الأنفاق وفيلادلفي: ماذا نعرف عن أسباب وتداعيات التوتر بين مصر وإسرائيل بسبب الحدود مع غزة؟

أجرى الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، زيارة نادرة الأربعاء لتفقد الوضع الأمني على الحدود مع قطاع غزة، وذلك في اليوم التالي لإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نيته استمرار القوات الإسرائيلية في السيطرة على طول حدود غزة مع مصر يما فيها محور فيلادلفي، وكذلك معبر رفح، بعد الاستيلاء عليه في مايو/أيار، واتهامه مصر بأنها لم تقم بما يكفي لمنع وصول السلاح عبر الانفاق لقطاع غزة.

رئيس الأركان المصري أعلن من مسافة أمتار من الجدار الفاصل بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية أن المهمة الأساسية للقوات المسلحة المصرية هي حماية حدود الدولة في جميع الاتجاهات الاستراتيجية. وقال إن: “القوات المسلحة قادرة على الدفاع عن حدود الوطن جيلاً بعد جيل”.

رسالة فهمها البعض على أن مصر نشرت قوات على الأرض في سيناء على طول حدودها مع غزة ردا على وجود إسرائيل العسكري في محور فيلادلفي الذي انسحبت منه عام 2005 وأن تجاهل بنود الاتفاق قد يواجه بتجاهل مصري مشابه.

وتقول إسرائيل إن القوات الإسرائيلية كشفت عن العديد من الأنفاق في المنطقة، بينما تنفي مصر أن تكون هناك أي أنفاق تصل بين الجانبين معتبرة التصريحات الإسرائيلية تهدف لاستمرار القوات في المحور وإفساد أي اتفاق لوقف إطلاق للنار وتبادل المحتجزين.

فكيف يرى الجانبان المصري والإسرائيلي التطورات الأخيرة عند محور فلاديلفي ومعبر رفح في ظل وضع متأزم للغاية القى بظلال كثيفة على فرص التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة؟

هذا ما يجيب عنه عسكريان سابقان من مصر وإسرائيل.

ما الرسالة التي تريدها مصر من وراء تفقد رئيس أركان القوات المسلحة المصرية التدابير الأمنية على حدود غزة؟

اتفق الخبيران العسكريان على أن هناك عدة رسائل حملتها زيارة رئيس أركان الجيش المصري للحدود مع غزة، أهمها “أن مصر جادة فيما تقول وأنها لن تقبل بمخالفة إسرائيل لالتزاماتها مع مصر”.

سمير فرج، وهو لواء سابق ومدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري، قال لبي بي سي إن هناك عدة رسائل أرادتها القاهرة من وراء الزيارة التي قام بها ثاني أرفع مسؤول عسكري بالجيش إلى الحدود.

وأوضح أن الرسالة الأولى هي “للجندي المصري الموجود على خط الحدود، حيث نقول له إن رئيس الأركان جاء بنفسه ليطمئن عليك وعلى أوضاعك وأنك تفهم وتعرف مهمتك جيدا”.

والرسالة الثانية بحسب فرج هي “لطمأنة الشعب المصري بأن حدوده مؤمنة جيدا وأن رئيس الأركان وكبار القادة راجعوا الخطط الدفاعية عن تلك الحدود”.

أما الرسالة الثالثة فقال فرج إنها “إلى من يهمه الأمر، ليعرف أن الجيش المصري جاهز لتأمين حدود مصر في الاتجاه الشمالي الشرقي”.

أما كوبي لافي، مستشار وزارة الدفاع في إسرائيل سابقا، فقال لبي بي سي إن زيارة رئيس أركان الجيش المصري تمت لأربعة أسباب، الأول “أن مصر تقول لحماس إنها تفعل ما تقوله وأنها جادة فيه، وأنها لا تريد من إسرائيل أن تخترق القوانين وتتواجد بقواتها في معبر رفح أو محور فيلادلفي”.

والسبب الثاني وفقا لكوبي هو “إرسال رسالة بأن عودة محور فيلادلفي لقبضة حماس لا يعني السماح لها بحفر أنفاق جديدة وأن مصر لن تقبل ذلك”، مشيرا إلى أن تواجد رئيس الأركان بنفسه في تلك المنطقة معناه أن مصر ستبذل ما بوسعها لرفض الوجود الإسرائيلي بها ولكن في الوقت ذاته لن تقبل المساس بالأمن القومي المصري من جانب حماس.

