خطط طوارئ لإجلاء عبر مطاري رياق وحامات العسكريين والقليعات المدني
استهدفت إسرائيل القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر في غارة جوية نفذتها مساء أمس في ضاحية بيروت الجنوبية، في حارة حريك قرب مستشفى بهمن وملعب وقف مار يوسف.
وتضاربت المعلومات حول مصير شكر، حيث قالت هيئة البث الاسرائيلية إن استهداف شكر كان دقيقا وقتل متأثرا بجراحه داخل المستشفى، وإن معلومات استخباراتية دقيقة جدا أدت لمتابعته ومعرفة مكانه وتنفيذ الهجوم ضده وتمت تصفيته، فيما كانت وسائل اعلام تابعة لحزب الله اعلنت فشل العملية الاسرائيلية في اغتيال قيادي في الحزب، وهو ما سبق ونقلته وكالة الانباء الفرنسية عن مصدر في الحزب.
وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية إن الاحتلال الإسرائيلي شن غارة بطائرة مسيرة استهدفت مبنى في محيط مستشفى «بهمن» بالمنطقة، موضحة أن الغارة «نفذت بطائرة من دون طيار أطلقت ثلاثة صواريخ».
من جهتها، اعلنت الأمم المتحدة أنها أجرت اتصالات مع المسؤولين في لبنان من أجل منع نشوب حرب.
وحملت وزارة الخارجية الإيرانية إسرائيل وأميركا المسؤولية عن توسيع رقعة التوتر والأزمة في المنطقة. وقالت ان من حق حزب الله الرد على الغارة.
وبعد تنفيذ إسرائيل ضربتها، انتقل الترقب الى ما سيكون عليه رد الحزب، وسط تكهنات إسرائيلية بأيام قتالية عدة مع حزب الله وهجمات من قبله قد يصل عمقها الى حيفا.
وعزا البعض تأخر صدور بيان رسمي عن “حزب الله” الى “استمرار محاولة انتشار جثامين من تحت أنقاض المبنى الذي استهدف بالصواريخ”.
وقد خالفت إسرائيل كل الترجيحات بتحييد العاصمة اللبنانية في ردها على حادثة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل السبت الماضي، وتجاوزت بالتالي مساعي الوسطاء لعدم استهداف بيروت، فضربت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، ونجحت في تحقيق هدفها باستهداف قائد عسكري بارز في “حزب الله” هو فؤاد شكر المعروف أيضاً باسم الحاج محسن، وهو مستشار كبير للأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله، وتمت تسميته من قبل الجيش الإسرائيلي قبل سنوات كقائد لمشروع صواريخ “حزب الله” الدقيقة وبمنزلة رئيس أركان في الحزب، وهو مطلوب أيضاً من قبل الولايات المتحدة لدوره في تفجير ثكنة مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983.
ويعتقد أن شكر حلّ في قيادة “حزب الله” مكان القائد العسكري عماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل عام 2008 في دمشق.
و أعلن دانيال هاغاري المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي انه “قتلنا اليد اليمنى لحسن نصرالله ولا نسعى الى الحرب ولكننا مستعدون لها، وحزب الله من فتح الحرب وبدأها”.
وفي وقت لاحق قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: “أثبتنا انه ليس هناك مكان لا يمكننا الوصول اليه لفرض ثمن باهظ على أي اعتداء ضد إسرائيل”. وتابع غالانت: “الجيش الإسرائيلي قام بتصفية رئيس أركان حزب الله”.
الى ذلك، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن القرار بشأن هدف هجوم الضاحية الجنوبية قد اتخذ مع عودة رئيس الوزراء بنيامين نتيناهو من واشنطن. كما ذكرت أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذ محاولة الاغتيال في بيروت.
وفي المواقف الأميركية من الضربة الإسرائيلية، قال البيت الأبيض:”لا نعتقد أنّ الحرب بين حزب الله وإسرائيل حتمية”، فيما قال وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن إن “الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل إذا هاجمها حزب الله”.
وأعرب مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الخاص الى لبنان آموس هوكشتيان عن قلقه “جراء الضربة الإسرائيلية في ضايحة بيروت الجنوبية، التي تسببت بخسائر بشرية”، في حين قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس – بلاسخارت: “لا حلّ عسكرياً للوضع الراهن في لبنان”.
وفيما يعقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة طارئة في السرايا الحكومية اليوم للبحث في آخر المستجدات، سجّل في المواقف اللبنانية الرسمية، كلام لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي رأى “في العمل العدواني الإسرائيلي مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقال: “هذا أمر نضعه برسم المجتمع الدولي الذي عليه تحمّل مسؤولياته والضغط بكل قوة لإلزام إسرائيل بوقف عدوانها وتهديداتها وتطبيق القرارات الدولية”.
وأضاف: “نحتفظ بحقنا الكامل بالقيام بكل الإجراءات التي تساهم بردع العدوان الإسرائيلي”.
