مفترق طرق: ما سرّ نجاح “الزوجة الصالحة” بنسخته العربية؟

هند صبري

shahidvod
هند صبري

هل شاهدتم الحلقة الأخيرة من مسلسل “مفترق طرق”، أم ليس بعد؟ لن نكشف لكم الأحداث، ولكنّ إحدى زميلاتي أخبرتني أن العمل جذبها لدرجة أنّها شاهدت 45 حلقة خلال يومين فقط.

تصدّر العمل لائحة أكثر الأعمال مشاهدة على منصّة “شاهد” في عدد من الدول العربية، على مدى الأسابيع الماضية. وذلك ليس غريباً، لأن الحبكة تحتوي على العديد من عناصر جذب المشاهدين: زواج منهار، حبّ من طرف واحد، تلاميذ مدارس يكتشفون الغرام والانتقام على طريقتهم، وعلى هامش الخطّ الدرامي الرئيسي، حبكات فرعية لجرائم قتل، وفساد مالي، ومكائد. ما الذي يريده الجمهور أكثر في مسلسل تلفزيوني؟

لكن يبدو أن المسلسل ذهب خطوة أبعد من ذلك، مع احتدام النقاش حول عدد من القضايا الاجتماعية التي طرحها على مواقع التواصل. فمنذ عرض الحلقات الأولى، وحتى النهاية، انقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض لخيارات البطلة أميرة (هند صبري)، وهي محامية تعود إلى العمل بعد 15 عاماً من الانقطاع، لتبدأ من الصفر كمتدرّبة، إثر سجن زوجها عمر (ماجد المصري)، المسؤول الرفيع، المتهم بقضية فساد.

تنقلب حياة الأسرة رأساً على عقب، فيما تعيش البطلة صراعاً بين التزامها الأسري وهواجسها كأمّ، وبين حبّ يتجدّد تجاه مديرها يحيى (إياد نصار)، والذي كان زميلها السابق في الجامعة. يحيى يحبّ أميرة، ودارين (جومانا مراد) تحبّ يحيى. دارين هي شريكته في مكتب المحاماة، وتعيش حلم الإنجاب، فتجمّد بويضاتها، على أمل أن تتغيّر مشاعر يحيى تجاهها.

إياد نصار

shahidvod
إياد نصار

يبدو أن كثراً وجدوا في قصة أميرة، وأزماتها العائلية والعاطفية والمهنيّة، مرآة لمعضلات أساسية تختبرها نساء في زماننا، بين دورهنّ كأمهات، والعودة إلى سوق العمل بعد تكريس الحياة للعائلة، والتعامل مع التوقّعات الاجتماعية منهنّ ليكنّ “زوجات صالحات”، لا تشوبهنّ أي شائبة، تماماً كما يعد عنوان المسلسل الأمريكي الأصلي “الزوجة الصالحة” The Good Wife (2009-2016).

حول الهيكل الأساسي للقصة الأمريكية، بنى صنّاع العمل منتجاً مصرياً وعربياً في الصميم، من خلال سيناريو وحوار يغرف من واقع المحاكم المصرية، ويتماهى مع معضلات قد تواجه أي أسرة عربية: ماذا يفعل أولادنا على مواقع التواصل؟ ما هو الخيار الأمثل للتصرّف في حال حدوث خيانة زوجية، الانفصال أم إعطاء فرصة ثانية؟ ما هي خيارات الزوجة إن قررت ترك زواج فاشل؟ لماذا يشجّع مجتمعنا النساء على التضحية وإن تعرّضن للإساءة؟ ما التحديات التي تواجهها الأمهات اللواتي تفرغن للتربية حين يعدن إلى سوق العمل بعد انقطاع؟.

النسخة العربية، من إنتاج “كاريزما” (أيمن الزيود) لصالح مجموعة “أم بي سي”، وكتابة شريف بدر الدين ووائل حمدي، وإخراج محمد يحيى مورو، مع رؤية فنية لخالد موسى.

