد اللاعبين الإقتصاديين الثقة بها. فكيف لموظّف أن يُحافظ على ‏وتيرة ثابتة من الإستهلاك مع ارتفاع الأسعار وفقدان قيمة مداخيله؟ وكيف لشركة أن تُحافظ على مستوى مبيعات ‏مقبول لتغطية الكلفة والإستثمارات؟ ناهيك عن أن التضخّم وإذا ما وصل إلى مستويات عالية يضرب الاقتصاد ‏بطريقة لن يخرج منها سالمًا لعقود طويلة!‏
هذه العقود الطويلة من المعاناة المتوقعة للشعب اللبناني لن يتمكن متسببوها من الهروب منها كما يظنون، فسيبقى ‏ظلمهم يظلل خطاهم وسط دمار الوطن بأيديهم الخائنة المتخاذلة.‏

حكومة دياب والإعتكاف المصطنع
في هذا الوقت، تعتكف حكومة الرئيس حسان دياب، المعتكفة أصلاً، عن القيام بمسؤولياتها تجاه الشعب من خلال ‏التقاعص عن القيام بالإجراءات اللازمة لضبط الفوضى الحاصلة وتنظيم عمل الماكينة الاقتصادية خصوصًا أن ‏الدستور أعطى الحكومة حصرية القرار الاقتصادي والمالي! هذا القول لا يحمل أية خلفيات سياسية بل صرخة وطنية ‏نابعة من حقيقة أن لا قدرة لأحد على وقف التهريب أو ضبط الأسعار إلا الحكومة اللبنانية.‏

لذا أصبح من شروط بقاء وجود الكيان اللبناني أن تعمد حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة بعملية ضبط للعبة ‏الاقتصادية والمالية والنقدية من خلال الإجـــراءات التالية:‏

أولاً – وقف التلاعب بسعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية. وهذا الأمر يفرض منع السوق السوداء ‏وتحويلها إلى سوق الصيرفة الرسمي.‏

ثانياً – وقف التطبيقات التي تبث سعر صرف الدولار في السوق السوداء.‏

ثالثاً – البدء بعمليات إصلاحية تطال القطاع العام بما يسمح لها القانون خصوصًا من ناحية إعادة هيكلة هذا القطاع ‏ومحاربة الفساد فيه.‏

رابعاً – لجم الإنفاق العام الذي لا يُمكن أن يستمر على هذا المُستوى في حين أن المواطن يُعاني من التقشّف المفروض ‏عليه من خلال لعبة الدولار التي ستهزّ عروش المسؤولين عاجلا أم آجلاً.‏

خامساً – وقف عمليات التهريب عبر الحدود البرّية، والبحرية، والجوّية ومُلاحقة كل المُهربين مهما كان حجم الخطّ ‏الأحمر الوهمي والسياسي والطائفي المرسوم حوّلهم.‏

سادساً – إستعادة الأملاك النهرية والبحرية المُصادرة من أصحاب النفوذ ووضعها في خدّمة القطاع الخاص (من دون ‏حقّ التملّك) وذلك بهدف جعل الإنتاج الزراعي والصناعي يُلبّي قسما كبيرا من حاجة السوق اللبناني من المواد الغذائية ‏والأساسية (أكثر من 80%) على مدى الأعوام المقبلة.‏

سابعاً – البدء بتطبيق الإصلاحات المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي وذلك لربح الوقت قبل تشكيل الحكومة ‏الجديدة.‏

لعل قيام الحكومة بما ذكر، ولو جاء متأخراً، فإنه سيحفظ لها شيئاً من الإيجابية، ويكتب لها إنجازاً معتبراً بعد أن ‏مضت بالتنقل من إخفاق إلى إخفاق، وهذا ما سيذكره التاريخ على مدى طويل من الزمن، وعندها لا ينفعهم الندم.‏

الدولار وفوضى الأسعار
الدولار في السوق السوداء يبعث الفوضى في حياة اللبنانيين مع تقلبات لا يُمكن تفسيرها من خلال منطق إقتصادي ‏فقط! فطرح مشروع قانون لدفع غلاء معيشة على فترة ستّة أشهر بكلفة 800 مليار ليرة لبنانية من دون تأمين تمويل ‏لها، وطرح مشروع قانون سلفة لشركة كهرباء لبنان من دون تأمين تمويل لها أيضًا، سيؤدي حتما إلى أن يعمد ‏مصرف لبنان إلى طبع العملة على الرغم من وصول الكتلة النقدية (بالليرة اللبنانية) إلى مستويات تاريخية، فقد أدى ‏رفع الكتلة النقدية بأكثر من عشرة تريليون ليرة إلى تأجج منسوب المخاوف مما خلق هلعاً لدى العامة والخاصة.‏
إضافة إلى ذلك، زادت عملية التهريب من لبنان للسلع والبضائع المدعومة بشكل كبير خلال المرحلة الماضية، إذ يقوم ‏التجار بالمحافظة على دولاراتهم في الخارج وبالتالي ازدادت وتيرة إستنزاف الدولارات في مصرف لبنان الذي قام ‏بعملية رفض لبعض العمليات مما دفع بالتجار إلى تهديد المواطنين بقطع السلع عن السوق!‏
أمام هذا العبث كله إكتملت حلقات الجنون والظلم والانهيار ببروز عملية المزايدة السياسية بين القوى على تشكيل ‏حكومة وهو ما دفع بالبعض إلى المراهنة على طول الأزمة وبالتالي تأخير المساعدات الخارجية ومن ثَمّ َزيادة طبع ‏وطبع وطبع… العملة المجروحة.‏

🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

زر الذهاب إلى الأعلى