وأوضح كوبي أن السبب الثالث هو أن مصر تقول للولايات المتحدة والدول الفاعلة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي إن القاهرة لا تقبل بالوجود الإسرائيلي في معبر رفح ولا محور فيلادلفي لأن هذا يتعارض مع الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن.

وشدد على أن السبب الرابع هو إرسال رسالة لإسرائيل مفادها أن مصر لن تقبل بوجود قوات إسرائيلية في رفح ولا فيلادلفي وأن هذا يخالف الاتفاقيات المبرمة، ومثلما القاهرة ملتزمة بالاتفاقيات فيجب على تل أبيب الالتزام بها هي الأخرى.

وتسيطر إسرائيل على محور فيلادلفي، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل ممرا ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومترا، وترفض الانسحاب منه.

جغرافياً يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبا.

وتؤمن إسرائيل بأن هذا المحور الحدودي مع مصر هو بوابة حماس الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب يمر عبر أراضيها.

ما سبب الجدل حول الأنفاق برغم التأكيد المصري على تدميرها بالكامل من جانبها؟

قال سمير فرج إن إسرائيل تستخدم قضية الأنفاق ك”حجة” من أجل تعطيل اتفاق الهدنة ومحاولة إيجاد سبب أو مبرر يغطي على تهربها من هذا.

وأوضح أن مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم قبل 10 سنوات كانت أولويتها الأولى هي تأمين الحدود المصرية، حيث كان يوجد 2,000 نفق بين مصر وغزة، وخلال عامين تمت إزالة هذا العدد من الأنفاق بالكامل لحماية الأمن القومي المصري.

وتابع أنه الأكثر من ذلك أنه كانت هناك مدينة رفح المصرية ومدينة رفح الفلسطينية وكانتا متواصلتين معا عبر الأنفاق، فقامت السلطات المصرية بنفل سكان رفح المصرية إلى مكان آخر وتمت إزالة مدينة رفح المصرية بالكامل والقضاء على الأنفاق الواصلة إلى رفح الفلسطينية.

وشدد فرج على أن إسرائيل تعلم ذلك جيدا وكانت تتابعه عبر الأقمار الصناعية كما أن السلطات المصرية كانت تنسق معها أحيانا خلال عمليات إغلاق الأنفاق من أجل إدخال قوات أو معدات لهذا الغرض، وحينما دخلت قوات إسرائيل أنفاقا في محور فيلادلفي من الجانب الفلسطيني وجدتها مغلقة من الجانب المصري.

فيما قال كوبي إن الأنفاق فعلا تم إغلاقها من الجانب المصري لكنها تظل موجودة من الجانب الفلسطيني، وفي أي وقت تستطيع حماس إذا سيطرت على المنطقة أن تغير مسار كل نفق إل بعيد على الفتحة التي أغلتها مصر وتفتح له فتحة جديدة وتستخدمه في التهريب، ومن ثم فإسرائيل متخوفة من ذلك.

ولكن سمير فرج قال إن هذا مستحيل لأن مصر وضعت مواد بناء شديدة الصلابة على طول الحدود بينها وبين غزة.

إلا أن لافي أوضح أنه وفقا للمعلومات المتاحة أن مصر اكتفت فقط بإغلاق فتحات الأنفاق من جانبها ولم تعمل على تبطين كامل الحدود بمواد البناء، ويمكن لحماس تغيير مسار الأنفاق يمينا أو يسارا أو حتى أسفل وعمل فتحات جديدة.

وكان بيان سابق للهيئة العامة للاستعلامات، الجهاز الحكومي المسؤول عن الإعلام الأجنبي في مصر، نفى ما تردد حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية عبر أنفاق.

وأشار البيان آنذاك إلى الجهود المصرية للقضاء علي هذه الأنفاق حتى تم القضاء على 1,500 نفق كانت تستخدم لتهريب المقاتلين والأسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية في سيناء، ذلك عقب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين عام 2013 و حتى عام 2020، كما تم عمل منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات من مدينة رفح المصرية و حتى الحدود مع غزة.

هل تقود التوترات بين مصر وإسرائيل إلى خطر المواجهة العسكرية بين الطرفين؟

أكد سمير فرج بشكل قاطع أنه “لن تقع مواجهة عسكرية بين مصر وإسرائيل، والجهود الدبلوماسية تبذل لتنفيذ اتفاقية السلام والالتزام بها بشكل كامل”.