كُتبت النسخة العربية عام 2020، وتأجّل إنتاجها بسبب جائحة كورونا، وصُوّر “مفترق طرق” عام 2021 بين مصر وأبو ظبي، كما يخبرنا المنتج المنفّذ للعمل محمد مشيش، وهو العقل المدبّر خلف عدد من الأعمال المعرّبة الناجحة بدءً من “لعبة الموت” (2013)، و”طريقي” (2015)، و”غراند أوتيل” (2016)، وصولاً إلى “منعطف خطر” (2022).

ويرى مشيش في اتصال مع بي بي سي عربي، أن أبرز عناصر نجاح تجربة تعريب “الزوجة الصالحة”، هي أن “البشر في كلّ مكان يتشابهون في الجوهر، ونواجه نفس المشاكل والتحديات الإنسانية، ولكن ما يختلف هو تأثير المجتمع، الحريات، الدين، والقوانين على سلوكنا”.

مع البناء على وحدة الحالة الإنسانية كقيمة مشتركة في معظم الأعمال الفنية والأدبية، يرى المنتج أن هناك شروطاً تسويقية وثقافية تحكم نجاح عملية تعريب أي نموذج أجنبي. ويقول: “عملية تكييف أي “فورما” (نموذج) مع بيئتنا العربية ليست صعبة، ولكنّ التحدي كان في جعل الحوار مصرياً بطريقة طبيعية ومقنعة، وفي التعامل مع الفروقات الثقافية بين المجتمعين”.

يوضح مشيش أن صناع العمل العرب استخدموا حوالي 20 بالمئة من محتوى الحلقة الأصلية، والباقي كُتب من قبل الفريق العربي بقيادة الراحل شريف بدر الدين (1979-2024)، ووائل حمدي.

ويتابع المنتج: “حذفنا بعض القضايا والشخصيات التي لا تتناسب مع الثقافة العربية، وأضفنا شخصيات جديدة وقصصاً فرعية لتعزيز الحبكة الدرامية”، وبرأيه: “الأهم هو أن يكون المفهوم العام للمسلسل قريباً من واقعنا وثقافتنا”.

مع مراعاة بعض الخصوصيّات بما يخدم السياق الدرامي وواقعية الطرح في مجتمع عربي، حاول العمل التطرّق إلى ملفات قد تبدو شائكة، من خلال سرد قصص فرعية على هامش قصة أميرة، من خلال القضايا التي تترافع فيها.

من بين الخطوط التي أثارت الجدل، قضية راقصة ترفع دعوى اغتصاب، في طرح جريء لمعنى التراضي، وتحميل مسؤولية الجريمة للجاني وليس للضحية بحجة لباسها أو في هذه الحالة مهنتها. ومن الخطوط ذات الطرح الجديد، قصة سيدة يوصلها اكتئاب ما بعد الولادة، ووصمة العار حول صحتها النفسية، للانتحار.

رغم ذلك، بقي الطرح ضمن الحدود الآمنة، ويبتعد عن خوض “معارك ليست معاركي”، كما يقول المنتج المنفذ محمد مشيش.

من جانبه، يرى الصحفي والناقد ربيع فران أن “مشيش صاحب باع طويل في تعريب الأعمال الأجنبية، ولكني لا أعتقد أن النسخة العربية من الزوجة الصالحة وازت النسخة الأمريكية بجودتها، ربما هناك ظروف إنتاجية مع أم بي سي تفرض خطوطاً عريضة معينة”.

ويتابع: “ما شاهدناه هو عمل دافئ يصلح لكلّ أفراد الأسرة، وكان فيه حضور قوي للأطفال المشاركين في التمثيل الذين أدوا أدوارهم بإبداع”.

ويؤدي يوسف سليمان دور زياد، وجودي مسعود دور زينة، دور طفلي أميرة، اللذَين يعيشان تجربة اكتشاف عالم جديد في مدرسة مختلفة، وقلقاً دائماً من انفصال والديهما.

