كاريتاس لبنان تُحيي اليوم العالمي للصحة النفسية وتدعو لإصلاح نظام الكفالة وتأمين التغطية النفسية للعاملات المهاجرات

أحيت رابطة “كاريتاس لبنان” اليوم العالمي للصحة النفسية والعمل اللائق بلقاء حول طاولة مستديرة بهدف العمل على التأمين الشامل للصحة النفسية والاستشفاء للعاملات المهاجرات في الخدمة، وذلك بدعم من الاتحاد الاوروبي وبالتعاون مع “كاريتاس” النمسا، في حضور المدير العام لوزارة العمل الدكتور غسان اعور، ممثلي: وزارة الصحة العامة الدكتور ربيع شماعي، وزارة الشؤون الاجتماعية ماري غيا، الاتحاد الاوروبي سارة دومينوني، وكاريتاس النمسا رنا نجيب، رئيس رابطة “كاريتاس لبنان” الاب ميشال عبود، رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان جيسيكا كيوان، رئيس مكتب حماية الآداب ومكافحة الاتجار بالبشر العقيد روني القصيفي، رئيس دائرة حقوق الإنسان والمنظمات والهجرة في المديرية العامة للأمن العام الدكتور رواد سليقه، نقيب أصحاب شركات التأمين أسعد ميرزا، نقيب مكاتب الاستقدام في لبنان جوزيف صليبا، سفيرة الصحة النفسية في وزارة الصحة ملكة جمال لبنان السابقة ندى كوسا، مسؤولة قسم الحماية في كاريتاس حسن الصياح ومسؤولة وحدة المناصرة نهى روكس، رؤساء اقسام وموظفين في “كاريتاس”.
كما شارك في اللقاء عدد من ممثلي السفارات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، وممثلون عن سفارات: سريلنكا، نيبال، مدغشقر، الفيليبين وكينيا، وهيئات وجمعيات محلية.
بطرس
بداية كلمة ترحيبية للاعلامية بسكال بطرس تحدثت فيها عن “عمل كاريتاس الميداني في متابعة الحالات المؤلمة”، مشيرة في الوقت نفسه الى ما “يشهده العمل ايضا، من قصص ملهمة لنساء تخطين وجعهن واستعدن قوتهن، فالدعم النفسي ليس رفاهية بل حق إنساني أساسي يجب أن يضمن لكل إنسان دون تمييز”.
أعور
بدوره، قال المدير العام لوزارة العمل: “إننا نواجه في لبنان اليوم أزمة صحة نفسية تمس كل من يعيش في هذا الوطن، مواطنين لبنانيين، ولاجئين، وعاملات منازل مهاجرات. الأرقام واضحة وصريحة، فبحسب الدراسات الوطنية الأخيرة الصادرة عن مؤسسة “إدراك” (IDRAAC)، يعاني نحو شخص من كل ستة لبنانيين من اضطراب نفسي سنويا. أما بين الأطفال والمراهقين، فالوضع أكثر دقة: واحد من كل ثلاثة يظهر علامات ضائقة نفسية، لكن القليل فقط يتمكنون من الحصول على الرعاية المناسبة”.
اضاف: “العوائق معروفة: ارتفاع الكلفة، شح الخدمات، والوصمة الاجتماعية وهي عوامل تترك الكثيرين دون رعاية أو علاج. لكن الأزمة لا تقف عند حدود اللبنانيين فحسب، فعاملات المنازل المهاجرات، اللواتي يعشن بيننا ويساهمن بصمت في حياتنا اليومية، يواجهن واقعا موازيا، وأحيانا أقسى، إذ بحسب دراسة “كاريتاس”، نحو 17% من المقيمات في مراكزها احتجن إلى رعاية نفسية. كثيرات منهن يعانين من العزلة، وساعات العمل الطويلة، وتأخر في دفع الأجور، وأحيانا من سوء المعاملة. هذه المعاناة تعكس أزمتنا الوطنية نفسها، لكنها تتضاعف بسبب ضعف الحماية وصعوبة الوصول إلى المساعدة. ومن هنا نصل إلى حقيقة لا يمكن تجاهلها: الصحة النفسية ليست مشكلة فئة واحدة، بل هي قضية وطنية مشتركة. كل من يعيش على الأراضي اللبنانية يتأثر بها بشكل أو بآخر. وإن لم نتحرك بجدية، فإن الكلفة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية ستتعمق أكثر فأكثر”.
