مخاوف من اقتــراب الانفجار.. ولاتقدّم مع الصندوق

كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: هو الفصل الأكثر مأساوية، الذي تعيشه كلّ فئات الشعب اللبناني في هذه المرحلة، حيث يتعرّض هذا الشعب لأبشع عمليّة استغلال من أكثر المجرمين دناءة وخسّة.

مجريات الأيام الأخيرة، لعلّها أخطر ما شهده لبنان منذ اشتعال الأزمة فيه؛ آفاق الحلول مقفلة بالكامل، والإنهيار يتسارع في شتّى المجالات، وكرة النّار تتدحرج على كلّ شيء، وتفاقم المخاطر على الأمن الإجتماعي. وتكفي جولة على المتاجر، لتتبدّى آثار الجريمة الفظيعة التي ترتكب بحق اللبنانيين، وتكفي نظرة إلى النّاس، ليُقرأ الإختناق على وجوههم، والإذلال الذي يتعرّضون له.

أمام هذا الواقع، صار مُخجلاً الحديث عن سلطة هزمت شعبها بغربتها عنه، وباعتمادها النأي بالنفس عمّا يصيب هذا الشّعب، وإخلائها الساحة لإجرام لصوص الإحتكار والتلاعب بالاسعار، ليشنّوا حرب إبادة جماعية للبنانيّين، في لقمة عيشهم وأساسيات حياتهم. وأقل ما يُقال لسلطة مقيمة في عتمة حساباتها ومصالح ازلامها وسياساتها، وعقلها ولّاد فقط للمشاكل والحساسيات والاستفزازات خدمة للحزبيات: إنّ أكبر خدمة تقدمها لشعب أذلّته هي أن تستحي وتدفن نفسها في التراب.

الواقع مرير بالفعل، صار البلد كلّه سوقاً سوداء، والناس باتوا يخيّرون علناً بين الجوع وبين الاسعار الحارقة. بالأمس كانت المحروقات والدواء، واما في هذه الأيام فلحقتهما سائر الاساسيات من ربطة الخبز، الى عبوة المياه، الى الحبوب، والسكر وحتى الملح، وسبقتها محلات بيع اللحوم والدواجن والخضر والفاكهة التي باتت تبدو كفروع لمحلات بيع المجوهرات. ناهيك عن الاستشفاء الذي صار فقط من نصيب الاغنياء والمحظوظين من أتباع الحمايات السياسية وأصحاب النفوذ.

كل ذلك يحصل، وآخذ في التمادي أكثر فأكثر، فيما مدّخرات اللبنانيين وودائعهم وحتى رواتب الموظّفين تحبس في المصارف في جريمة سرقة موصوفة، وتمارس في حقّهم أبشع عملية قهر وابتزاز. والسلطة تغطي عجزها بإسهال كلامي خادع عن روادع وإجراءات، وباستعراضات ومداهمات صوريّة أمام الكاميرات، يقودها موظّف في وزارة أو إدارة، يُشمّر عن ساعديه ويرعد بتصريحات تتوعد المخالفين، فيما النتيجة تكون أكثر وجعاً من المخالفة نفسها، أي إحصاء مخالفات في هذه المنطقة او تلك، وتسجيل محاضر ضبط بحق متجر، او فرن، أو محطّة محروقات، او صيدلية، او تاجر محتكر مضبوط بالجرم المشهود، سرعان ما تمحوها وساطات أصحاب النّفوذ، ومداخلات كبار هذه السلطة، فتُطوى المخالفات، وتُوقَف الملاحقات وتُلغى الغرامات. فكيف يمكن لهؤلاء أن يرتدعوا مع سلطة تحمي المرتكبين وتشجّعهم على الإستمرار في إذلال الناس؟!

مخاوف من مخاطر

منطق السلطة في موازاة هذا الوضع متخبّط، بعضه مستسلم للعجز الكلّي، وبعضه الآخر يسبح في مدار الإنكار، ويهرب إلى الامام بمحاولة إيهام الناس بأنّ الانهيار المتسرّع جزء من حالة عامّة يشهدها العالم بأسره، وأن اسبابه ليست داخلية، بل أن «الحقّ على الرّوس والأوكران»، فكيف لمثل هذا الكلام أن يقال فيما غرف الإحتكار التي تدير لعبة إخفاء الاساسيات الحياتية للمواطن ودفع الاسعار الى مستويات جنونية، هي غرف داخلية تعرفها السلطة واجهزتها كلّها بمكانها بأسماء أمرائها، وليس فيها لا روس ولا أوكران؟!

تِبعاً للوقائع الحياتية المتدحرجة، ولغياب سلطة حقيقية مؤتمنة على شعب تحميه وتؤمّن له، ولو الحد الأدنى من التحصين الداخلي، وتردع من يخلّ به، فإنّ التدحرج المتسارع يَشي بمجهول آت، ليس في الامكان تقدير ما يخبّىء من مخاطر على لبنان واللبنانيين. فلقد بات مُسلماً به لدى مختلف الاوساط الداخلية بأن وضع البلد بات مفخخاً باحتقان الناس، والمخاوف تتعاظم من انفجار القنبلة الاجتماعيّة والتداعيات الخطيرة التي ستنجم عنها على مجمل الصّورة اللبنانية.