ونجح صناع العمل بوضوح في إنشاء رابط بين الجمهور والشخصيات الثانوية، وذلك من خلال وضعها في سياقات واقعية تتيح التعاطف معها. من هذه الشخصيات منة (نادين عصام) تلميذة المدرسة المراهقة التي تخطّط لمؤامرات تتجاوز عمرها بكثير.

ومنحت النسخة المعرّبة بعض الشخصيات الرئيسة في النسخة الأمريكية “حياة ثانية” إذا صح التعبير، لا سيما شخصية رامز (علي الطيب)، المحامي المتدرّب الطموح، الساعي لوظيفة ثابتة بأي ثمن، وولاء حنفي (هدى المفتي)، المساعدة الذكية في مكتب “واصف وعلام” التي لا يصعب عليها شيء، ولا يفوتها أي تفصيل.

أدى الشاب يوسف سليمان دور زياد والشابة جودي مسعود دور زينة، ولدي أميرة

shahidvod
أدى الشاب يوسف سليمان دور زياد والشابة جودي مسعود دور زينة، ابن وابنة أميرة

وتقول الناقدة والصحافية سامية عايش لبي بي سي عربي إنها من محبّي العمل الأصلي، لذلك كانت متخوفة من تعريبه، “نظراً لفشل تجارب مماثلة في السابق. ولكن هذا المسلسل بالتحديد كان استثناء، إذ أخذ الخطوط العريضة للمسلسل الأمريكي وقدمها في إطار عربي. قد يكون لدى البعض تحفظات على طريقة التقديم أو حتى مدى واقعية بعض الخطوط، ولكن برأيي، هذا ليس الشيء المهم. المهم هو كيف تمّ سرد قصة هذه السيدة”.

وبرأي سامية عايش أثار العمل الاهتمام بفضل شخصية أميرة، “وكيف تطورت من امرأة محطمة في البداية إلى امرأة قوية وواثقة من نفسها. حتى في المشهد المحوري في الحلقات الأولى، عندما سُئلت عما إذا كانت زوجة المحافظ، أجابت بخجل وتردّد. ولكن لاحقاً، عندما سألها صحفي نفس السؤال، أجابت بثقة: نعم، في تلك اللحظة، شعرت أن الشخصية قد تغيّرت تماماً”.

ترى سامية أنّ “تجربة تعريب هذا المسلسل توضح لنا أن مشاكل النساء عالمية، على الرغم من وجود اختلافات ثقافية، إلا أن التحديات والصراعات متشابهة إلى حد كبير، سواء كانت مع الأبناء، الزوج، العمل، أو نظرة المجتمع”.

وبرأيها ربما “تعدينا أميرة إلى تجارب شخصية مررنا بها، مثل اكتشاف أن الطرف الآخر في العلاقة لم يكن صادقاً أو صريحاً، واضطرار نساء إلى مواجهة المجتمع بأكمله، وحيدات، بدءً من العائلة والأصدقاء وصولاً إلى العمل، وشعورهنّ بأنهنّ مضطرات للاستمرار، من أجل أولادهنّ، ومن أجل أنفسهنّ، ومن أجل إثبات ذواتهنّ. أعتقد أن نساء كثيرات يتفهمن دوافع أميرة وظروفها”.

وهكذا، ورغم انتظاره على الرفّ لنحو ثلاث سنوات، يبدو أن المسلسل نجح – بطريقة ما – في تذكير مشاهدين كثر في العالم العربي، بهموم حياتهم اليومية بكلّ تعقيداتها وبؤسها، وبـ”مشاكلهم الصغيرة” المستمرّة، رغم هول الحرب والمأساة الإنسانية المستمرّة منذ أكثر من عشرة أشهر في غزّة، كأننا كنا بحاجة لدراما “عاديّة”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.