في 25 مارس آذار عام 1979 وقعت مصر مع إسرائيل معاهدة أكدت فيها الدولتان التزامهما “بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد” المؤرخ في 17 سبتمبر أيلول 1979.

تمنع الاتفاقية التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها وتلزمهما بحل كافة المنازعات التي تنشأ “بالوسائل السلمية”.

ونظمت الاتفاقية التاريخية كذلك شكل الوجود العسكري على الحدود بين البلدين وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة.

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فإن محور فيلادلفي هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة “فك الارتباط”.

وأوضح سمير فرج أنه في حال أصرت إسرائيل على مخالفة التزاماتها مع مصر فإن القاهرة “لن تلجأ لتجميد اتفاقية السلام كليا، ولكن قد تلجأ زيادة قواتها على الحدود أو تجميد التنسيق العسكري معها، وهناك مليون طريقة أخرى بعيدا على المواجهة العسكرية”.

فيما قال لافي إنه في رأيه لا يعتقد أن يصل الأمر بين مصر وإسرائيل إلى مواجهة عسكرية، وقال:” مصر وإسرائيل وقعتا في فخ نصبته لهما حماس وإيران لأنهما المستفيدان من أن تتقاتل الدولتان،” حسب وصفه.

وأكد أن “من مصلحة مصر وإسرائيل عدم بقاء حماس في محور فيلادلفي، ولكن مصر لا تستطيع أن تقول ذلك بصوت عال مثل ما تقوله إسرائيل” وفق تعبيره.

هل تتأثر مفاوضات الهدنة بإصرار مصر وحماس على رفض أي وجود إسرائيلي في ممر فيلادلفيا ومعبر رفح؟

قال سمير فرج إن حماس تصر على انسحاب إسرائيل من كامل أراضي غزة بما فيها فيلادلفي كمبدأ ترتكز عليه مفاوضات وقف إطلاق النار، “وهذا حقها لأن هذه أرضها”، مشيرا إلى أن إسرائيل من جانبها لا تريد الانسحاب قبل الإفراج عن جميع رهائنها لدى حماس، وهذا كله بالطبع يهدد بعدم إتمام مفاوضات الهدنة من الأساس.

من جانبه، قال لافي “بالتأكيد هذا يعوق جهود التوصل لهدنة لأن حماس لا تريد السلام ولا التهدئة بسبب أن ذلك يتعارض مع مصلحة إيران”.

وشدد على أن “إسرائيل متخوفة من أن تترك محور فيلادلفي فتقوم حماس بإعادة تشغيل الأنفاق وتهريب الرهائن الإسرائيليين عبرها إلى إيران وسيكون هذا فشل استخباراتي وعسكري إسرائيلي كبير”.

وبحسب لافي “لهذا السبب تصر إسرائيل على الإفراج عن جميع الرهائن قبل التفاوض على مطالب حماس بشأن الانسحاب من فيلادلفي وبقية أراضي غزة”.

وفشلت أشهر من المحادثات المتقطعة في إنهاء الحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة أو تحرير الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم حماس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وهناك خلافات بشأن مقترحات جديدة تتضمن تسويات بشأن نقاط عالقة مثل كيفية تأمين المناطق الرئيسية وعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة.

ما مدى انفتاح مصر وإسرائيل على أي حلول وسط لتهدئة التوترات بينهما؟

أوضح سمير فرج أن مصر هي المتضرر الأول مما يحدث في غزة من جانب إسرائيل، والأمن القومي المصري بات في خطر حقيقي، ولذلك فمصر مع أي حل حقيقي يؤدي لتهدئة الأوضاع على حدودها.

وأشار إلى أن المسألة حاليا في يد الرئيس الأميركي وقدرته في الضغط على نتنياهو من أجل الانسحاب الكامل من غزة ومحور فيلادلفي وفق مطالب حماس وبالتالي وقتها ستنجح المفاوضات في وقف إطلاق النار وتختفي التوترات بين القاهرة وتل أبيب.

من جانبه أكد كوبي لافي أنه إذا كان هناك مقترح أو حل وسط يحقق المطالب الأمنية لإسرائيل فلن ترفضه لتهدئة التوترات مع مصر، لأن إسرائيل لا ترى مصر عدوا لها، بل على العكس من ذلك تتعايش مع مصر جنبا إلى جنب منذ عقد اتفاقية السلام قبل 40 عاما ولم تتقاتل معها منذ هذا التاريخ ولا تريد ذلك.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.