الكونكلاف: ما هي طقوس انتخاب “الحبر الأعظم” بابا الفاتيكان الجديد؟

يمثل الـ “كونكلاف” أحد أبرز الأحداث الدينية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وهو اجتماع مُغلق يُعقد لاختيار “الحبر الأعظم” الذي يتولى قيادة الكنيسة الجامعة، وذلك من خلال إجراءات دقيقة محاطة بالسرّية التامة، يجتمع من أجلها الكرادلة، كبار رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية، المنتخَبون في الفاتيكان لإجراء عملية تصويت وفق تقاليد تاريخية راسخة تعود إلى قرون عديدة.
تبدأ في السابع من مايو/أيار 2025، جلسات انتخاب البابا الـ267 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، في أعقاب وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عاماً، يوم 21 أبريل نيسان الماضي، وذلك من خلال “كونكلاف” (مجمع مغلق)، يُعقد في كنيسة “سيستين” بالفاتيكان، المعروفة أيضاً باسم “كابلة سكستين”، ويشارك فيه الأعضاء الناخبون في مجمع الكرادلة دون سن الثمانين.
ويوجد حالياً 252 كاردينالاً يشكلون مجمع الكرادلة، منهم 135 كاردينالاً دون سن الثمانين، يحق لهم التصويت لاختيار البابا الجديد، وهذا أكبر عدد من الكرادلة يحق لهم التصويت في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ولابد أن يحصل البابا الجديد على ثُلثي الأصوات.
وسوف يكون هذا الـ “كونكلاف” السادس والسبعين في تاريخ الكنيسة، والسادس والعشرين الذي يُعقد في كنيسة سيستين، التي تضم جداريات رسمها نحات عصر النهضة الشهير، مايكل أنجلو (1475-1564)، والتي تصوّر “يوم الدينونة”.
وكلمة “كونكلاف” فرنسية مشتقة من كلمتين باللغة اللاتينية، هما Con وClavis، وتعني “مع المفتاح” أو “غرفة مغلقة بمفتاح”، وتشير في مصطلحات الكنيسة الكاثوليكية إلى المكان المغلق الذي يُنتخب فيه البابا، أو إلى مجمع الكرادلة المدعو إلى انتخاب “الحبر الأعظم” الجديد.

وتعود أصول هذا التقليد إلى القرن الثالث عشر، وتحديداً في عام 1274 ميلادياً، عندما قرر البابا غريغوريوس العاشر (1210-1276) فرض عزلة كاملة على الكرادلة أثناء عملية التصويت لتسريع إجراءات الانتخاب ومنع أي تدخلات خارجية تؤثر عليها.
وكانت عملية التصويت لاختيار البابا، قبل اعتماد نظام المجمع المغلق السرّي، تستغرق أحياناً سنوات بسبب خلافات وتدخلات سياسية، فعلى سبيل المثال، بعد وفاة البابا كليمنت الرابع عام 1268، استمر الكرسي الرسولي شاغراً لمدة نحو ثلاث سنوات، وهذا ما دفع البابا غريغوريوس العاشر إلى فرض قواعد صارمة، بما في ذلك عزل الكرادلة عن العالم الخارجي وتقليص وسائل الراحة المتاحة لهم، بغية تسريع عملية التصويت واختيار البابا.
ومع بدء المجمع المغلق السرّي، تُغلق الأبواب بالكامل على الكرادلة الناخبين، ولا يُسمح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي، كما تؤمّن كافة وسائل الاتصال الحديثة، ويُحظر استخدام الهواتف أو الإنترنت أو التلفزيون، ويُفترض أن تكون هذه العزلة ضماناً لنزاهة العملية وإبعاد أي تأثيرات سياسية أو إعلامية.
كما يتناول الكرادلة وجبات بسيطة، وينامون في بيت القديسة “مارثا” داخل الفاتيكان، وتُجرى جولتان من التصويت كل يوم، إلا إذا استطاعوا انتخاب البابا سريعاً.
ومن أبرز المرشحين لتولي منصب البابا الجديد: بيترو بارولين، إيطالي، 70 عاماً، ولويس أنطونيو جوكيم تاغلي، فلبيني، 67 عاماً، وفريدولين أمبونغو بيسونغو، كونغولي، 65 عاماً، وبيتر كودوو أبياه توركسون، غاني، 76 عاماً.
ما هي خطوات اختيار الحبر الأعظم؟