وتابع: “في وزارة العمل، نحن ندرك تماما هذه الحقيقة. ولهذا، تضمن مشروع قانون العمل الجديد في المادة السابعة شمول عاملات المنازل ومنحهن الحقوق نفسها التي يتمتع بها العامل اللبناني. كما أن الوزارة تتابع موضوع الأجور والشكاوى بكل جدية، ويتم التعامل مع كل حالة بطريقة إنسانية ومنصفة. ومن المهم أن نذكر أن مشكلة تغطية الاضطرابات النفسية من قبل شركات التأمين لا تخص العاملات المهاجرات فقط، بل تطال اللبنانيين أيضا. فمعظم شركات التأمين الخاصة لا تغطي الاضطرابات النفسية، مما يجعل الجميع – لبنانيين وغير لبنانيين- أمام التحدي نفسه”.
وقال: “البيانات لدينا في الوزارة تظهر حجم العمال الأجانب المتزايد، ففي عام 2024 تلقينا أكثر من68.245 ملفا، ثلثها لوافدين جدد، وحتى آب 2025 وصل العدد إلى 62.119، أيضا ثلثها لوافدين جدد. وهذا يعني أن عدد الحالات المرتبطة بالصحة النفسية بين العاملات سيستمر في الارتفاع، ما يتطلب جهدا أكبر من الجميع. ورغم ذلك، هناك نقاط مضيئة، فمراكز الرعاية الصحية الأولية في لبنان تفتح أبوابها أمام الجميع، دون تمييز، وتقدم الإرشاد والعلاج النفسي والأدوية اللازمة، على يد أطباء وأختصاصيين محترفين. وهذه رسالة واضحة بأن الرعاية لا تعرف حدودا ولا جنسية. لكن لا يزال أمامنا الكثير لنقوم به”.
اضاف: “نحتاج إلى مزيد من التوعية، وإلى تطوير القوانين والمراسيم، ووضع آليات تضمن التغطية الكاملة للاضطرابات النفسية والاستشفاء بما يشمل العاملات المنزليات المهاجرات. على أن تطرح هذه القضايا للنقاش الموضوعي وتستخلص منها التوصيات خلال طاولة الحوار المستديرة التي ستلي هذه الجلسة الافتتاحية”.
وختم: “أقول إن هذا ليس مجرد عمل إنساني، بل هو التزام بالعدالة وبالاستقرار وبمستقبلنا المشترك، فالصحة النفسية ليست ترفا، بل هي أحد مقومات الكرامة الإنسانية وأساس الاستقرار وأملنا أن يكون هذا اللقاء خطوة جديدة نحو مزيد من التعاون والتنسيق بين جميع الشركاء، من مؤسسات رسمية، ومنظمات دولية، وهيئات مجتمع مدني، من أجل بناء منظومة أكثر إنصافا وشمولا في رعاية الصحة النفسية. المسؤولية مشتركة، والنجاح لن يتحقق إلا بالعمل المشترك”.
عبود
بدوره، قال رئيس رابطة “كاريتاس”: “كل إنسانة تتألم في الخفاء هي نداء الله لنا. وكل عاملة تستنزف في بيت بعيد عن وطنها وأهلها، هي وجه المسيح المتألم في هذا الزمن. نلتقي اليوم لا لنبحث في ملف إداري أو في سياسة عابرة، بل لنصغي إلى أنين إنساني عميق يصعد من قلوب العاملات المهاجرات في الخدمة المنزلية، اللواتي كثيرا ما يتركن في الظل، في عتمة اللامبالاة، وفي صمت الأنظمة”.
أضاف: “كاريتاس هي دعوة إلى رؤية الإنسان في عمقه، ومنذ تأسيسها حملت الكنيسة في قلبها. خدمتها ليست عملا خيريا بالمعنى الضيق، بل هي إيمان متجسد بالعمل، وإعلان أن الإنسان – أي إنسان – هو مقدس، ومحبوب من الله، وأن كرامته ليست موضوع نقاش، بل واجب نحميه ونصونه. من هذا المنطلق، تعمل كاريتاس لبنان منذ عقود مع العمال والعاملات المهاجرين، وخصوصا العاملات في الخدمة المنزلية، لأنهن من أكثر الفئات هشاشة وضعفا في مجتمعنا.
لقد فتحنا لهن البيوت قبل أن تفتح لهن القوانين، ومددنا لهن اليد قبل أن تمتد إليهن السياسات”.