من جهته، قال وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب لقناة”المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشونال” إن “اسرائيل تعتدي على لبنان ولم تأخذ بعين الاعتبار كيف وأين تضرب”. وتمنى أن يكون رد “حزب الله” متناسقاً لتجنب التصعيد.
رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، قال: “إسرائيل لم تحتج يوماً الى أعذار كي تعتدي على لبنان، لكنها تستخدمها من أجل تبرير وحشيتها أمام عيون العالم المتفرّج، وفعلتها مجدداً. وعليها ان تعلم أنها لن تنتصر على إرادة لبنان المقاوم”.
وكان يوم أمس حفل بأسئلة: ضربة إسرائيلية محدودة أم حرب واسعة؟ من يتحكم بالتطورات في الميدان العسكري: إسرائيل أم «حزب الله»؟ وما الفارق في «الأجندة» العسكرية المعتمدة لكل منهما؟ ولم تريثت إسرائيل حتى الأمس في تنفيذ التهديدات التي أطلقتها ضد «حزب الله» بعد «الصاروخ» المجهول المصدر الذي سقط في قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل السبت الماضي؟
أسئلة عدة طرحت في الداخل اللبناني والخارج. أسئلة تقدمت على أمور مجمدة في البلاد منذ فترة طويلة، وفي طليعتها استحقاق رئاسة الجمهورية والشغور الرئاسي منذ مغادرة الرئيس السابق العماد ميشال عون قصر بعبدا في 30 أكتوبر 2022، ونهاية ولايته الرئاسية في اليوم التالي من دون تأمين انتخاب رئيس جديد.
وفي موازاة هذه الأسئلة، انتقلت البلاد إلى مربع إدارة الأزمة الحالية، حيث الانتظار القلق لمعرفة حجم الهجمات الإسرائيلية ومواقع الاستهداف ورد حزب الله، بعدما تلقى لبنان تطمينات، وان كانت التجارب تقول بأنه لا يمكن الركون إلى النيات الإسرائيلية، حيث كل التطمينات السابقة صبت باتجاه التأكيد بأن الغارات لن تطول بيروت والضاحية الجنوبية، وكذلك البنى التحتية الحيوية العائدة للدولة اللبنانية.
ونقلت معلومات لـ«الأنباء» في وقت سابق من يوم أمس، ان الوسطاء الدوليين شعروا من خلال ردود مسؤولين في «حزب الله» ان الاخير يترقب ضربة إسرائيلية على لبنان لينطلق منها إلى توسيع الحرب، والتي ستنتهي حكما باتفاق لوقف إطلاق النار، سيشترط فيه «الحزب» ان يشمل غزة بالدرجة الاولى، وبذلك يكون «الحزب» أمن مخرجا مناسبا أقرب إلى الانتصار لحركة «حماس».
هذه المعطيات دفعت بدوائر غربية إلى تحذير إسرائيل من استدراجها إلى حرب واسعة لن تأتي خواتيمها لمصلحتها، وبالتالي فهي تهدد الفكرة التي قامت عليها، والتي تبدلت أحوالها اليوم بجعلها ملاذا غير آمن لسكانها.
وقال مصدر مطلع لـ«الأنباء»: «تكثفت الاتصالات العربية والدولية في اليومين الماضيين لردع إسرائيل عن أي مغامرة غير محسوبة النتائج، ويمكن ان تجر لبنان ومعه المنطقة إلى حرب واسعة تدخل فيها دول عدة، وتكون مدمرة لكل الاطراف المشاركة في هذه الحرب».
وأضاف المصدر: «كان لمصر دور بارز في الاتصالات التي اجرتها سواء مباشرة او مع الدول المؤثرة في القرار الإسرائيلي، ومفادها ان لبنان لا يمكن ان يترك وحيدا وان يسمح بأن يكون عرضة لتدمير واسع في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها على مختلف الصعد، والمأزق السياسي الذي تقع البلاد تحت وطأته في ظل الشغور الرئاسي والشلل الذي يصيب مرافق الدولة». وكشفت معلومات لـ«الأنباء» ان خطط طوارئ أعدت لإجلاء محتمل لرعايا عرب وأجانب ولبنانيين يحملون جوازات سفر من بلدان أخرى، تقوم على الاستعانة بمطارات عسكرية (حامات شمال لبنان، ورياق في البقاع) وأخرى مدنية (مطار الرئيس رينيه معوض في قاعدة القليعات الجوية شمال لبنان).
كما كشفت معلومات ميدانية لـ«الأنباء» ان قسما كبيرا من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت أخلى منازله اعتبارا من ليل الأحد، ونزح إلى بحمدون او إلى منازل يملكها الأفراد في الجنوب. وجاءت الخطوة لتعكس دلالة مفادها ان الجبل اللبناني الذي يتزعمه الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جبنلاط، سيكون الملاذ الآمن هذه المرة، وكما في حرب يوليو 2006، لمن يختار النزوح من الضاحية الجنوبية أو الجنوب.
الانباء ـ ناجي شربل وأحمد عز الدين وبولين فاضل
Comments are closed.