ماذا عن الاستحقاقات؟

وسط هذه الأجواء، يبرز السؤال عن الاستحقاقات المقبلة، وأقربها الانتخابات النيابية بعد نحو شهرين؟

مصادر مسؤولة تؤكد لـ«الجمهورية» مشروعية المخاوف من انفجار اجتماعي، ذلك ان الاحتقان والغضب الشعبي بلغا مستويات مرعبة، وقدرة اللبنانيين على احتمال الضغوط توشك ان تصبح معدومة نهائيا، وحركة الاحتقان في انتفاح مستمر، ومسار التفاقم هذا سيصل في لحظة معينة إلى انفجار اجتماعي واسع، أخطر من الانفجار الأمني ويُخشى معه دخول البلد في فوضى شاملة وحقيقية هذه المرّة.

وفي موازاة التأكيدات المتتالية على لسان أكثر من مسؤول في الدولة بأنّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المحدد في 15 ايار المقبل، يبدو أنّ هذا الاستحقاق يجري في السياق القانوني والاجرائي والرسمي المرسوم له، من دون معوقات سياسية او ادارية. وعلى هذا الاساس يجري تزخيم المشهد الانتخابي سواء عبر الترشيحات، او عبر تحريك القوى السياسية والمدنيّة لماكيناتها الانتخابية، او عبر الحراك المكثف بين هذا الطرف السياسي او ذاك، لصياغة تحالفات وبناء لوائح مشتركة لخوض الانتخابات.

الا ان هذه التأكيدات التي تجزم بعدم وجود أي مانع سياسي لإجراء الانتخابات، وبأن لا قدرة لدى أي من الاطراف السياسية على تعطيل أو تأجيل هذا الاستحقاق، تبدو مبنيّة على مواقف مبدئية من التوجّه الى إجراء الإنتخابات في موعدها، وعلى رفض مبدئي ايضاً لأي تأجيل، او تمديد للمجلس النيابي الحالي حتى لدقيقة واحدة، وعلى هذا الاساس جرى تفكيك «عبوة الميغاسنتر» التي اعتبر بعض الاطراف انها تخفي في باطنها صاعق تأجيل الانتخابات. ولكن على الرغم من الحماسة لإتمام الاستحقاق، فإنّ المتحمّسين لا يملكون سوى التأكيد تلو التأكيد على إجراء الانتخابات، وليس الحسم بأن العمليات الانتخابية ستحصل منتصف أيار.

القلق واجب!

وعلى ما تؤكد مصادر سياسية مسؤولة لـ«الجمهورية» فإنّ القرار السياسي حاسم لناحية اجراء الانتخابات، وتبعاً لمواقف الاطراف، فإنّها حاصلة نظريّاً في الموعد المحدد. واذا ما استمرّ المسار على ما هو عليه الآن، فالانتخابات حاصلة حتما. ولكن الوضع القائم في لبنان اجتماعيا ومعيشيا يبعث على القلق من بروز عوامل غير محسوبة خلال الشهرين الفاصلين عن موعد الانتخابات.

مبعث القلق، كما تقول المصادر المسؤولة عينها، مُتأتٍّ مما آلت اليه امور البلد الاقتصادية والحياتية في الآونة الاخيرة، والتي تشهد قفزات خطيرة، يخشى مع استمرارها ان نصل الى انفجار اجتماعي وهو عنوان بات قابلا لأن يحصل، وإن حصل فمعنى ذلك أنّ زمام الامور قد يفلت، ويتدحرج الى وقائع دراماتيكية تزيد من اهتراء الوضع في لبنان وتذهب به الى مزيد من الشروخ والانقسامات والتوترات، وتؤثر على كل شيء فيه، وتجعل من امكانية إجراء الانتخابات مسألة بالغة الصّعوبة. خلاصة الكلام هنا ان القلق واجب، وكل الاحتمالات واردة».

في موازاة قلق المصادر المسؤولة من انفجار العبوة الإجتماعية، يبرز قلق بذات المستوى لدى بعض المستويات السياسية، من عبوات أخرى مماثلة في لبنان خلال الاسابيع المقبلة، فإلى جانب العبوة الاجتماعية، تتبدى عبوة اساسية مرتبطة بكل مؤسسات الدولة واجهزتها على اختلافها، التي يتراجع حضورها وفعاليتها بشكل رهيب، جرّاء الإهتراء الذي أصابها وشلّ قدرتها على الاستمرار وتسبب بنقص هائل في مستلزماتها ومتطلباتها اللوجستية والمالية. ناهيك عن وضع الضمان الاجتماعي الذي وصل الى حدود ان يلفظ أنفاسه.

وفي موازاة ذلك، تتبدّى عبوة اضافية في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. حيث انّ المؤشرات، بحسب ما كشفت مصادر سياسيّة واسعة الإطلاع، لا تشي ببلوغ التقدّم المنشود فيها، خلافاً لتأكيدات الجانب الحكومي بأنّ الامور تسير مع صندوق النقد كما هو مرسوم لها، فثمة فاصل عميق ما زال موجودا بين الطرفين، ومقاربات الصندوق تعكس عدم القناعة بطروحات الجانب اللبناني، حيث عبّر صراحة عن عدم رضاه سواء على الموازنة التي يعتبرها الصندوق دون المستوى المطلوب ولا تلبي متطلباته، وكذلك الحال بالنسبة الى ما تسمّى خطة التعافي، والى ما يتصل بالشروط التي يعتبرها الصندوق إلزامية لبلوغ برنامج تعاون مع الحكومة اللبنانية، لا سيما ما يتعلق فيها بوضع الادارة وحجم القطاع العام، وواقع الليرة والدولار وتحرير سعر الصرف.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.