وتابع: “وفق ورقة الوقائع التي أعددناها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ووكالة التنمية النمساوية، وبدعم كاريتاس النمسا، تبين أن: 17٪ من النساء المقيمات في مراكز كاريتاس عام 2024 احتجن إلى رعاية نفسية متخصصة. عدد منهن عانين من اضطراب ما بعد الصدمة، اكتئاب حاد، وأفكار انتحارية. وهناك من دخلن المستشفيات أكثر من مرة بسبب انتكاسات نفسية شديدة. تحدث الأطباء عن نوبات ذهانية، اضطرابات سلوك، أرق، قلق مزمن، وهياج عصبي. لكن خلف هذه الكلمات الطبية تختبئ قصص نساء بكين في صمت،
نساء حرمن من النوم، من الحرية، من الأجر، ومن الكلمة. نساء جئن إلى لبنان بحثا عن حياة كريمة، فوجدن أنفسهن في نظام يغلق عليهن الأبواب، اسمه نظام الكفالة”.
وقال: “نظام الكفالة كما نعرفه اليوم، هو قيد قانوني يكبل العاملات، ويمنعهن من أبسط حقوقهن الإنسانية، إنه نظام يحول العلاقة بين صاحب العمل والعاملة إلى علاقة تبعية واستغلال بدل أن تكون علاقة إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل. ومن رحم هذا النظام تولد الأمراض النفسية، لأن من لا حرية له، لا صحة له. العزلة، الخوف، سوء المعاملة، طول ساعات العمل، العنصرية، والحرمان من الأجر، كلها جروح مفتوحة في الجسد الاجتماعي اللبناني”.
اضاف: “المأساة الأكبر هي أن الكثيرات عندما ينهرن نفسيا، لا يجدن بابا مفتوحا للرعاية أو الاستشفاء، لأن الأمراض النفسية غير مغطاة تأمينيا. فكيف يمكننا أن نطلب من إنسانة أن تكون بخير وهي محبوسة في نظام لا يعترف حتى بألمها؟”.
وتابع: “تؤمن كاريتاس أن الصحة النفسية ليست ترفا بل حقا أساسيا من حقوق الإنسان، هي امتداد لكرامة الشخص الذي خلقه الله على صورته ومثاله. وفي تعليم الكنيسة الاجتماعية نقرأ أن: “الإنسان لا يمكن أن يعيش بكرامة إن لم يعامل ككائن عاقل ومحبوب من الله، جسدا ونفسا وروحا” (البابا فرنسيس، فرح الإنجيل)، من هنا نطالب بوضوح ب:
– إصلاح نظام الكفالة جذريا ليصبح نظاما يحمي لا يقمع.
– إدراج العاملات المهاجرات في التأمين الصحي الوطني، بما في ذلك التغطية النفسية والاستشفاء.
– تمويل برامج علاج نفسي لها خصوصيتها، ثقافيا ولغويا.
– إطلاق حملات توعية ضد وصمة العار المرتبطة بالأمراض النفسية”.
واردف: “كاريتاس لا تعمل بمعزل عن الدولة ولا عن الكنيسة ولا عن المجتمع الدولي. نحن شركاء في الرسالة، لأن خدمة الإنسان هي مسؤولية جماعية. نؤمن أن: الدولة مسؤولة عن تطبيق العدالة والأنظمة، الكنيسة مسؤولة عن ضمير المجتمع، وكاريتاس مسؤولة عن جسر المحبة بين الطرفين”.
ووجه عبود “ثلاث رسائل واضحة:
• إلى الحكومة اللبنانية: أدعوكم إلى جعل ملف العاملات المهاجرات جزءا من السياسات العامة لا من الاستثناءات. الإصلاح لا يحتاج إلى شعارات بل إلى قرارات شجاعة.
• إلى المنظمات الدولية: استمروا بدعم لبنان في هذه المعركة الإنسانية، فالصحة النفسية لا تعرف حدودا، والكرامة لا تقاس بالجنسية.
• إلى المجتمع اللبناني: كلنا معنيون، في كل بيت عاملة مهاجرة، فلننظر إليها كأخت لا كأداة. فلنتعلم أن نرى الله في ملامحها، والإنجيل في تعبها، والإنسانية في صمتها”.