يبدأ الـ “كونكلاف” بعد الإعلان الرسمي عن وفاة البابا أو استقالته، كما حدث مع البابا بندكتوس السادس عشر في عام 2013، وإعلان شغور “الكرسي الرسولي”.
يؤدي جميع الكرادلة قسماً رسمياً يقضي بالحفاظ على السرّية المطلقة لما يدور داخل الـ “كونكلاف”، وأي خرق لهذا القسم يُعد بمثابة “خطيئة جسيمة”.
تُجرى عملية تصويت ويُكتب اسم المرشح على بطاقة تصويت سرّية، ويُدوِّن كل كاردينال اختياره على ورقة اقتراع، ثم يضعها داخل جرة كبيرة من الفضة المزخرفة بالذهب، ويلزم ضمان حصول الاسم المرشح على ثُلثي الأصوات ليُنتخب البابا.
وبينما تدور كل هذه الأحداث، ينتظر المؤمنون الكاثوليك في ساحة القديس بطرس القريبة، ويراقبون الدخان الذي يتصاعد من مدخنة كنيسة سيستين.
تُحرق أوراق التصويت ويحمل الدخان المنبعث من عملية الحرق رمزية خاصة: إذا لم يُنتخب البابا، تُحرق الأوراق مع مادة كيميائية سوداء تُطلق دخاناً أسود (إشارة لعدم عدم اختيار أحد)، وإذا انُتخب البابا، تُحرق الأوراق بدخان أبيض (إشارة إلى اختيار الحبر الأعظم).
وعندما يحصل أحد الكرادلة على الأصوات الكافية واختياره لتولي مهام البابا، يُسأل: “هل تقبل انتخابك الحبر الأعظم؟”، فإذا وافق، يُسأل مرة أخرى “بأي اسم تختار أن تُدعى؟”
ثم تأتي مرحلة الإعلان الرسمي، وفيها يُقدَّم البابا الجديد من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بكلمات شهيرة باللاتينية هي Habemus Papam!”” والتي تعني بالعربية “لدينا بابا”، ثم يُبارك “الحبر الأعظم” الجديد العالم لأول مرة بصفته خليفة القديس بطرس.
يذكر أن أطول “كونكلاف” في التاريخ استمر لمدة عامين وتسعة أشهر، بدءاً من عام 1268، لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت المجمعات المغلقة أسرع، ومنذ أوائل القرن العشرين، باتت تستغرق في المتوسط ثلاثة أيام، وقد جرى انتخاب البابا فرنسيس وسلفه البابا بنديكتوس السادس عشر خلال يومين فقط.
أبرز محطات تاريخ الكونكلاف

الـ”كونكلاف” السادس والسبعون الذي يبدأ اليوم، السابع من مايو/أيار، بالصيغة التي نعرفها حالياً، أنشأه البابا غريغوريوس العاشر في العام 1274 ميلادياً.
ويشير موقع الفاتيكان إلى أن الـ”كونكلاف” قبل هذا التاريخ كان يتضمن مشاركة الجماعة المحلية، أي أبرشية روما، وكان المؤمنون يقترحون أسماء المرشحين، على أن يجري اختيار واحد منهم من قبل الأساقفة، وخلال الفترة بين القرنين الرابع والحادي عشر ميلادياً كانت عملية التصويت خاضعة لتجاذبات ونفوذ خارجي، من جانب الأباطرة الرومان وغيرهم.
وفي عام 1059 اتخذ البابا نيكولاوس الثاني (990-1061) قراراً يقضي بأن يُجرى التصويت على اختيار البابا بواسطة الكرادلة فقط، وقد صادق على هذا القرار نهائياً البابا ألكسندر الثالث (1100-1181) في عام 1179، وتقرر أن تُجرى عملية التصويت عندما يحصل الكاردينال على ثُلثي أصوات الناخبين، وهو النظام المتبع حتى الآن.
وفي عام 1268، عُقد في القصر البابوي في فيتيربو أطول كونكلاف في التاريخ، شارك فيه ثمانية عشر كاردينالاً، وانتخبوا البابا غريغوريوس العاشر (1210-1276) بعد سنتين وتسعة أشهر، ومنذ ذلك التاريخ تقرر أن تُجرى جلسات التصويت وراء الأبواب المغلقة من الداخل والخارج، لذا أطلق عليه الكلمة لاتينية الأصل “كونكلاف”، والتي تعني “الغرفة المغلقة بمفتاح”.

عُقد أول كونكلاف بالمفهوم الذي نعرفه حالياً في أريتسو عام 1276، وانتُخب البابا إينوسنت الخامس (1225-1276)، وفي عام 1621 ألزم البابا غريغوريوس الخامس عشر (1554-1623) الكرادلة بالاقتراع السرّي والخطّي.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، في عام 1945، صادق البابا بيوس الثاني عشر (1876-1958) على دستور “الكرسي الرسولي الفاتيكاني”، والذي تقرر بموجبه أنه مع بداية شغور الكرسي البابوي تنتهي مهام جميع الكرادلة، بما في ذلك أمين سر الدولة وعمداء المجامع والدوائر، باستثناء الكاردينال الكاميرلينغو، وهو المسؤول عن إدارة شؤون الفاتيكان المادية والإدارية أثناء فترة شغور الكرسي الرسولي، ورئيس محكمة التوبة ونائب البابا العام على أبرشية روما.
أما البابا بولس السادس (1897-1978)، فقد قرر أن يقتصر حق التصويت على الكرادلة دون الثمانين من العمر.
وينص الدستور الرسولي المتبع حاليا، بحسب موقع الفاتيكان، والذي أصدره البابا يوحنا بولس الثاني (1920-2005) في عام 1996 وعدّله البابا بندكتوس السادس عشر عام 2013، فيما يتعلق بانتخاب البابا على واجب أن يُعقد الكونكلاف في كنيسة سيستين.
كما أصدر البابا بندكتوس إرادة رسولية تنص على أنه بعد 34 جلسة تصويت دون نتيجة، يُدعى الكرادلة إلى التصويت لأحد اثنين من الكرادلة اللذين نالا النسبة الأكبر من الأصوات في الجلسة الأخيرة، مع الحفاظ على أغلبية الثثلثين التي تبقى ضرورية من أجل انتخاب “الحبر الأعظم”.
- السّر الكبير: ماذا يأكل الكرادلة المرشحون لمنصب بابا الفاتيكان؟
- تحويل سيارة البابا فرنسيس إلى عيادة متنقلة لعلاج أطفال غزة
- ترامب يتعرض لانتقادات بعد نشره صورة بالذكاء الاصطناعي باعتباره البابا
مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.