واستشهد بكلمات البابا فرنسيس الذي قال: “ليست الكنيسة منظمة غير حكومية، بل أم، حين تتألم إحدى بناتها، تتألم هي أيضا”. كاريتاس هي قلب الكنيسة الذي يخفق رحمة وعدلا، نحن هنا لأن المحبة لا تكتفي بالعاطفة، بل تطلب العدالة، لأن الرحمة لا تنحني فقط لتضمد الجراح، بل تنهض لتغير الأسباب التي تولدها. فلنصنع معا شبكة رحمة وعدالة، تؤمن لكل عاملة مهاجرة في لبنان مأوى يليق بها، علاجا يداويها، ومحبة تعيدها إلى الحياة”.
روكس
وشرحت مسؤولة وحدة المناصرة في “كاريتاس” مفصلا واقع العاملات المهاجرات في الخدمة المنزلية والتحديات النفسية التي يواجهنها، وذلك انطلاقا من خبرة كاريتاس في بيوت الايواء التابعة لها.
مداخلات
ثم كانت مداخلات للمعنيين خلال حلقات الحوار، أكد في إحداها مدير البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة الدكتور ربيع الشماعي أن “الصحة النفسية هي حق لكل إنسان، دون استثناء، وأن هذا المبدأ يشكل حجر الأساس في الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية في لبنان، التي تدرج العمال والعاملات المهاجرين ضمن الفئات المستهدفة للوصول إلى خدمات صحية ونفسية عادلة وشاملة”.
اما عن المشاريع التي يقوم بها البرنامج للعمال والعاملات المهاجرين، فلفت الشماعي الى أنه “بالتعاون مع المركز اللبناني للتربية المدنية (LCCE)، يتم حاليا ترجمة وتكييف تدخل المساعدة الذاتية بلس (Self Help Plus) الصادر عن منظمة الصحة العالمية إلى اللغتين الأمهرية والتاغالوغ لتلبية احتياجات العاملين والعاملات من الجنسيتين الإثيوبية والفيليبينية، وضمان وصولهم إلى الدعم النفسي بلغتهم الأم وبطريقة تراعي ثقافتهم”.
وأشار إلى أن “خط الحياة ١٥٦٤ الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار، متاح باللغتين العربية والإنجليزية على مدار الساعة. كذلك تطبيق خطوة خطوة، وهو برنامج مجاني يساعد بالتعامل مع عوارض الاكتئاب والقلق، اضافة إلى الخدمات النفسية المتوفرة ببعض مراكز الرعاية الصحية الاولية والخدمات النفسية التي يوفرها الشركاء ومن بينهم جمعية كاريتاس”.
ودعا الراغبين في الوصول الى الخدمات والمواد النفسية زيارة هذا الموقع:
https://resources.nmhp-lb.com
التوصيات
وخلص اللقاء الى التوصيات التالية:
“- ترتبط تحديات الصحة العقلية بين العاملات المهاجرات في الخدمة المنزلية في لبنان ارتباطا وثيقا بالضعف في البرامج الصحية. لذلك، من الضروري إجراء إصلاحات عاجلة لنظام الكفالة، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية، وتحسين بنية الدعم الاجتماعي لحماية الصحة العقلية لجميع الأفراد في المجتمع اللبناني والحاضن لهذه الفئة من العمال.
– هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الصحة العقلية العاملات المهاجرات في الخدمة المنزلية في لبنان. ندعو جميع الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة في بلدان المنشأ، والحكومة اللبنانية، ومقدمي الرعاية الصحية، وأرباب العمل، والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية إلى تعزيز التنسيق لتنفيذ الإصلاحات التي تصب في الحق للوصول للإستشفاء والمتابعة للحالات التي تم ذكرها أعلاه.
ومن الالويات والحاجات الملحة:
• إنشاء خدمات الصحة النفسية بأسعار معقولة وحساسة ثقافيا من خلال تأمين صحي إلزامي يغطي علاج الأمراض العقلية الشديدة ودخول المستشفيات.
• تعزيز الدعم القنصلي من خلال تبادل المعلومات حول الصحة النفسية في بلدان المنشأ واللغات.
• تقييم موحد للصحة النفسية والكشف المبكر عن الصحة النفسية والتدخلات لتفادي حالات الانتحار.
• التدريب المتخصص لأصحاب المصلحة، والتدخلات التي تركز على الأطفال أمر ضروري في بيوت الإيواء.
• واخيرا لا آخرا : حان وقت العمل”.
🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.